وتقع في « 208» صفحات من القطع الوسط، تعزيزا لتجربة الشاعر الذي ذهب  إلى ذائقته الإيقاعية التي تدرّجت على أوتار الوزن العربي.
المجموعة الجديدة والصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت تؤشر  إلى غلبة الحدس الدلالي لدى الشاعر، لهذا تزدحم في متون نصوصه المفردات الشعبية الغنائية المقتبسة من الموروث الغنائي الشعبي، كما تزدحم التناصات  الواقعة بين ذات الشاعر وماضي أمته، وكذلك تزدحم التشكيلات الفنية ذات اللوحات المتعددة الاتجاهات، المحمولة على قماش الأثر، وزوايا المعرفة.
لا يفارق الشاعر لغته منذ مجموعته الشعرية الأولى، كيف يفارقها، وهي أداة توجهه التي صنعها على عينه، بحثا عن سياقات منهجية وأسلوبية للكتابة، تعزز إطلاق صوته الخاص والذي بدا واضحاً في هذه المجموعة،  فاللغة عنده هي مورد النص العذب، كما أنها الإطار الذي يلمّ شتات النفس، وكذلك هي المعتمد الأساس الذي يركن الشاعر على فضائه للتعويض الإيقاعي.
نص أبو الهيجاء الشعري، فرح وحزين في آن واحد، مسالم وصدامي، غنائي يعتمد التكثيف الإيقاعي، وسردي يستجلب من اليومي روايته المعتادة، وفي « بلاغة الضحى» يتقدم الشاعر أبو الهيجاء  في مواجهة الإعصار الذي يحوم في منطقتنا العربية، فيقف على مسافة واحدة من الشرفات، يطل عليها، ولا يعاينها، بل يلامس ما خلفها، معتمدا في ذلك على ثقافة معرفية أحيانا، وثقافة شعرية أحيانا أخرى.
وعمر أبو الهيجاء ليس صوفيا، أو شاعرا يقتطف من دوحة التصوف خيالات عابرة، بل هو مطل على تحولات اللغة الشعرية، يسندها بالفعل الصوفي، من غير أن يقبض على أحوالها، فالأحوال في عرفه وهذا ما يبدو جلياً في أكثر من نص، هي أحوال قابلة للشعرية، ولكنها لا تشكل فضاء شعرياً، لهذا يجد القارىء ويعاين تلك المساحات الفاصلة بين الذات الشاعرة والذات المتصوفة.
عتبات النصوص هي الأكثر إشعاعا في تجربة الشاعر، فهو قناص من طراز فريد، لا يركن لعتبة إذا لم يستقم لها كل شيء بدء من المفردة الأولى ومرورا بالتركيب، أو البناء الكلي للعتبة،  لذلك هو يحشد أشد الألفاظ مفارقة، أو موهمة، أو متحدة في سياق منفلت، ليخرج علينا بتمحورات النص في  عتبته الأولى «العنوان»، ومن هذه العتبات « سماء تقهقه بالرعد، الجهات مؤقتا، كأني خفة الصوفي، يا ابنة الماء، وموسيقى الورد»، وغيرها من عتبات النصوص.
« بلاغة الضحى «، هي ثمرة متقدمة في أعالي أشجار عمر أبو الهيجاء الشعرية، تنحاز إلى قصيدة النثر، ولكنها تمد يدها إلى إيقاع الشعر العربي، غير عابئة بالتشكيلات ذات الوزن الخليلي التي تطرأ هنا وهناك، أو الانحسار عنها، لأنها واضحة المعالم أمام مرآتها، تأخذ من الوزن صفوته، ومن النثر ثورته، فتمزجهما معاً، لتخرج علينا بمزيج إيقاعي لافت.
ومن أجواء الديوان:
« أقلب البلاد بين يدي›، كامرأة تفور في الموقد،
وأتساءل عن كحلها المسروق، لحظة انفراط رمانها
في الحارات.
أيتها البلاد/ المحملة بأثقال الجنود
المهرولين إلى نحرك على مرفأ الشمس،
سأمد قلبي في ليل السابحين في الدم،
أتوكأ على حروف المدينة
أحاور الأجساد، الصور، عربات الجند، الأصابع
الطليقة على الزناد، وفمي يغصّ بالحكايا،
في الشوارع نطيّر الحمام
نهتف للفجر، للشجر في ربيعنا، ونشم التراب.