|
عرار:
هدف شائك ذاك الذي يدفع الأديب للغوص داخل أعماق النفس الإنسانية ، والتجول بين جنباتها ، واصطياد أوجاعها ومسراتها ، ثم الخروج منها والالتحام بالأرض والسماء والهواء والماء ومعايشة نور وظلام الكون والنفس ، وذاك ما فعله الإديب العراقي محمد الحسيناوي في ثلاثيته التي تحمل هموم وطنه .. الرصيف واللعنة والمقبرة . ونبدأ بدلالية العناوين التي حمّلها الأديب بمعانِ ناءت بحملها ؛ فالرصيف هو جزء الوطن العاري وجرحه الممزوج بملحه ، عليه تنبت القصص وتذوي وتبدأ الحيوات وتنتهي ، وهو مكان لا غني عنه ، مكان يُجبر الجميع دون إجبار على المرور به في انتظار أقدارهم أو الوصول لها ، وبينما نحن ننتظر معهم تحدث اللعنة لكل من يتجرأ على آدمية الإنسان المطلق ؛ وكأن الكاتب يقول : ملعون من شارك الرب في عبوديته لخلقة ، وفيما تتحق اللعنة نصل للمقبرة في جدلية أخرى للنور والظلام وانتصار للبقعة الفاصلة بينهما ؛ فالموت نهاية الأحياء والأحلام والطموح ، ولكن من القسوة أن يكون بيد الأحباب . كل مسرحية من المسرحيات الثلاثة تحمل رسالة هامة ومعناً عميقاً ؛ فعلى الرصيف تتجسد قوى لا جنسية لها ولا دين ، قوى متعددة الأقنعة لا إخلاص لها سوى للخديعة ، على الرصيف رجل وامرأة وطفل رموز ثلاثة .. أم وأب وطفل بينمها حلم ؛ حلم أب بلقمة العيش وحلم أم بسعادة أولادها وحلم طفل بالحلوى ، وأحلام بالحرية والكرامة والحياة ... وعلى الرصيف تمتد الحكايا لتصل لبقعة أخرى ، ربما على نفس الرصيف وربما على الرصيف المواجه له ، حكايا تصلح لكل زمان ومكان يستعين الكاتب في نسجها بفانتازيا مطوعة تطويعا بناءياً لخدمة المسرحية ، فالمسؤول الذي يملك كل شئ يدفعه المرض للبحث عن متطوع بدماغه وحين يجده يسلبه منه ويتناسى أن للوطن الذي سرقه لعنة وأنه لابد متذوقها ، وتتحقق اللعنة حين يستيقظ وقد استبدل دوره بدور الفقير على غفلة منه . ومن الرصيف للعنة يصل الكاتب بالقارئ للمقبرة في دلالية جديدة لحلم قُبر قبل ولادته ، وفي جدلية أخري للنور والظلام تموت الأم بحبة دواء خطأ لتصل للمقبرة وتتحقق اللعنة ونعود للرصيف . إن المسرحيات الثلاثة تحمل فكراً عميقاً سيق في لغة بسيطة ، هي لغة عالمية عربية بلا لهجات محلية وكأن الكاتب يقول إن هذه القصص تتم في مشرق الوطن ومغربه بغض النظر عن اختلاف لهجاته ، فلا حدود ولا سدود ، بل كلنا يحمل وجعاً واحداً تتكرر فيه الحكايات بوجوده مختلفة بعضها أسمر وبعضها أبيض ، وبين السمار والبياض نتشارك رغيف وجع واحد وقد اعتمد الكاتب على الرمزية والفانتازيا والحبكة الروائية المعقدة ، مع الزمان اللامقيد والمكان اللامحدود من أجل خدمة فكرته الأساسية المسرحيات الثلاثة هي صرخة ألم لرجل امتزج بهموم وطنه فصار هو هو " ديوان العرب " الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الأربعاء 22-05-2019 11:29 مساء
الزوار: 1163 التعليقات: 0
|