|
عرار:
صدر قبل أشهر كتاب"فلسطين في القلب"للأب د. رفيق خوري، وهو الجزء الرابع من المجلد الذي وضعه تحت عنوان"من أجل حدود مفتوحة بين الزمن والأبدية". يهدي الكاتب كتابه هذا الى أحد شهداء فلسطين ألا وهو ابنها البار نعيم خضر"الذي جسّد في شخصه الحلم الفلسطيني وناضل من أجله ومن أجله استشهد". وكتب مقدمة خاصة للكتاب الدكتور عفيف صافية (ص 6-8) الذي اعتبر عمل الأب رفيق"عملية رصد لحركة التاريخ"فيه يبقى"الشأن الفلسطيني محور كل المقالات"الواردة في الكتاب وهي عشرين مقالا. وقراءة الكتاب ذكرت صافية بالمفكر الايطالي غرامشي، حيث تنطبق مقولته عن المثقفين والمضطهدين على الأب رفيق الذي يفكر لأنه يتألم ويتألم لأنه يفكر. ربما يتساءل البعض ما العلاقة بين فلسطين والعنوان الشامل للمجلدات، ولهذا سارع الأب رفيق وفي المقدمة التي وضعها للكتاب، باستجلاء السر والعلاقة حيث قال"فالزمن المعني بالنسبة اليّ، في المقام الأول، هو الزمن الفلسطيني". ومقالات الأب رفيق التي جمعها في كتابه هذا، وجريا على الكتب السابقة هو مجموعة مقالات ومداخلات ومحاضرات قدمها ونشرها في أوقات مختلفة على مدار ربع قرن ولى، وخاصة منذ عقد مؤتمر مدريد الذي أطلق عملية"السلام"والتفاوض بين الاسرائيليين والفلسطينيين، وتتمحور المقالات كلها حول فلسطين، وهي أقرب الى أن تكون مقالات وجدانية تنطلق من الذات أولا لتعكس هموم وتحمل أفكار أبناء الشعب البسطاء الذين تفاءلوا خيرا بانطلاق ما أسمي"عملية السلاك"وأصيبوا بخيبة الأمل من المفاوضات التي طالت ولم تأت بنتائج على أرض الواقع. وما يميز كتابات الأب رفيق لأنه رغم خيبة الأمل التي قاربت حالة اليأس، الا أنه يبقى متسلحا بالأمل"الذي لم يمت ولن يموت"ص 11 ويكتب الأب رفيق تأملا افتتاحيا من وحي اللوحة التي اختارها لغلاف كتابه، وهي لوحة"جمل المحامل"التي أبدعها الفنان التشكيلي الفلسطيني سليمان منصور. يتوزع كتاب الأب رفيق"فلسطين في القلب"على أربعة فصول وهي: العالم العربي بين قرنين. فلسطين سنة بعد سنة. القدس فس قلب القلب. قراءات. إضافة الى ملحق نشر فيه وثيقة"وقفة حق"لمجموعة كايروس فلسطين وهي الوثيقة التي صاغها مجموعة من المسيحيين الفلسطينيين من مختلف الكنائس عام 2009 من منطقة القدس وبيت لحم ويقف على رأسهم البطريرك ميشيل صباح وقد نقلت الوثيقة الى عدد من لغات العالم وكان لها انتشار واسع، ويضاف الى الفصول المقدمة والتأمل الافتتاحي. نبوءة الأب رفيق تتحقق في مسيرات العودة في غزة تضمن الفصل الأول مقالين الأول يودع فيه القرن العشرين أما المقال الثاني وهو الأهم فيهما"على عتبة القرن الحادي والعشرين – العالم العربي في مهب الريح". يقدم فيه المؤلف توصيفا لحال العالم العربي مع بداية القرن الحالي وما يشهده من تفتت وتمزق وتشرذم بفعل مخططات جهنمية خارجية ومساعدة خبيثة داخلية، ويرى أن"كل ذلك لا يمكن أن يكون إلا خدمة لإسرائيل والمشروع الصهيوني". لكن الكاتب لا يتخلى عن تفاؤله رغم ما تمر به قضية فلسطين من جمود وتراجع، ويؤمن بأن الشعب الفلسطيني لا بد وأن يعود لأخذ زمام المبادرة ومفاجأة العالم بأعماله خاصة وأنه"يبقى في أيدي الشعب الفلسطيني ورقة أخيرة (وحاسمة)، وهي وجوده على أرضه"، وربما هذا ما تحقق في الأسابيع الأخيرة وما يزال في مسيرات العودة في قطاع غزة، والتي تحمل ابداعا وتطويرا في أساليب النضال بذكاء كبير أيقظت الرأي العام العالمي من سباته. كما أنه يدعو الى استحداث التراث الناصري القومي وتجديده وليس اجتراره، كأسلوب حل سياسي للمستقبل. ويمكن اعتبار هذا المقال مدخلا موفقا وممهدا لمواضيع الكتاب. ويبقى همّ الأب رفيق الأول هو المسيحيون العرب ووضعهم في الوطن، حيث يدعوهم لعدم البحث عن حلول يائسة رغم كل ما يتعرضون له وهو أمر فظيع، ويدعوهم لأن ينطلقوا من جديد بعد أن يجدوا الفرصة المناسبة. يتضمن الفصل الثاني ثمانية مقالات تتمحور حول الهم الفسطيني والتحديات التي ترافق هذه القضية. في المقال الذي يحمل عنوان""خمسون عاما على النكبة.. من جراح الماضي إلى رؤى المستقبل"يدعو الكاتب الجانب الضعيف (الفلسطيني) لأن يكتب تاريخه ويدونه مقابل الجانب القوي (الإسرائيلي). ويقول انه اذا تجمع المؤرخون الفلسطينيون وكتبوا بكثرة، يمكن لهم أن يغيروا الرواية التاريخية أمام العالم، لكنه لا ينسى أن يحذر من الوقوع في سلبيات رواية الجانب الفلسطيني. ويعتبر أن للذاكرة شقان: الخبرة والتفكير، ويدعو للانتقال من الذاكرة الى النبوّة التي تتطلع للمستقبل. ومرة أخرى ينهي الكاتب مقالته متفائلا ويدعو للعمل من أجل مستقبل فلسطين في الحفاظ على تاريخها وذاكرتها. وفي المقال التالي له وبعنوان"تحديات الوضع الراهن في فلسطين"يعرض الأب رفيق قوة الكذب الإسرائيلي إعلاميا واقتصاديا ودينيا وسياسيا، مما يضع تحديات صعبة أمام الجانب الفلسطيني الضعيف على تلك الأصعدة إضافة الى العامل العسكري وغيره. ويؤكد الكاتب أن إسرائيل اعتمدت على الكذب والقوة في نهجها السياسي طوال تاريخها، ومن ناحية أخرى يشير الى أن المشروع الصهيوني ولد فاشلا، لكن الطرف الفلسطيني لم يحسن استغلال هذه الناحية. ويركز الكاتب على جملة من الحقائق في الصراع ويتوجه نحو الإرادة الفلسطينية والبناء الداخلي، ومن ثم التحدي اللاهوتي ويخلص الى تقديم اقتراحات فلسطينية لمواجهة التحديات، ومن أهمها التوجه الى الشارع العالمي غير الرسمي. ويستحق المقال الأخير في هذا الفصل يحمل عنوان"الدولة الفلسطينية المنتظرة، وجهة نظر مسيحية"، الانتباه حيث يستدرك الكاتب الى القول أن المسيحية ليست أيديولوجيا سياسية، فهي على الأصح وجهة نظر مسيحي يجتهد في الموضوع. وهو يرى أن على الدولة العتيدة أن تعمل لأن يكون الانسان في المركز، وان تكون الدولة في خدمته وكذلك الثقافة والسياسة والاقتصاد. هذا الانسان يجب أن يكون مواطنا يتمتع بحق المواطنة بما فيها من مساءلة للسلطة سياسيا واقتصاديا وثقافيا. ساعة القدس اقتربت فهل شعبنا جاهز؟ الفصل الثالث يتضمن مقالين الأول بعنوان"القدس أو الموت"وهو عنوان رهيب وخاصة أنه يصدر عن كاهن يصرح ويفصح أنه اذا كانت فلسطين في القلب فان القدس في قلب القلب وهي الحياة أو الموت. وموت القدس أشكال وأنواع وساعتها تقترب. والمطلوب من العرب والمسلمين أن يستعدوا للساعة، بالفكر والتخطيط والعمل، فإسرائيل تعمل كل ذلك والعرب نائمون أو منيّمون. ونضيف بأن اسرائيل ومعها أمريكا تعمل على تثبيت القدس كعاصمة أبدية لإسرائيل والعرب ليس نائمون فحسب، بل أن غالبيتهم باتوا وللأسف مشاركون بهذا المخطط اما مباشرة أو بشكل غير مباشر ومنغمسون به. وما ذهب إليه الأب رفيق يصح لكل حالات التوتر التي تعصف بالمدينة، حيث ينبه الى أن"القدس يمكن أن تظلّ صرخة في واد، إن لم نحولها إلى مشروع تاريخي"، وهذا ما يجب أن يتنبه اليه الفلسطينيون. ومما يحسد عليه الكاتب الأب رفيق خوري، ذلك النفس التفاؤلي الذي يختم به كل مقال من مقالات الكتاب تقريبا، في ظل كل هذا الضباب وعدم اليقين الذي يحيط بالقضية الفلسطينية ومستقبلها المنظور، ولا يسعنا الا أن نردد معه بيقين"نعم، إننا على موعد مع ساعة القدس. فإلى اللقاء العاجل، بإذن الله". الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: السبت 02-06-2018 12:48 صباحا
الزوار: 909 التعليقات: 0
|