وشارك في الحفل أستاذة النقد الأدبي الحديث في جامعة البترا د. رزان إبراهيم وأدارته بريهان قمق.
وكانت الرواية قد ترجمة إلى اللغتين؛ الفرنسية والانجليزية وستترجم إلى الصينية والهندية والإسبانية، وهي تتناول حال العالم العربي الذي يرزح تحت وطأة مفاهيم متطرفة وسلوكيات عنيفة عبر حكاية أكاديمي أردني يتنقل ما بين عمان والقرية وفرنسا في مواجهة مع ما يشوش الصوت النقي للحياة.
وقال برجس إن الرواية هي من اجل إعلاء راية الإنسانية فوق ركام ما فعلته كثير من المفاهيم المغلوطة، فرواية “أفاعي النار”، جاءت بحبكة فنية مفككة بوعي استثنائي، وبطل مغترب وزمن تشظّى بفعل النار، ويتساءل هل عشت بهجة الكشف السردي، أم أنت من رسم الطريق لهذه التحولات؟.
وتحدث برجس عن بطل روايته “علي بن محمود القصاد” كاشفا عن معرفته برجل مشوه الخلقة صادفه ذات يوم في مدينة مادبا، إذ رأى وراء ذلك التشوه قيمة عول عليها في روايته التي لم يكن قد التقط فكرتها آنذاك.
وقال برجس إن ذلك التشوه الخلقي الذي رآه في رجل لا يعرف عنه شيئا قد أحاله إلى التشوهات التي تكتنف الواقع العربي، مبينا كيف انطلق من تلك الشخصية لمعاينة أثر التطرف والإرهاب على البنى العربية من زاوية ليست نمطية في مقاربة موضوعة الإرهاب.
من جانبها رأت أستاذة النقد الادبي الحديث في جامعة البترا د. رزان إبراهيم أن الروائي جلال برجس يكتب بوعي من يؤمن “أن الكلمات طيور محلقة لها نفس طويل على اجتياز المسافات البعيدة”، ومن ذلك النوع الذي يخاطب الحالمين، لذلك جاء إهداؤه “إليكم يا من كنتم تحلمون”، مبينا أن هذا العمل هو المداخل الذي يقود فيه القارئ إلى المركز وترشده إلى خيوط شبكته.
وأشارت إبراهيم إلى أن محور الرواية يدور حول عاشق يدعى “علي بن محمود القصاد “الذي تبدأ حكايته منذ وقوعه في حب بارعة التي دخلت كي تتعلم، أما العالمان المقصودان فهما العالم القصصي للنص قبالة العالم الواقعي لدى القارئ الذي يأتي ليقارن بينهما في إطار سؤال مركزي حول ما يجري في العالم السردي من حيث استجابته وتوافقه مع معايير الممكن، وتنحو الرواية باتجاه القول إن النيران التي قد تأكل الحجارة تبقى عاجزة عن أكل القلوب حيث تلخص الرواية المرحلة التفصيلية من مراحل أزمة المثقف العربي في وقت حرج تمر فيه الأمة، أزمة تتلخص ملامحها في ضبابية تمس تحديد “الآخر” وتقسم “الأنا”.
وتحدثت المحاضرة عن عتبات النص، التي تسعى إلى اجتذاب انتباه القارئ بحيل مختلفة، حيث أبدأ بالعنوان الرئيسي “أفاعي النار”، الذي بدا لي جزءاً حيوياً من بنية الرواية لا يمكن إغفاله، وهو محمل برموز يستطيع المتلقي تلمسها أو تفكيكها بمجرد امتلاك النص بعد أن يكون قد جمع الصور المشتتة في بؤرة لتبيان هذا العنوان الرمزي ذي الشحنة الاستعارية المجازية والتي تفضي إلى أن فكرة النار نفسها تثير على طول الرواية العديد من الصور التي تمنح النص دلالته الأدبية.
وأشارت إبراهيم إلى أن الرواية يتخللها كابوس مرعب يرى فيه “خاطر” ألسنة النار تأكل جسده ولا تترك له بقايا سوى الرماد، وهو يصرخ مستغيثاً السماء أن ترسل أمطارها لتطفئ النيران، فتهرب تلك الأفاعي، وهو ما يتقاطع وما يذكره عن مشهد في رواية كان يقينه فيها بعد أن احترقت وعجز عن تذكرها أنها حملت اسم “أفاعي النار”، في وقت تذكره فيه زوجته أنها حملت اسم “حكاية العاشق علي بن محمود القصاد”، التي تقص حكاية رجل تعرض لحريق فعاش عمره مشوهاً.
وتحدثت المحاضرة عن العناوين الفرعية في الرواية مبينة أنها تأتي لتلخص مضمون كل فصل على حدة مكثفة أهم ما جرى فيه من أحداث ووقائع. ونستطيع الحكم عليها بأنها كانت جماع النص وملخصه “مرابح الخاسر”، “ليلة ناقصة”، “ما حدث تحت شجرة التوت”، “صاحب الكرامات”، “ليلة ظهور الغول”، وغيرها، ما يؤكد تفاعلاً جدلياً بين العنوان ومتن الفصل؛ وكثيراً ما يتحقق معها انسجام.
وقالت إبراهيم إنه يمكن أن نقول عن اللغة السردية في هذا العمل إنها “تحركت من الأمام إلى الوراء، أو من الحاضر للماضي لتقوم بتلخيص الأحداث والأوصاف والأقوال على لسان واحد من هؤلاء الثلاثة الذي يقوم بعمل وسيط يتكفل بالإخبار أو حتى بتقديم الشخصيات، لافتة إلى أن أياً من هؤلاء الثلاثة لم يكن مستقلاً عن الحكاية، وكان كل منهم يؤدي دور السارد والشخصية معا، ولم يكن بإمكان أي منهم أن يتخلى عن ذاتية السارد، ومن خلال حركة اللغة فإن القارئ يرصد أكثر من صيغة دالة على المستقبل؛ أي تلك التي تتضمن أحداثاً لم تقع بعد.
ونوهت إبراهيم إلى أن السرد يتضمن مساحة شعرية واسعة تجاوزت دوراً إخبارياً ناقلاً وحسب، وهو ما يترك أثره الملموس لدى قارئ ينجذب للغة مكتنزة مصحوبة بوهج لغوي لا يخلو من رومانسية حالمة: فحين يسعى القصاد إلى رؤية بارعة نقرأ: “بأن قلبه سيشج صدره ويخرج فيملأ الدنيا بما يسكنه من حب لن تأتي عليه كل نيران الدنيا”.

من جريدة الغد