«ماذا بعد؟!».. رواية لليافعين تجمع بين التربية والمغامرة
عرار:
إشراف بن مراد المساعفة بصدور روايته الثانية «ماذا بعد؟!»، والمُوجهة لفئة اليافعين، يُرسخ الكاتب القطري فيصل الأنصاري تجربته الإبداعية في الكتابة الأدبية لهذه الفئة من القراء بالتحديد، خاصة مع فوزه بجائزة كتارا للرواية عن فئة اليافعين 2021. ولئن كانت روايته الجديدة المُعنونة ب(ماذا بعد؟!) مختلفة في أحداثها وشخصياتها عن روايته الأولى (كتاب الزمن) إلا أنَّني استشعرتُ أنّ كلا النصين يستندان إلى نفس المخزون الثقافي والتراثي والقيمي حيث يسعى الكاتب إلى التحفيز على التمسك بالقيم الأصيلة والأخلاق الحميدة كالعطاء والبرِّ كطريق لطلب السعادة. كما تشترك الروايتان فيما تتركه في نفس القارئ منذ غلافهما الخارجي، من غموض من خلال الاعتماد على ثنائية اللونين الداكن والفاتح مثل الأبيض والأسود في رواية ماذا بعد؟ وكأنها دلالة رمزية على صراع الذات بين قيم الخير والشرِّ. و بالعودة إلى رواية ماذا بعد؟! نكاد نجزم أن فيصل الأنصاري قد قرَّر هذه المرة أن يستفز قارئه بهذا السؤال ماذا بعد؟ منذ العنوان، وإن كان السؤال هو العتبة الأولى لكل نص،كما تعاهد على ذلك الكُتاب والعارفون، فإن عنوان ماذا بعد ؟ لم يحد عن هذا العُرف الأدبي(إن صح التعبير) بالإضافة إلى ما يتضمنه من رغبة جامحة في تحريك سواكن القراء ودفعهم للتغيير. ليبدو القارئ بدوره فاعلا باحثا عن الإجابة ليس فقط على مستوى القراءة ولكن أيضا بالبحث عن إجابة لهذا السؤال بما يتناسب مع ظرفه الخاص وتفاصيل حياتهوكأن الكاتب يتوجه بالسؤال لكل قارئ بشكل خاص. تقوم الرواية، (الصادرة في 148صفحة من الحجم المتوسط عن دار روائع الكتب للطباعة والنشر والتوزيع)، على سؤال محور ييستبطن بداخله بشكل مترابط ومتسلسل أسئلة أخرى في علاقتها بأحداث تراوح بين الواقعية والعجائبية إلا أنها جميعا تتحرك بتحرك سعيد الشخصية المحورية،وهو رجل خمسيني يشعر بالتعاسة ويبحث عن السعادة فكان سؤاله ماذا بعد؟! المحرك الأساسي للرواية. وكلما تحرك سعيد على أرض الرواية، تبيَّن القارئ صورا متعددة للعطاء بداية من تجربة الأخَوَيْن سعيد ثم سعيد نفسه عندما بدأ رحلته إلى تهتار القرية الفقيرة مصحوبا بحجر الجوهر حيث وجد الإجابة عن سؤاله بعد أن أتعبته المحاولات في ملء الحجر بالنور من خلال عمل الخير والإحسان للناس. ليتبين في نهاية رحلته أنَّ فعل الخير لابد أن يكون مُتوجا بالنوايا الحسنة الخالصة(الخلل في الجوهر، والجوهر هو القلب،وإنما سمي حجر الجوهر بهذا الاسم لأنه يحبس النور بداخله و لا يطلقه خارجا إلا إذا وافق ذلك توهج وإشعاع في قلب حامله). أما على مستوى الحبكة، فيتدرج الكاتب بالقارئ من الهدوء إلى الحيرة حيث يصل سعيد أوج الحيرة والبحث ثم الاستقرار على قرار بدء رحلته مع حجر الجوهر فالبحث عن إجابة وفشل محاولاته عند التقائه بالعارفين أول الأمر إلى أن نجح في الوصول إلى الإجابة. ومع كل مرحلة من مراحل الرواية و بمرافقة الشخصية الرئيسية يجد القارئ نفسه لا يتوقف عن طرح الأسئلة ومنها ماذا بعد؟ ما سر الشيخ إدريس؟ ما سر حكمة الشيخ صالح؟ ما العمل ؟ لماذا يتصرف العارفون هكذا ؟ ماذا سيفعل سعيد بالحجر بعد أن عثر على الإجابة؟ هل الرحلة قد حدثت فعلا أم هي حلم؟؟.. ورغم أن البطل في ختام الرواية قد تجاوز العقدة السردية بالعثور على الإجابة إلا أنَّ القارئ الذي عاش معه وتيرة الحركة الداخلية والخارجية،لم يصل إلى نقطة النهاية والسكون مثله. وذلك بفضل ما اتبعه الكاتب من تقنيات سردية تقوم على التشويق والتي يمكن القول إنَّ الكاتب قد نجح من خلالها في سحب القارئ إلى منطقة طلب المعرفة والرغبة في التغيير الذاتي وتحريكه للبحث المعنى الحقيقي للسعادة. إنّ تجربتي الثانية في القراءة للكاتب فيصل الأنصاري، تجعلني قادرة على تبيّن ملامح تجربته السردية فهي تتميز بسلاسة السرد وما يذهب إليه من معاني ومقاصد رِسالية تُذكِر بدور الأدب ليس فقط في الإبداع و ابتكار فنون الكتابة ولكن أيضا كوسيلة تربوية ذات جدوى في إحياء المخزون القيمي الثري والرفيع الذي تزخر به مجتمعاتنا العربية. ولكن السؤال الذي يبادرني هل سيستمر فيصل الأنصاري في العمل على هذا النوع من الكتابة لليافعين أم أنه سيخوض تجارب أخرى لفئات عمرية أخرى؟.
جريدة الدستور الاردنية
الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الجمعة 03-06-2022 10:15 مساء
الزوار: 1101 التعليقات: 0