صدور كتاب «الفضاء السيبراني وتحولات القوة في العلاقات الدولية»
عرار:
عمان صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب «الفضاء السيبراني وتحولات القوة في العلاقات الدولية»، وهو من تأليف الدكتور خالد وليد محمود، حيث يقدّم فيه رؤية معمّقة حول أحد المواضيع الأكثر حداثة وأهمية في أدبيات العلاقات الدولية والعلوم الاجتماعية، ووالذي يقارب استخدامات الفضاء السيبراني ومداخل تأثيراته وتفاعله مع السياقات الدولية وتحولاتها. ويتألف الكتاب من 376 صفحة شاملةً ببليوغرافيا وفهرسًا عامًّا. ينطلق الكتاب من دراسة نشأة الفضاء السيبراني وتطوره، والذي أصبح ساحة مركزية في السياسة العالمية، بفضل أدوات التكنولوجيا والمعلومات والاتصالات التي ساهمت في إعادة تعريف القوة بأشكالها المختلفة. ويستعرض العمق الاستراتيجي للفضاء السيبراني وتأثيره المتسارع في صياغة أدوار فواعل العلاقات الدولية، وكيفية توظيفهم لهذا المجال لتعزيز نفوذهم، وتطوير أدوات تأثيرهم، وابتكار مزايا تنافسية واستراتيجية في مشهد دولي متغير. يسعى المؤلف إلى الإجابة عن السؤال البحثي «إلى أي مدى أسهم الفضاء السيبراني في بناء شكل جديد للقوة في العلاقات الدولية؟» من خلال إظهار أهمية هذا الفضاء بصفته عنصرًا مؤثِّرًا على نحو متزايد في تحديد توزيع عناصر القوة وانتشارها، ومجالًا للتفاعلات الدولية، ومسرحًا لكثير من التنافس والصراعات. وينطلق من فرضية مفادها أنّ الفضاء السيبراني قد غيّر من عناصر القوة التقليدية، وفتح المجال أمام فاعلين جدد – من غير الدول – للمشاركة في تشكيل التفاعلات الدولية. ويُبرز الكتاب التحوّل الذي أحدثه الفضاء السيبراني بوصفه بيئة جديدة أضيفت إلى البيئات التقليدية (البرية، والبحرية، والجوية، والفضائية)، وأسّست لمفهوم «القوة السيبرانية» التي تعتمد على المعرفة التكنولوجية والابتكار والإبداع، بما يتيح للدول الصغيرة والجهات غير الحكومية ممارسة أدوار مؤثرة، إلى جانب القوى التقليدية الكبرى. تُظهر الإجابة عن الإشكالية البحثية وجود مستويين لتحولات القوة، أسهم الفضاء السيبراني في إحداثهما؛ مستوًى يتعلق بالعناصر المكونة للقوة وأشكالها: الهجمات السيبرانية، والفيروسات، والاختراق، والقرصنة، والخوارزميات، والتشفير، والتصيد، والتضليل والتشويش السيبراني وغيرها. ومستوًى آخر يتعلّق بالأطراف التي تمتلك القوة في ظل انتشارها بين فاعلين من غير الدول Non state actors: الأفراد، والشركات متعددة الجنسيات، والجماعات الإرهابية، والقراصنة، وحركات المقاومة)، الذين باتوا يؤدون دورًا في التفاعلات الدولية؛ ما فرض تحديات على الدول وسيادتها. فرض هذا التحول على الدول إعادة ترتيب أولوياتها الاستراتيجية لمواكبة الاستخدامات المتعددة للفضاء السيبراني، الذي بات يمثّل ساحةً رئيسةً للصراعات والتجاذبات الدولية. وتعتمد الدول اليوم، على نحو متزايد، على هذا الفضاء في إدارة بنيتها التحتية العسكرية، والمصرفية، والحكومية، والتجارية؛ ما جعله عاملًا رئيسًا في تحقيق الأمن القومي وتعزيز النمو الاقتصادي. وتُشكّل التحديات والتغيرات التي أحدثها الفضاء السيبراني دافعًا رئيسًا لتعميق الفهم بشأن تأثيراته المتعددة في العلاقات الدولية ومفهوم القوة. ومن هذا المنطلق، يسلط الكتاب الضوء على هذه الظاهرة بوصفها محورًا جديدًا لإعادة صياغة الديناميكيات الدولية، من خلال معالجة موضوعاته التي توزعت على قسمين رئيسين، يضمّان أربعةَ فصولٍ مترابطةٍ. يتناول القسم الأول من الكتاب الفضاء السيبراني بوصفه ظاهرة جديدة في العلاقات الدولية. ففي الفصل الأول، يجري استعراض الإطار المفاهيمي لنشوء الفضاء السيبراني؛ إذ يُسلط الضوء على تعريفه وخصائصه ودوره المتنامي في تشكيل العلاقات الدولية. ويركز الفصل الثاني على مفهوم القوة وتحولاته عبر التاريخ، مع تحليل يظهر كيفية إسهام ظهور الفضاء السيبراني في إعادة صوغ هذا المفهوم؛ ما أدى إلى تراجع أهمية القوة التقليدية أمام صعود القوة السيبرانية. أما القسم الثاني، فيناقش الفضاء السيبراني بصفته ميدانًا للصراع الدولي. فيتناول الفصل الثالث الصراع السيبراني بصفته أحد مظاهر التحولات الجيوسياسية الراهنة؛ إذ يُبرز الكيفية التي أصبح فيها هذا المجال أداة رئيسة للتنافس بين القوى الكبرى والصاعدة. ويركز الفصل الرابع على سباق تطوير القدرات السيبرانية وأثره في موازين القوى العالمية؛ إذ يُظهر الكيفية التي باتت فيها الدول تستثمر على نحو متزايد في تعزيز قدراتها السيبرانية لتحقيق التفوق الاستراتيجي. يُختم الكتاب باستعراض شامل لأبرز الاستنتاجات، مع تقديم اقتراحات عملية لتطوير استراتيجيات فعّالة في مواجهة التحديات السيبرانية، من أبرزها: أن القوة السيبرانية أصبحت، اليوم، أحد العوامل الأساسية التي تعزز من قوة الدول والفاعلين غير الدوليين، إذ تمكّنهم من ممارسة النفوذ، وتحقيق التفوق والفاعلية في النظام الدولي. كما تعد القوة السيبرانية مكملًا للقوة التقليدية، فهي تدعم الأهداف الاستراتيجية من دون أن تحل محلها، فهي لا تتمثل في القوة العسكرية المدمرة أو الضاغطة، بل تتسم بقدرتها على التأثير غير الملموس في الفضاءات المختلفة. كما أنّ آثار الهجمات السيبرانية تتناسب طرديًا مع مستويات التطور التكنولوجي، حيث تصبح الدول ذات الرقمنة العالية في قطاعاتها أشدّ عرضة لآثار هذه الهجمات. وتبرز هذه الظاهرة في شكل «الحرب اللاتناظرية» التي تظهر عندما تتباين القدرات الرقمية بين الأطراف المتنافسة؛ ما يجعل الفضاء السيبراني ساحة صراع غير متكافئة. خالد وليد محمود: حاصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية. يشغل حاليًا منصب رئيس أول لقسم الإعلام والاتصال في معهد الدوحة للدراسات العليا. قبل ذلك، عمل باحثًا في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. تتمحور اهتماماته البحثية حول «السايبر بوليتكس» / السياسة السيبرانية، وهو مجال ناشئ يدرس تأثير الفضاء السيبراني في العلاقات الدولية وإعادة تشكيل القوى العالمية. يركز على تحليل دور الفضاء السيبراني في تكوين ديناميكيات القوة في النظام العالمي المعاصر. صدر له عدة كتب، إضافة إلى ستة عشرة دراسة محكّمة، وعشرات المقالات الصحفية التي تتناول موضوعات متعلقة بمجال تخصصه.