صدور “أبحاث ودراسات أثرية مقدسية” لعالم الآثار أبو دية
عرار:
عزيزة علي عمان- صدر عن دار دجلة ناشرون وموزعون، كتاب بعنوان “أبحاث ودراسات أثرية مقدسية”، لعالم الآثار الفلسطيني، أستاذ علم الآثار الإسلامية، في جامعة الخليل، فلسطين د. عدنان أحمد أبودية. يقول المؤلف، في مقدمته للكتاب الذي جاء في خمسة فصول: “إن أهمية هذا الكتاب تكمن في أنه يضم مجموعة من الأبحاث والدراسات المحكمة علمياً في جامعات فلسطينية وعربية، اجتهد فيها المؤلف أن يرد على بعض النظريات الاستشراقية أو الاستغرابية ويفندها ويطرح البديل العلمي والمنطقي عنها”. فيما يبحث الفصل الأول في مصطلح “بيت المقدس” في التراث الإسلامي، وما المقصود به، استناداً إلى النصوص الإسلامية المقدسة والأدبيات الإسلامية، نافياً أن يكون المقصود بالمصطلح هو “الهيكل” حسب تفسيرات الأكاديميين اليهود اعتماداً على نقش قرية نوبا الفلسطينية المنسوب للخليفة عمر بن الخطاب. كما يتناول الفصل الثاني البحث في عاصمة جند فلسطين في العصر الأموي، في دراسة مقارنة بين مدينتي القدس والرملة، وقد تم مناقشة الجوانب الاقتصادية والأثرية والسياسية الدالة على ذلك، وتفنيد الرواية الإسرائيلية التي تدعي أن القدس لم تكن هي العاصمة طوال التاريخ الإسلامي، كما تناولت الدراسة في الفصل الثالث تأثير المدرسة المعمارية المحلية على بناء مسجد قبة الصخرة، فيما يتعلق بالمخطط والمداخل والبوائك، فضلاً عن المهندسين وعمال البناء الذين أبدعوا هذا العمل الإسلامي الأكثر تألقاً عبر التاريخ الإسلامي كله، وقد بين الباحث، من خلال النقاش العلمي في هذا الفصل، أن المخطط والعناصر المعمارية والعمال والمهندسين، إضافة إلى مواد البناء كلها ذات أصول محلية شرقية شامية، وأن شيئاً من خارج فلسطين لم يتم إشراكه في إنجاز هذا المعلم الكبير الذي ما يزال شاهداً على عظمة تلك المرحلة. واستكمل الفصل الرابع النقاش عن الجذور التاريخية للعناصر المعمارية داخل مسجد قبة الصخرة المشرفة، مثل الأعمدة والأقواس والرواق المثمن، وشكل القبة، والشبابيك، والأرضية، والجدران الخارجية، وتناول كل منها بالوصف والشرح والتفصيل والتحليل، محاولين الاعتماد في ذلك على وصف الرحالات القدماء أو المعماريين والآثاريين المحدثين، وكذلك على المشاهدات الحالية لوضع المسجد ضمن دراسة ميدانية قام بها الباحث. وفي الفصل الخامس والأخير، تناول الباحث الحديث عن المصلى القبلي في المسجد الأقصى المبارك في العهد الأيوبي، وما مر عليه من عمارة وزيادات وتحويل وظيفي، وأحداث وأهوال إبان الحكم الصليبي وصولاً إلى الحرية والتحرير والتطهير الذي بتنا أحوج ما نكون إليه في أيامنا هذه. ويضيف أبودية “المسجد الأقصى المبارك احتل المكانة التي يستحقها عند رب العالمين، فأسرى برسوله الكريم من البقاع الطاهرة إلى البقاع المباركة، حباً وتكريماً وتمهيداً للاستضافة المعجزة في السماوات العُلا. فكان هذا الرباط بين البقاع المقدسة على الأرض تذكيراً للمسلمين بأهمية المكان وقداسته. وقد امتدت البركة التي أودعها الله تعالى في المسجد الأقصى وشملت الدوائر الجغرافية المحيطة اتساعاً إلى ما شاء الله لها أن تكون في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس”. وعن القدس وأهميتها عن المسلمين، يقول أبودية “إن وعي المسلمين لأهمية القدس ورثوه عن الرسول الكريم (عليه السلام) من نصوص وأحاديث؛ جعلت المسلمين وحكامهم وعلى مدى أزمانهم التي امتدت قروناً طويلة أن يولوا بيت المقدس ومسجده المبارك الاهتمام والرعاية التي يستحقها في الإنشاءات والعمارة والخدمات والرباط والذود عنه والتحرير عندما يلزم الأمر. وقد أدرك المسلمون جانباً من بركة وسنة الله تعالى في المسجد الأقصى وبيت المقدس عندما عرفوا أن المسجد الأقصى وما حوله هو قلب العالم بأسره، ومن يملكه بيد يملك العالم باليد الأخرى. فكانت العصور التي تمتع بها الأقصى بالحرية هي العصور التي حكم المسلمون بها العالم ونشروا عدل الإسلام في كل مكان. وكانت أحلك السنون وأقساها عليهم هي تلك التي خضع فيها المسجد الأقصى للذل والظلم”. ويرى المؤلف، أن أمانة الكتابة عن المسجد الأقصى وبيت المقدس أمانة ثقيلة، نظراً لأهمية المكان وقداسته من جهة، وبسبب الخلط القائم بين المفاهيم الإسلامية وغير الإسلامية من الجهة الأخرى. وإن أغلب المراجع المنشورة حول هذا الموضوع قد وقعت في مأزق الروايات الإسرائيلية التي تسربت إلى الأدب والتراث الإسلامي منذ عصور قديمة. وخلص إلى أنه لا يمكن الإلمام بموضوع المسجد الأقصى وبيت المقدس من جميع جوانبه في كتاب واحد أو أكثر، وإن الوصول إلى ذلك هو بمثابة حلم كبير لا بد أن يشترك فيه أصحاب الهمم العالية كل حسب علمه واختصاصه وطاقته، بعيداً عن الإسرائيليات أو الخرافات أو من نصبوا أنفسهم أبواقاً مجانية لها. وفي خاتمة هذه الدراسة، يشير أبودية إلى أنه من خلال عرضه السابق للأعمال التي قام بها الأيوبيون في المصلى الجنوبي من المسجد الأقصى، يتبين جملة من الأمور والحقائق يمكن اختصارها فيما يلي “أن الكثير من الوحدات والعناصر المعمارية التي ما تزال ماثلة للعيان في المصلى الجنوبي تعود إلى تلك الحقبة، وأن ما أحدث في المسجد في الحقب اللاحقة كان أقل من أن يترك أثراً يتغلب فيه على الطابع العام للمسجد إبان الحقبة الأيوبية، أن الأيوبيين اجتهدوا كثيراً في إعادة الطابع الإسلامي العام للمسجد بعد مرحلة الاحتلال الصليبي التي أحدثت فيه تغيرات كثيرة، لقد استخدم الأيوبيون العديد من مواد البناء التي كانت موجودة في أبنية صليبية مجاورة مثل الأعمدة أو تيجان الأعمدة الصليبية”. لقد تأثر المعماريون في عهد الملك المعظم عيسى بالأسلوب الصليبي في تشييد أبواب المسجد خاصة في الرواق الشمالي، وهذا ما دفع البعض من الغربيين أن يقول إن ذلك الرواق بني في العهد الصليبي، مع العلم أن الأمر لا يعدو في رأينا أن يكون تأثر بالعمارة الصليبية خاصة -بناء الكنائس- التي كانت نشطة إبان العهد الصليبي، لقد حرص الأيوبيون على تسجيل مآثرهم في البناء والتعمير في المصلى الجنوبي، حرصاً منهم على نيل الشرف الرفيع والأجر العظيم من ﷲ تعالى، يعتبر الملك المعظم عيسى هو أكثر من ترك -من السلاطين الأيوبين- بصمة في المصلى الجنوبي من المسجد الأقصى”.