|
عرار:
نضال برقان صدر حديثًا عن «دار جبرا للنشر والتوزيع» ثلاثة كتب للشاعر والباحث والمترجم الفلسطيني محمد حلمي الريشة، كان شاعرًا في أحدهما وهو «منثور فلفل على تويج وردة» الذي ينتمي إلى فن الهايكو العربي مع ترجمة إلى الإنجليزية قام بها الشاعر والمترجم التونسي فتحي ساسي. وفي الكتابين الآخرين كان شاعرًا أيضًا آخذًا على عاتقه مهمة التنقل بعينه عبر العالم لينقل لنا ماذا يكتب الشعراء في نيجيريا والصين والهند وأمريكا وجنوب إفريقيا وروسيا وغيرها. هذا ويسر الدار الإعلان عن صدور كتاب «فراشة دافئة تلتهم ضوءًا باردًا» برفقة كتاب «أناشيد المد والجزر». من مقدمة كتاب «فراشة دافئة تلتهم ضوءًا باردًا» نختار لكم من تقديم الشاعر والباحث والمترجم محمد حلمي الريشة ما يرد إلى الذهن عن صعوبة ترجمة الشعر وضرورتها في الوقت ذاته؛ التَّرجمةُ: نزولُ النَّهرِ مرَّتيْنِ. ليتَ للشِّعرِ لغةً واحدةً يَكتبُ بها كلُّ الشِّعراء. يقِفُ المترجمُ، بخاصَّةٍ مترجمُ الشِّعرِ، أَمامَ عدَّةِ مقولاتٍ تمتدُّ منَ الخيانةِ إِلى الإِبداعِ؛ فمنَ المقُولةِ الإِيطاليَّةِ: «ترجمةُ الشِّعرِ خيانةٌ» (نركِّزُ علَى: خِيانةٍ)، إِلى المقُولةِ العربيَّةِ للجاحظِ: «الشِّعرُ لَا يُستطاعُ أَن يُترجمَ، ولَا يجوزُ عليهِ النَّقلُ، ومتَى حوِّلَ تقطَّعَ نظمهُ، وبطلَ وزنهُ، وذهبَ حسنهُ، وسقطَ موضعُ التَّعجُّبِ» (نركِّزُ علَى: لَا يُستطاعُ)، إِلى مقُولةِ برِيمانْ: «أَرى أَن يكونَ المترجمُ محترفًا بحيثُ يترجِمُ النَّصَّ الشِّعريَّ كمَا هوَ، ولَا يحاولُ التَّدخُّلَ فيهِ» (نركِّزُ علَى: ولَا يحاولُ التَّدخُّلَ)، إِلى مقُولةِ محمَّد بِنِّيس: «منَ البداهةِ أَنَّ ترجمةَ الشِّعرِ شبهُ مستحيلةٍ، ولكنْ هناكَ درجاتٍ للاستحالةِ» (نركِّزُ علَى: شبهِ مُستحيلةٍ). وإِذا انتقلْنَا إِلى الأَدبِ عمومًا، فإِنَّنا نقرأُ مقُولةَ جُوسيهْ سَاراماغو: «الأَدبُ العالميُّ يبدِعهُ المترجمونَ» (نركِّزُ علَى: يبدعهُ)، إِلى مقولةِ ?إِرنستْ رِينانْ: «إِنَّ الأَثرَ غيرَ المترجمِ يُعَدُّ نصفَ منشورٍ» (نركِّزُ علَى: نصفِ منشورٍ). وفِي حوارٍ معَ الشَّاعرةِ إِيلين إِيكوي، نقرأُ رأَيَ الشَّاعرةِ ورُؤيتِها، حولَ ترجمةِ الشِّعرِ، ونلاحظُ أَنَّها مغايرةً، إِلى حدٍّ بعيدٍ، عنِ الآخرينَ: «فِي قَصيدتي «عثـرُوا عليهِ فِي التَّرجمةِ»، أَقولُ: «الشِّعرُ هوَ الصَّوتُ الَّذي تُصدِرهُ لغةٌ حينَ تفرُّ إِلى أُخرى». أَعلمُ أَنَّ التَّرجمةَ ليستِ استنساخًا، فلَا مفرَّ أَن تَفقدَ القصيدةُ الأَصليَّةُ شيئًا؛ ذلكَ «البريقُ الَّذي يتجلَّى فِي الصَّوتِ والمعنَى»، كمَا عبَّرتَ أَنتَ عنْ ذلكَ بصورةٍ جيِّدةٍ. لكنَّني عِندما أَقرأُ قصيدةً مترجمةً، أُحبُّ ذلكَ الإِحساسَ بأَنَّ هناكَ نسخةً أُخرى منَ القصيدةِ- صورةً مثاليَّةً عَنها إِذا صحَّ التَّعبيرُ- تحومُ فِي مكانٍ قريبٍ. هذهِ الازدواجيَّةُ تتيحُ للقارئِ أَن يتخيَّلَ بأَنَّهُ ربَّما يكونُ النَّصُّ الأَصليُّ أَفضلَ ممَّا هوَ عليهِ فِي الواقعِ. أَنا هُنا أَتلاعبُ، ولكنَّني أَيضًا جادَّةٌ فِيما أَقولُ.» ترجمةُ الشِّعرِ، مِن خلالِ مُمارستي لَها، لمْ أَجدْ أَنَّ المقولةَ الإِيطاليَّةَ: «ترجمةُ الشِّعرِ خيانةٌ»، تُعبِّرُ جيِّدًا عنْ هذهِ الممارسةِ بهذهِ الصِّفةِ، إِذ أَينَ تكمنُ «الخيانةُ» طالمَا أَنَّ الإِبداعَ الشِّعريَّ، بالضَّرورةِ، يجبُ أَنْ يكونَ عالميًّا، أَيْ إِنَّهُ فعلٌ إِنسانيٌّ للإِنسانِ، أَينما وُجِدَ علَى هذهِ الكُرةِ المائيَّةِ. (ثلاثةُ أَرباعِها ماءٌ). هلْ يمكِنُ تغييرُ العبارةِ إِلى مَا كنتُ قلتُه ذاتَ يومٍ: «ترجمةُ الشِّعرِ إِعادةُ خلْقٍ ثانٍ لهُ»، بخاصَّةٍ إِذا مَا أَنجزهُ شاعرٌ؟ أَيْ؛ كمَا لَو أَنَّ شاعرًا مِن جنسيَّةٍ أُخرى كَتبهُ حينَ صارَ بلُغتهِ. الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الإثنين 12-08-2024 09:14 مساء
الزوار: 204 التعليقات: 0
|