|
عرار:
* أ. د. خليل الرفوع/ أستاذ الأدب العربي في جامعة مؤتة بدعم من جامعة فيلادلفيا صدر كتاب «عبقرية القدس» للأستاذ الدكتور عصام نجيب الفقهاء خلال العام 2020م، وجاء في ثمانية فصول متكاملة تتناول عبقرية القدس بمنهج تحليلي تطبيقي في التاريخ والجغرافيا والإنسان وحركية موروثها وإبداعها ومقاومتها، إنها القدس التي استعصت على الغزو والفناء؛ فكانت قلعة الصمود بأبنائها الذين رسَوا كالجبال في الأرض، وكالشهب في السماء. والكتاب يجمع بين حقب التاريخ بكل منعطفاته، والأيديولوجيا العقدية برؤية فلسفية تحليلية ونفسية تطبيقية، وتتجلى عبقرية القدس في بقائها عاصمة فلسطين التاريخية لتشكل هويتها الوطنية والقومية والدينية بمساحتها التي تبلغ مئةً وخمسة وعشرين ألف دونم ، فقد خضعت لاثنتين وثلاثين سلطةً سياسية وثقافية، ودمرت مرتين، وحوصرت ثلاثا وعشرين مرة ً، وهوجمت اثنتين وخمسين كرةً. وفي الفصول الثمانية يقف الكتاب قبسًا تنويريا يفضح الاحتلال الصهيوني في تزييفه التاريخ واصطناعِ أساطير وأباطيل ليس لها وجود في ظاهر الأرض وباطنها، ومن المفارقات أن من المساجد التي بنيت في العهد العثماني مسجد النبي داود الذي أنشأه السلطان سليمان القانوني، لكن الصهاينة حوّلوه إلى كنيس، وأزالوا الكتابات القرآنية واستبدلوها بكتابة عبرية زاعمين أن داود عليه السلام هو من بناه. إن الكتاب يرسم ملامح الشخصية العبقرية إنسانًا مكانًا وزمانًا وهُويّةً وفلكلورًا وحريةً وثقافةً وفنونًا، وكل تلك العناصر تتمثل في القدس التي اصطفاها الله من بين المدن لتكون معنى وعقيدة ورمزا حاضرا في الشعب الفلسطيني والأمة؛ فقد وصفت في خمس آيات قرآنية بالبركة وهي أرض الجهاد، وقد بني فيها إبراهيم عليه السلام بيتاً للعبادة، وهي مسرى الرسول صلى الله عليه وسلم ومعراجه إلى السماء. القدس روح فلسطين بمقدساتها الدينية التاريخية، وهي : المسجد الأقصى وقبة الصخرة وكنيسة القيامة، ينضاف إليها، أسوارها وبواباتها المفتوحة والمغلقة وجبالها وأوديتها وحاراتها وأسواقها وشوارعها ومنابعها ومساجدها وكنائسها ورائحة التوابل ومخابزها ومقاهيها ومطاعمها وزوايا الدراويش، والأديرة. وفي الكتاب توثيق تاريخي دقيق للقوى التي سيطرت على القدس ابتداء بالكنعانيين في الألف الثالثة قبل الميلاد حتى الاحتلال الصهيوني سنة 1848م، كما يوثق الكتاب أسماء الأنبياء الذين عاشوا أو مروا بها، إضافة إلى أسماء الصحابة والعلماء والعائلات المقدسية وأشهر المقدسيين الذين كان لهم دور في بناء الدول، ومنهم اقتصاديون وفنانون وأدباء، ويذكر مسارح القدس ومتاحفها ومراكزها الثقافية وأغانيها الشعبية، ويدرس الأساطير المؤسسة للكيان الصهيوني، مثل : أسطورة الأرض الموعودة، وشعب الله المختار ومعاداة السامية. ولعل الكتاب بما يشتمل عليه من توثيقات تاريخية مرجعية يبحث في دلالة العبقرية مجليا معطياتها النفسية وتداعياتها الواقعية، مُزَيّنًا مباحث الكتاب بمجموعة من اللوحات التشكيلية لبعض الفنانيين، أمثال : سمير سلامة، سليمان منصور، نبيل عناتي، زكي شقفة، إسماعيل شموط، ورافدًا كلَّ فصل بقصيدة للشعراء محمود درويش، تميم البرغوثي، توفيق زياد، سميح القاسم، هارون هاشم رشيد، عبد الرحيم محمود. وبعد، فهذا كتاب يحمل رؤية فكرية توثق تاريخ الإنسان في المكان وتعالقهما معًا في بناء عبقرية القدس، المدينة التي استعصت على الجبابرة وظلت عبر الزمن بشخصيتها محافظة على بهائها ورمزيتها العربية، فقد خرجت من كل احتلال بصورتها المعتقة وقورةً، تزحم الغيم بمناكبها ، وتكب المغتصبين على أذقانهم ، وتلفظهم خارج أسوارها القديمة ، وتلاطم بمعاطفها نُكْبَ الرياح وترُدُّ قراصنة البحار الأغرابَ بجوانبها، وتطوي المحتلين بيديها، تلكم القدس المأوى والمبتدأ والمنتهى. وفي ضوء هذا الإصدار الجديد الذي يضع القدس بين عيوننا وفي أفئدتنا، لننتظرُ إصداراتٍ جديدةً توثق عبقريات المدن الفلسطينية والقرى الأخرى ، فتحتًَ كل حجر فلسطيني دمٌ طاهر وسردية ونبوءة بأن الأرض ستتحرر ولو بعد حين ؛ ولنا نحن الأردنيين شهداؤنا الذين تتزين أرواحنا بهم ، ولنا في القدس دماؤهم وسلامهم، ولها ولهم دعاؤنا وصلواتنا وما تحدثنا به أنفسنا جهادا وشهادة ونصرا مع كل فجر يولد وصبح يلوح. المصدر: جريدة الدستور الارنية الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الإثنين 26-04-2021 12:57 صباحا
الزوار: 663 التعليقات: 0
|