|
عرار:
الكتاب يحاول أن يبين سمات الخطاب العربي المبشر بالحداثة عمان – الدستور – عمر أبو الهيجاء يكشف محمد الهداج في كتابه الصادر عن "دار رؤية للنشر والتوزيع" بعنوان "الخطاب العربي والحداثة" عن أن الخطاب العربي المبشر بالحداثة، وبسبب المواجهات أو الصدمة – كما يسميها محمد عابد الجابري – مع الحداثة الغربية، تحرك على أرض غيره، وبدأ التفكير من نقط متناثرة فرضتها عليه اعتباطية، محل هذه المواجهات، التي كان للجغرافيا بدلاً من العقل، الدور الأكبر في تحديد تجلياتها في هذا الخطاب، فالفكر المغربي والفكر السوري مثلاً نهلا – بحكم الاستعمار – من الفكر الفرنسي، ورأيا من الحداثة ما اطلعا عليه من هذا الفكر، وكذلك شأن الفكر المصري في علاقته بالفكرين الفرنسي والإنجليزي، الأول بسبب البعثات التكوينية، والثاني بالاستعمار. يشير الكتاب إلى أن هؤلاء المبشرين بالحداثة وجدوا أمامهم ثقافة ترسخت فيها تقاليد في النظر والبحث والخيارات، جاءت بعد تاريخ طويل وجدل لا يزال مستأنفاً، حول قضايا شغلت لسبب أو لآخر أهل الغرب، وكان نتيجة كل ذلك تمايز بين المدارس الغربية حول هذه القضايا وطرائق النظر فيها، وما كان يسمى استنارة عند بعض مبشرينا بالحداثة، وكان يقدم وكأنه الكلمة الأخيرة للعقل، كان هو ما اطلع عليه عرضاً في فكر المستعمر، هذا المستعمر الذي لم يكن واحداً، ليصدق القول بكونية الحداثة ورسالتها المخلصة من التخلف العربي الجاثم على الصدور والعقول. كما أن هذه البداية للفكر العربي المبشر بالحداثة لم تنظر في الأسس التي قامت عليها هذه الفلسفة أو تلك من المدارس الغربية، ولم تختبر صلاحيتها للتطبيق ولا مناسبتها في النظر، وإنما سلمت بها انطلاقاً من واقع التفوق الغربي والتخلف العربي، إن الحجة هنا متجسدة ومرئية ومكشوفة للعيان، لكنها لا تستقيم حجة، ولا تنهض استدلالاً على دعاوى كونية الحداثة الغربية أو قيمها، ولا يضيرها عدم استقامة ذاك ولا هذا العجز عن النهوض، لأن العرضية التي وسمت اللقاء بهذا المنزع من الفكر الغربي أو ذاك، أدت إلى اعتماد كل مدرسة عربية من مدارس التبشير بأنوار الحداثة نتائج فكر غربي مخصوص، دون النظر في سلامة الاحتجاج وصلاحية المناهج وطبيعة الأسس. طبيعة هذا الفكر العشوائي – كما يرى الكتاب – هي الأرض التي يبني عليها المؤلف دعواه التي مفادها أن الفكر العربي المبشر بالحداثة نشأ على مقولات وعلى نوع نظر لا ينتمي للحداثة التي يبشر بها، وإنما يتخفى وراء شعارات العقلانية والاستنارة، وإذا كان لبعض مدارس التبشير الحداثي انتشار في أوساط المتعلمين، فإنما مرجع ذلك إلى الوضع الثقافي في العالم العربي، فالنسبة المرتفعة للأمية في البلاد العربية مهدت الطريق لمثقفين استطاعوا ببضاعة ضئيلة من المعرفة بالثقافة الغربية منتهية الصلاحية، أن يقدموا أنفسهم كممثلين للحداثة والاستنارة وناطقين باسم العقل. يحاول الكتاب أن يبين سمات الخطاب العربي المبشر بالحداثة، ومنها انتقائيته، فما يقدمه بوصفه حداثة واستنارة وعقلاً وكونية إنما هو ما تخيره أصحابه مما يوافق منزعهم أو أمزجتهم أو غاياتهم المسبقة. يرى الكتاب أن المشكلة في الفكر العربي المبشر بالحداثة ليس اتباع فلسفة بعينها دون أخرى، لكن توظيف نتف من تلك الفلسفات ومناهجها دون الوقوف عند ما تلزم به أو تبرير عدم الوقوف هذا، كما في الاشتغال بتزكية الخطاب بأوصاف الموضوعية والنزاهة والعقل، بدل ترك تلك الشيم الرفيعة تظهر في منطوق الخطاب، ومفهومه، لأن ادعاء امتلاك الشيء ليس شرطاً كافياً للتحقق به، كما يعلم جميع العقلاء. يقول المؤلف إن ملازمة الخطاب العربي المبشر بالحداثة لمفردات عائمة وفضفاضة وبلا رصيد مضمون في بنك الدلالات كالموضوعية والكونية والحداثة والعقلانية، سيرهنه لعود أبدي يجعله يلوك «الأفكار» نفسها ويعيد إنتاج الحال الراكدة نفسها في دنيا الثقافة والسياسة والحياة». الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الخميس 14-12-2023 09:25 مساء
الزوار: 468 التعليقات: 0
|