جديد الأخبار
عرار العرب ولكل
العرب
عرار الإخبارية.. الزيارات(249 ): لا يمكن قراءة كتاب «يوميات رحالة» التي صدرت ترجمته عن «دار العربي» بالقاهرة للمستشرق البريطاني ديزموند ستيوارت (1924 - 1981)، دون وضعه في سياق أشمل يتجاوز مجرد مذكرات رجل تنقل في الشرق الأوسط ما بين بيروت وبغداد والقاهرة، وهو ما يتماس مع الاستشراق كإطار ملتبس يتفاوت ما بين الحماس والحذر في علاقة الشرق بالغرب. ويذهب المفكر الفلسطيني الأمريكي إدوارد سعيد (1935 - 2003) في كتابه الرائد «الاستشراق» إلى أن هذا المفهوم ينطوي على مبالغة في الاختلاف، وفرضية تؤكد تفوق الغرب، وتطبيق نماذج التحليل النمطية عن العالم الشرقي المتصور. بشكل عام، يُعد الاستشراق مصدر التصوير الثقافي غير الدقيق، أي أصول الأفكار والتصورات الغربية عن الشرق، خصوصاً منطقة الشرق الأوسط. وحسب سعيد، تتمثل السمة الأساسية في الاستشراق بأنه «تحيُّز خفي ومستمر محوره تفوق الحضارة الأوروبية ضد الشعوب العربية الإسلامية وثقافتها»، تُشتق تلك النظرة من التصورات الغربية عما يمثله الشرق واختزال الشرق إلى جوهر خيالي «للشعوب الشرقية». وتصف تلك التصورات الثقافية الشرق بـ«البدائي، اللاعقلاني، العنيف، المتطرف، الاستبدادي، أنه أدنى من الغرب، وبالتالي لا سبيل إلى (التنوير) إلا باستبدال القيم (الرجعية) بالأفكار (المعاصرة التقدمية)، التي إما أن تكون غربية أو متأثرة بالغرب». تخرج ديزموند ستيورات في جامعة أكسفورد عام 1948 لكنه عاش معظم حياته العملية في البلاد العربية، حيث أتقن اللغة العربية. انتقل أولاً إلى بيروت ثم غادرها إلى بغداد حيث كان يدرس الإنجليزية بكل من «دار المعلمين العليا» وكلية الآداب ويترجم الشعر العراقي. وحين استقر في القاهرة، عمل مراسلاً لعدد من الصحف البريطانية، وأخذ يؤلف الكتب عن الشرق مثل «القاهرة الكبرى: أم الدنيا» و«لورانس العرب» و«الإسلام المبكر» و«الأهرام وأبو الهول». وكان واسع الاطلاع على الأدب العربي حتى أنه ترجم إلى الإنجليزية «الأرض» لعبد الرحمن الشرقاوي و«الرجل الذي فقد ظله» لفتحي غانم. وفي كتابه «يوميات رحالة» (262 صفحة من القطع المتوسط)، ترجمة سمير محفوظ بشير، يبدو ستيورات متحرراً إلى حد بعيد من تلك النظرة الاستشراقية الاستعلائية إلى الآخر، ويكتب بعين محبة عن مشاهداته في العالم العربي والتاريخ المصري الحديث منذ الحملة الفرنسية على مصر بقيادة نابليون بونابرت 1798 حتى قيام ثورة 1952، كما يفرد مساحة للحديث عن الرئيس جمال عبد الناصر الذي أجرى أكثر من حوار معه، وبدا لافتاً أنه يصفه بـ«الصديق». ويصور ستيورات، بغداد، على أنها جزيرة ناعسة محاطة باللون الأخضر كما تبدو على الخريطة لكنه يعاني من هدوئها الشديد الذي يأخذ أحياناً شكل الرتابة كأنه هو نفسه لون الأرض البيضاء وجذوع النخيل النحيلة. من هنا، فوجئ لدى أيامه الأولى من إقامته بأحد الفنادق القاهرية بسيدة تصرخ بإنجليزية متقنة في جمع من النساء: يجب أن نذهب إليهم ونقضي على الأزمة ولو بالقوة! ولم تكن السيدة التي بدت مثل قائد عسكري رغم رقتها وملابسها الفخمة سوى إحدى سيدات الطبقة الأرستقراطية اللواتي قررن تغيير الواقع إلى الأفضل من خلال تنظيم رحلات جماعية إلى الريف والقرى في الوجهين البحري والقبلي للوقوف على مشكلات البسطاء على أرض الواقع. وحين اشتبك المؤلف في حوار معها فيما بعد عرف أنها كانت تقصد تحرير الفلاحين من خطر انتشار الحشيش والمواد المخدرة بينهم. والمدهش أنه لا يتفق معها في الرأي، حيث يرى أنه الأولى محاربة الفقر والتهميش لدى هؤلاء القرويين لاستعادة إنسانيتهم ثم الحديث بعد ذلك عن إنقاذهم من الإدمان، أي أن الحشيش وأخواته بالنسبة له عرض وليس جوهر المرض. ويصف المؤلف، القاهرة، بأنها مدينة رائعة إذا ما قورنت بالعاصمة اليونانية أثينا أو مدينة نابولي الإيطالية اللتين يعدهما «مخيبتين للآمال». وهو يعترف بأن لحضور الملوك في الشرق سطوة على القادمين من الغرب. ويضرب مثلاً بمواطن صديق له أكد أن رؤيته لمشهد ولي عهد العراق وهو يداعب غزالة كان أكثر مشهد أثر في وجدانه على مدار حياته. ينصف المؤلف الفلاح المصري ويبدو متعاطفاً معه قبل وبعد قدوم محمد على مؤسس الدولة الحديثة في مصر. ويؤكد أنه كان ينظر لهذا الفلاح على أنه البقرة الحلوب التي تترقب مصير جثمانها مجموعة من النمل الأسود الشرس. ورغم البنية الجسمانية القوية للفلاح التي يتم استخدامها في أعمال تقترب من العبودية، كانت تُفرض عليه الضرائب والمكوس التي تثقل ظهره لكنه كان صبوراً مجبولاً على التحمل طويلاً قبل أن تأتي لحظة الانفجار. وينتقد مشروع محمد علي للنهضة حيث أدخل المحاصيل الزراعية الحديثة التي لم تعرفها البلاد من قبل وشق الترع والمصارف، وتوسع في الأرض المنزرعة، كما أقام الجيش الوطني، وأسس الأسطول وفتح المصانع، ولكن كل ذلك كان بهدف زيادة ثراء «الباشا» وامتلاء خزائنه من الذهب دون أن يستفيد الفلاح من تلك النهضة أو يناله خير من ذلك الازدهار. وحول إشكالية «الأصالة والمعاصرة» التي رافقت رحلة الحداثة في مصر على امتداد القرن العشرين، يُرجع ستيوارت أصل المشكلة إلى عهد محمد على الذي انصرف خلاله عن تطوير التعليم التقليدي وتعزيز دوره في تطوير المجتمع. ففي مقابل ذلك، بذل كل جهده ليفصل كل ما هو تقليدي عن كل ما هو حديث، وسعى لتثبيط الهمم في الأزهر بقطع الهبات والمخصصات عنه، ثم أرسل الطلاب إلى فرنسا لكى يدرسوا العلوم الحديثة، وبذلك أسس انقساماً استمر طويلاً في مصر ما بين الذين تعلموا بالطريقة التقليدية ومن نهلوا من المعارف الأجنبية. ويتطرق المؤلف إلى أثر تدخل القوى الأجنبية على مسار الحداثة في مصر، حيث يرى أن خضوع مصر للاحتلال العثماني كان بمثابة ثغرة دخلت منها كل القوى الأجنبية الخارجية، وأنه فيما كانت مصر في عهد محمد علي على وشك مواصلة مشروع تقدمي حقيقي، فإن عرقلتها جاءت بسبب الهيمنة وفشل مشروع التصنيع بعد العداء الشديد من الرأسمالية الأوروبية. ويطرح ديزموند ستيورات نقطة مثيرة للجدل حين يذكر أن اللورد كرومر، المندوب السامي لبريطانيا في مصر وممثل الاحتلال «فعل الكثير لكي يحسن من مبادئ العدالة في مصر»، وأنه أجهد نفسه في مهمته الأساسية كمشرف عام على مالية البلاد حتى ينجح في هذا الشأن، وأنه وصل والمصريون فقراء وتركهم وهم بالكاد أغنياء! المصدر : الشرق الاوسط
الكاتب:
اسرة النشر بتاريخ: الجمعة 08-09-2023 01:38 صباحا
الزوار: 249 التعليقات: 0 المشاركة السابقة : المشاركة التالية
محرك
البحث جوجل
مجلة عاشقة الصحراء
عرار للتراث الشعبي العربي والعلاج بالاعشاب" البرية"::
مجلة المبدعون العرب التي تعنى بقضايا
التربية والتعليم والثقافة::
وكالة أنباء عرار بوابة الثقافة العربية
العناوين المشابهة
الموضوع
القسم
الكاتب
الردود
اخر مشاركة
الناطق الرسمي باسم المحاكم التونسية : ...
ثقافة وأدب وشعر
اسرة النشر
0
الجمعة 19-10-2018
«متطوع مكة».. رؤية جديدة للسيرة النبوية ...
ثقافة وأدب وشعر
اسرة النشر
0
الأربعاء 18-03-2020
مهرجان الاردن المسرحي ينطلق غدا بمشاركة ...
ثقافة وأدب وشعر
اسرة النشر
0
الإثنين 05-11-2018
هولندا : تسجيل 28 وفاة جديدة بفيروس ...
ثقافة وأدب وشعر
اسرة النشر
0
الجمعة 29-05-2020
البحرين : تسجيل 300 إصابة جديدة بفيروس ...
ثقافة وأدب وشعر
اسرة النشر
0
الجمعة 29-05-2020
البلاغة الجديدة وثقافة المرواغة: خطاب ...
ثقافة وأدب وشعر
اسرة النشر
0
الإثنين 08-05-2023
تعرف إلى المثالية الجديدة في الفلسفة
ثقافة وأدب وشعر
اسرة النشر
0
السبت 01-06-2024
قبلي المهرجان الدولي للسينماء الصحراء في ...
ثقافة وأدب وشعر
اسرة النشر
0
الأربعاء 11-09-2024