بيدر جهاد
«ملائكة الحياة والحب»، رواية توازن بين الإنساني العام والشخصي، يقدمها موقع تلك الكتب الصيني للقارئ العربي وباللغة العربية ضمن ما يسمى بأدب الإنترنت الذي يلاقي رواجًا منقطع النظير في الصين. وتعتبر رواية «ملائكة الحياة والحبّ» من الأعمال اللافتة والمهمة والتي تلاقي متابعة قوية من قبل القراء.
هي رواية تتحدث عن عدة أطباء صينيين، سنعاني معهم مشاكلهم الشخصية وفي ذات الوقت سنعاين تجاوزهم لهذه المشاكل من أجل المصلحة العامة، وقدرتهم على صناعة الحياة وخلق المحبة رغم كلّ ما يعانون منه. وهي رواية تعلم قارئها أنّ الفردية وإن كانت مهمة إلا أنها لا تتجلى إلا من خلال الحرص على ما هو جماعي.
فعلى امتداد فصول الرواية سنتعامل مع الكثير من المقولات من مثل، أنّ الحياة لا تمنح كل شيء، فمع الحبّ قد يأتي الألم، ومع ولادة أمل جديد، ربما يهاجم المرض الأمل، ولكن اليأس ليس حلاً يلجأ إليه الإنسان. لعلّ هذه العبارة، تلخص حكاية طبيبتين تعيشان وسط الموت والحياة، وسط الفرح والحزن، ووسط الاحتمالات الطبية والعلمية التي تمارسانها في قسم التوليد حيث تعملان، وتحاولان دوماً تقديم الأفضل للآخرين. إن ما يميز هذه الحكاية، كونها تلقي الضوء على مسألة أساسية لا مهرب منها، تتمثل في أنّ الإنسان مجبر على الخوض في حياة الآخرين، ومشاركتهم تفاصيل مهمة بغض النظر عن نوعها، فالإنسان في عصر الآلة، ومهما تأثر بطبيعة العمل الحديثة وظروف الحياة المتطورة، يظلّ إنساناً يحمل نزعة وجدانية مؤثرة، هي التي تميز وجوده وإنسانيته، وتجعله واعياً في الحياة اليومية.
ملائكة الحياة والحبّ، عنوان لحكاية عميقة تضمّ شخصيات متنوعة تحوم حول بطلتين، وتعبر فعلاً عن الحبّ والأمل اللذين يتم تقطيرهما من الألم، رواية مخضبة بإنكار الذات بالقدر الذي تهتم فيه بخصوصية الفرد وحياته الشخصية. ولكنّها وإنْ كانت تحترم الفردانية المتفاعلة مع المجتمع إلا أنها تنقض وتتضاد مع السلوك الأناني الذي يرى في الفرد محور كلّ شيء، فالفرد هنا هو المحور بقدر ما يخدم الوجود الجمعي أيضًا.
ثم قيم سامية يتعامل معها النص، الصداقة الحبّ، العطاء، العائلة. هذه المفاهيم التي تشكل خارطة ثابتة لفهم المجتمع الصيني والثقافة الصينية. فنحن ننطلق مع الطبيبة يانغهان وصديقتها روشيا العاشقة للطبيب يميننغ، لنرى كيف تغلب يانغهان مفهومها للصداقة وتفضله عن مفهومها للحبّ، فتخبر يميننغ، أنّه لو كان آخر رجل في الدنيا فلن ترتبط به، لأنها لا يمكن أن تفقد صديقتها الأعز والأقرب بالنسبة لها. يتغلب هنا مفهوم الصداقة ويرتقي إلى حدّ القداسة في الذاكرة الصينية، تماما مثله مثل مفهوم العائلة والتي تمثل الفكرة الرئيسة لاندغام الفرد وولائه للمجموع، دون أن يتلاشى أو تضيع ملامحه الخاصة.
ربما يشعر القارئ ببطء مسار الأحداث في الرواية، ولكن هذا يتأتى من خلال تداخل العام والخاص، فأنت، وفي أثناء متابعة حدث تفصيلي يخص حياة يانغهان أو روشيا وعلاقتهما مع يوشو أو يميننغ وانخراطهما حتى الألم في تفاصيل علاقاتهم ببعضهم بعضًا، تضطر إلى بتر متابعة الحدث لتنسجم كليًا في حدث آخر يخص مهامها الطبية وقصص المرضى الذين تتابعهم وكيف تعمل من أجل إنقاذ حياة امرأة أو طفل تاركة كل ما هو شخصي خلفها.
أسلوب سلس، ممتع، وأحداث شائقة، تجعلك تنزلق في النص ومجاهيله وتفاصيل شخصياته، وحكايات المرضى وأوجاعهم. وتأخذك الرواية في رحلة غنية لاستكشاف عوالم الإنسان الصيني وولعه بثقافته ومفاهيمه الخاصة، التي يشكل الإنسان محورها الرئيس.
مدائن الحبّ هو الاسم الذي تنشر به الكاتبة، وهي من جيل الثمانينيات، ومن أبناء مقاطعة فوجان، متخصصة في تصاميم الديكور، وتهوى كتابة الرواية والشعر والنثر، وقد نشرت حوالي خمسمائة ألف كلمة.