عمان-الغد- صدرت الطبعة الثانية من رواية “ليلة واحدة تكفي”، عن “الآن ناشرون وموزعون” للكاتب والروائي الأردني قاسم توفيق. تجري أحداث الرواية التي وصلت إلى القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) العام 2023، في الليلة التي شهدت نكسة حزيران(يونيو) من العام 1967، وتتخذ من مقهى مفترض مسرحاً لأحداثها، الرواية هي استمرار لمشروع توفيق الذي جسد البيئة العمانية في عدد كبير من أعماله، كان آخرها رواية “جسر عبدون” الصادرة عن الناشر نفسه العام 2021. وتوزعت أحداث الرواية على أربعة فصول تشابكت فيها المصائر، وبرزت خلالها شخصيتان تمحورت الرواية حولهما وهيمنتا على المسار السردي من أوله إلى آخره، هما: الممرضة “وجدان” التي تعمل في مستشفى، فتلجأ لحظة اندلاع الحرب وامتلاء السماء بالدخان إلى المقهى، المكان الوحيد المشرع أبوابه في ذلك اليوم، لتواجه “ذيب” العامل هناك، وتضطر إلى البقاء في المكان تجنباً للأخطار التي ستواجهها إن قررت التوجه إلى بيتها. وبالرغم من قصر الزمن الذي تجري فيه أحداث الرواية؛ ليلة واحدة، إلا أنها تلقي الضوء على تاريخ الشخصيتين دون غيرهما من شخصيات بتفاصيله الممتدة في الزمان والمكان. فـ”ذيب”، يضطر إلى الغربة قبل أن يعود إلى بلاده ويفتتح مشروعه الخاص (الريفيرا سناك)، و”وجدان”، ابنة العائلة المهاجرة من فلسطين على إثر النكبة، خرجت من قصة حب مؤلمة انتهت بموت حبيبها السابق “عيسى” في حادث مأساوي. ويطوف السرد بالخلجات الداخلية للبطلين، مقدما حقيقة ما يشعران به تجاه بعضهما البعض، وما يلم بهما من أفكار وسط الوضع المضطرب في تلك الليلة الحزيرانية المشؤومة، التي اختارها الروائي خلفية للأحداث وتطوراتها. وتسترجع الرواية في كثير من هذه الخلجات تفاصيل الماضي الذي عاشته الشخصيتان، لتلقي الضوء على بنيانهما النفسي، وعلى تشكّله وتطوره، فتظهر الشخصيتان أمام القارئ في بنية متماسكة لها مبرراتها التي انتهت بهما إلى زمن الحدث الروائي. ويمهد توفيق لأجواء الرواية في صفحاتها الأولى، قائلاً: “على الرغم من أن (الريفيرا) هو المكان الذي ترتاح فيه، وتألف العامل اللبق الذي يديره، لكنه صار أكثر صخباً بسبب حركة السيارات والمحلات والزبائن. لم تعرف (أونكل سام)، افترضت أنه مطعم خاص بعمال السفارة الأميركية. دخلته رغبة في أن تعرف ما الذي يخفيه خلف الزجاج المظلل والمعتم. وجدت مكاناً ضيقاً تشغله طاولة مرصوفة بكراس عالية، شدها هدوؤه وقلة مرتاديه، لكنها لم تقرر الهجرة إليه، فقد كان لـ(الريفيرا) في نفسها مكانة ما لا تعرف أن تصفها؛ هل هي العادة وهي التي تخاف التغيير؟ أم الألفة التي تشعرها بأنها في بيتها أو في الشقة المهجورة التي ما تزال تحمل مفتاحها في حقيبتها؟ أم لهاجس مسها ولم تعد تتذكره؛ أنها سوف تعيش هنا ليلةً تعادل عمرها كله؟”. يقول الروائي قاسم توفيق عن الرواية وعوالمها: “هل من المعقول أن تقف أمة بكاملها على عتبة يوم واحد من تاريخها لا تبارحه لأكثر من نصف قرن! تساؤل عاش معي منذ لحظة استيقاظي في عمان صبيحة يوم 5 من حزيران(يونيو) سنة 1967 ولم أكن قد بلغت الثالثة عشرة من عمري، على أصوات “زوامير الخطر”، وعلى فزع غريب كان يستحكم فوق رؤوس السكان الوادعين الآمنين، في عمان، الذين فوجئوا بأعداد كبيرة من الطائرات تغطي سماء المدينة، وكانت منخفضة وقريبة من الأرض لدرجة أن بعض الرجال المعروفين بسعة خيالهم أقسموا أنهم شاهدوا الطيارين الإسرائيليين وقرؤوا ملامح وجوههم وهم يلقون بقنابلهم على أرض المطار”. ويضيف: “لم تكن عمان تلك الأيام سوى بيوتا قليلة متواضعة، لا تبعد أحياؤها كثيراً عن بعضها البعض، وكان المطار الوحيد آنذاك، الذي يحمل اسم الحي الذي يتمركز فيه؛ (ماركا)، مكشوفاً لنا. كنا نرى المدرج وهو يدك بعنف، ونراقب الانفجارات وحركة دوران الطائرات ونحن نحتمي في ملاجئ البيوت. لقد أصبح ذلك اليوم تاريخاً أعظم من كل ما عرفناه من أحداث طوال قرون، فهو لم يمض ولم يعبر؛ بل بقي متسمراً فينا، ويصدمنا بهزاته الارتدادية إلى الآن”. ويوضح توفيق أن “ليلة واحدة تكفي” تحاول الإجابة عن “السؤال الكبير الذي وضع في المقدمة”، “هل من المعقول أن تقف أمة بكاملها على عتبة يوم واحد من تاريخها لا تبارحه لأكثر من نصف قرن؟ ويتابع بقوله: “كان لا بد من أن أبحث عن مخرج لما مر بي وما عشته بعد ذلك اليوم وما يزال يؤثر في حياتي”. لقد حاولت أن أجعل من لقاء امرأة ورجل، في ظروف ملتبسة وغريبة، وفي مكان غير اعتيادي، مدخلاً لنفسيهما، عندما يقرران الكشف عن أزماتهما وعقدهما وانكساراتهما، وكأنهما بهذه العقد يحاكيان حال الأمة كلها قبل ذاك اليوم، ليعلنا أن الهزيمة لم تقع في ذلك اليوم؛ بل إنها كانت مستوطنة في الناس قبل ذلك بكثير”.