كان أصدر د.عبد العزيز الشريدة عام 2000 كتاباً نشرته وزارة الثقافة تحت عنوان(رجالات من الأردن)، نفدت نسخه، ويحتاج إعادة طباعة.
حين يكتب أحدنا عن والده، تكثر بين عينيه الإنجازات وتتراءى له صورة الأب الكريم الحنون الصادق الواثق؛ وحين يكون موضوع الكتابة عن رجل موقف ومعايش لأحداث مصيرية، فإن للكتابة طعماً خاصّاً، مثلما هي مسؤولية عظيمة، لا بد منها.
يؤكّد د.عبد العزيز الشريدة الحاجة إلى إلقاء الضوء على فترة مهمّة هي أواخر الحكم العثماني بكلّ ما في تلك الفترة من قلاقل وضعف وتمزّق وانقطاع في الأمان والاستقرار، مقدّماً الكتاب بموضوع تسلسل فيه، مبيّناً أن الكتابة عن بعض تاريخ الآباء والأجداد لا يمكن أن تكون من باب التعصب أو الدعوة إلى الجاهليّة التي تزعزع الوحدة الوطنيّة، مدللاً بأنّ ذلك لو كان تهمةً لما كتب أحدٌ في التاريخ أو تناول السِّيَر أو أرّخ للأحداث.
من ذلك ينطلق ليبيّن أنّ حاضر اليوم هو أمس المستقبل، مهتمّاً بصنع الحاضر المجيد المملوء بالأعمال الكبار والإنجازات العظيمة، ويضيف د.الشريدة أنّ محاولة الكتابة عن ذلك الزمان في بدايات القرن العشرين وأواخر القرن التاسع عشر إنما هي لنزيح كثيراً من الظلمة التي اكتنفت ذلك التاريخ، فتُحفظ الآثار من الضياع، وتترسّخ سيرة وحياة رجالات كرام، عايشوا، فانفعلوا مع ظروفهم وتفاعلوا مع أحداث أحاطت بهم، يعرفها الجميع في ذلك الزمن القلق.
هذا التمهيد يسير فيه د.عبد العزيز الشريدة، متناولاً حالات الفقر وانعدام الأمان في تلك الأيام، والتفاف الجماعات التي كان يربطها رباط الدم والقربى أو المصاهرة والنسب أو السكن والجغرافيا، لتأسس كل جماعة كياناً متماسكاً تحتمي به وتلجأ إليه، فتلتف حول زعيم أو شيخ ذي رأي سديد وشجاعة مشهودة وكرم موصوف.
يقرأ د.الشريدة أحلاف هذه الجماعات ومواقعها الحصينة ومصالحها؛ فهي جماعات بشرية تجتمع ضدّ عدو مشترك، كما يقرأ إفرازات الحرب العالمية الأولى ونتائجها على البلاد العربية، ونكث العهود المعطاة للشريف الحسين بن علي، ماراً بالاتفاقيات الحاصلة: بيكو، بلفور، سان ريمو. في تلك الفترة كما يقول كانت شرق الأردن بعامة ولواء عجلون بخاصة يزخران بالتوترات والقلق والهياج وعدم وضوح مستقبل الناس، وهنا كما يرى د. الشريدة فإنّ لزعماء المنطقة وشيوخها آنذاك دوراً كبيراً يحملون العبء، ويمنعون الخطر.
هذه الفترة، أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، مهمّة لا بدّ من اجتلائها وفهمها وإنصافها؛ لأنّ (ما ننعم به من أمن واستقرار هو بعض الضريبة التي دفعها ذلك النفر الكريم من الآباء والأجداد).
في كتابه يستميح د.الشريدة القارئ عذراً؛ إذ قد يأتي على ذكر بعض الأحداث والحوادث أو الأشخاص والجماعات حسب ما اقتضته ظروف تلك الحقبة؛ فهو يكنّ للجميع كل الاحترام والإجلال، خصوصاً كما يقول بعد أن تأصّلت أواصر النسب والمصاهرة والقربى والجوار وانصهر الجميع في مجتمع مدني يسوده القانون والنظام والمساواة، لأن(سرد بعض الأحداث والوقائع هو للتاريخ فقط والحقيقة كما تبدت لي ولا شيء آخر).
يشير د.الشريدة إلى أنّه وبعد أحداث الكورة التي وقعت مع بدايات القرن العشرين، قد توثّقت العلاقة وتأصلت مع سمو أمير البلاد عبد الله بن الحسين(الملك عبدالله)، أحد قادة الثورة العربية الكبرى العظام، وأصبح الحب والولاء لآل بيت المصطفى صلى الله عليه وسلم هو العنوان الذي يحكم مسيرة الجميع.
يذكر د.الشريدة أنّ المغفور له الملك عبدالله الأول كان يعامل جميع زعماء وشيوخ شرق الأردن بالحب والحدب والعطف، وكان يوسع لهم في مجلسه ويحاورهم ويحاورونه، وكان الجميع يتفق على بناء الوطن الأردني ورفعته وتقدّمه وإن اختلفت الاجتهادات. كانت الإمارة، كما يقول د.الشريدة، تفتح ذراعيها لأحرار العرب وثوارها وكانوا يجدون في الأمير عبدالله الملاذ والملجأ الأمين في حدود ما سمحت به الإمكانات والظروف المعروفة.
هذه العلاقة الحميمة كان طرفها الود والعطف السامي من قبل الأمير عبدالله(الملك عبدالله الأول) والالتفاف حول صاحب السّمو، ويروي د.الشريدة ما يؤكد هذه المودّة من واقع أوراق كان يحتفظ بها والده الراحل كليب الشريدة موقّعة من الشريف حسين بن علي وسمو الأمير عبدالله آنذاك.
الحاج كليب اليوسف، وهو أحبّ أسماء الراحل إلى د.عبد العزيز الشريدة، كان علماً ناصعاً، قدّم الكثير، وفي الكتاب يتنقل المؤلف في العناوين: المنبت والمنشأ، يوسف بن الشريدة، رباع الثاني بن شريدة بن رباع، شريدة بن رباع بن عبد النبي، كليب اليوسف الشريدة، كليب اليوسف في فترة الحكم العثماني، وكليب الشريدة في حقبة الحكومة العربية، مؤتمر عجلون، المؤتمر السوري، إرسال جيش بقيادة عبدالله الكليب إلى دمشق، ومعركة القنيطرة، مؤتمر قم ومعركة سمخ، في فترة الحكومات المحلية، حكومة دير يوسف، أثناء حقبة تأسيس الإمارة في شرق الأردن، قدوم سمو الأمير عبدالله إلى عمان، تأليف أول حكومة في شرق الأردن، ثورة الكورة، أسباب الثورة، وتداعيات وقعة الفروخية، حكومة علي رضا الركابي، وضع نهاية للثورة، العفو، عهد جديد، زيارة سمو الأمير الأولى إلى تبنة، ونصرة فلسطين، والوضع السياسي في شرق الأردن، المؤتمرات الوطنية، مؤتمر باب المغارة، ترجّل الفارس، زوجات الشريدة وذريته.