قــراءة في مفـردات العـدد الجـديـد مـن المجلة الثقافية
عرار:
د. محمد عبدالله القواسمة احتوى العدد الثالث والتسعون من المجلة الثقافية، الذي صدر حديثًا عن الجامعة الأردنية ملفًا حمل عنوان «التاريخ وآفاق المعرفة» فضلًا عن مواد ثقافية أخرى. وجاءت افتتاحية المجلة التي كتبها رئيس التحرير الأستاذ الدكتور محمد شاهين بعنوان «التاريخ بين تجليات الثابت والمتحول» على صورة تأملات تاريخية كما تجلت عند إدوارد سعيد الذي تبلور لديه مفهوم للتاريخ إثر هزيمة حزيران عام 1967، يقوم على أطروحة ترفض فكرة صراع الحضارات التي جاء بها هنتغتن، ونهاية التاريخ عند فوكوياما وتناهض مؤلفات برنارد لويس التاريخية، وترى التاريخ بأنه من صنع البشر يتلاحم مع الثقافة ومع ماهو موجود في الحقل الاجتماعي والاقتصادي، إنه إبداع خيالي للماضي وخطاب تنتجه اللغة لا الحدث، وأن الحقيقة التاريخية بنية مركبة من التجربة الذاتية والخبرة الإنسانية. ويرى المؤرخ الدكتور علي محافظة في بحثه «التاريخ العربي ومناهج الفكر الحديث» أن التاريخ ينتمي إلى العلوم الإنسانية، وقد تطورت الكتابة التاريخية مع تطور هذه العلوم. وقد حدد المؤرخون العرب أهداف التاريخ في العبرة والموعظة، ومعرفة العلم الشرعي وأخبار العلماء وإحياء ذكرى الأولين والآخرين، والمتعة والترويح عن النفس. أما المفكرون الغربيون المحدثون فتجاوزوا هذه الأهداف وقالوا بأهمية التاريخ في الحياة، وإثراء العالم الداخلي للإنسانعن طريق استعادة القيم الثقافية الماضوية؛ فالإنسان هو الكائن الحي الوحيد الذي له تاريخ، ويعي الزمن، ويسعى إلى الخلود.ويرى الدكتور محافظة وجود سبع مدارس ساهمت في معرفة التطور التاريخي للبشرية، وهي:المدرسة الشخصية أو مدرسة السير الذاتية، والمدرسة المثالية أو الروحية، والمدرسة العلمية أو التكنولوجية، والمدرسة الاقتصادية، والمدرسة الجغرافية، ومدرسة علم الاجتماع، والمدرسة التركيبية أو النفسية. وفي نهاية دراسته يرى المؤرخ محافظة أن الجهود العربية في البحوث التاريخية دون المستوى المطلوب لتدني مستوى التعليم في الوطن العربي، وتدني البحث العلمي. ويتحدث الدكتور نبيل مطر في بحثه «طرد الأندلسيين في الذاكرة العربية» الذي ترجمة الدكتور محمد عصفور عن هؤلاء الأندلسيين الذين طردوا من إسبانيا في المدة 1609-1614، والذين سموا هزوا بالمورسكيين، وعما تردد عنهم في الكتابات العربية في القرنين السابع عشر والثامن عشر. ويرى أن أول كتاب وصف استقبال الأندلسيين في شمال إفريقيا هو كتاب المنتصر بن المرابط أبي لحية القفصي (1551_1622) وقد وصفهم بأنهم إخوة هاجروا من بلاد الكفار. وظلت المصادر العربية ترى في الخروج من الأندلس فعلا ربانيًا للحفاظ على الدين الإسلامي. ويشير نبيل مطر إلى أن أول رواية تحدثت عن التهجير رواية صبحي موسى «المورسكي الأخير» 2014 وروى فيها أحداثًا من القرنين السادس عشر والسابع عشر، مع أحداث القاهرة عام 2011. ويقول مطر في نهاية بحثه لقد طرد العرب من إسبانيا، ولكن أحفادهم ما زالوا يحنون إلى بلاد أجدادهم، ويرى أن الأندلس ما تزال تلهم الكتابات والأبحاث العربية التي تمجد ماضي العرب في تلك الديار. وفي بحثه المعنون بـ»بين الذاكرة وصراع الإنسان والتاريخ» يبين الدكتور محمود جرن تشابك العلاقة بين التاريخ والسردية الأدبية، ويلحظ ذلك من خلال اللغة والتعبير نفسهhistory الذي يتقاطع فيه المعنيان: تاريخ وقصة. ولاحظ أن النصوص الأدبية في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي أصبحت وثائق تاريخية في نظر المدرسة الواقعية الجديدة الإيطالية حين سرد الروائيون الإيطاليون الواقع التاريخي من خلال قصص رمزية، كما في رواية ماسكيراتا لألبرتومورافيا التي تروي أحداثًا متخيلة عن ديكتاتورية في أميركا اللاتينية. ويخلص جرن إلى القول: إن التاريخ يعنى فقط بالحقيقة، ولكنه قد يخبرنا أوهامًا، والأدب يعنى بالأوهام، ومن المحتمل أن يقول لنا الحقيقة. وفي بحث بعنوان «هـ.ج. ولز والتاريخ» لباترك بارندر ترجمة هند شاهين هندي يتحدث فيه المؤلف عن اهتمام الروائي ولز بكتابة التاريخ الذي بدأ وهو في الخمسين من عمره. فكان كتابه «قصة التاريخ» عام 1919. الذي أوجزه بكتابه «موجز تاريخ العالم» عام 1922. ويرى ولز أن أسباب الحروب ليست اقتصادية كما يقول ماركس بل هي ثقافية؛ فالتاريخ البشري عنده هو تاريخ أفكار. لقد جاء تاريخ ولز متفائلًا مع أنه كان رد فعل للحرب العالمية الأولى، كان يمكن لتفاؤله أن ينتكس لو أنه أدرك ما آلت إليه التطورات الجديدة في هذا العصر الذي فيه تهدمت الديمقراطية، ظهرت إمبراطوريات إمبريالية جديدة، وهزمت الانتقاضات الشعبية فيما يسمى الربيع العربي. وفي بحث «الرواية والتاريخ» تبدو العلاقة كما يرى الدكتور إبراهيم السعافين واضحة بين التاريخ والسرد منذ ظهور التاريخ. ففي عصر ما قبل الإسلام ظهر كتابان يسردان قصص الملوك وأخبار الماضين ممزوجة بالخيال. هما: «التيجان» لوهب بن منبه، وكتاب تاريخ عبيد بن شرية الجرهمي. ويرى أن نشأة الرواية العربية في العصر الحديث ارتبطت بالتاريخ حتى إن رواد الرواية مثل جورجي زيدان، وسليم البستاني، وفرانسيس المراش رأوا أن المسوغ الأول لكتابة الرواية هو تعليم الأجيال تاريخ أمتهم. حتى الرواية التاريخية الغربية كما يوضح جورج لوكاتش ظهرت في القرن التاسع عشر مع وجود أحداث تاريخية وثورات. ويرى دكتور السعافين أن الرواية التاريخية لم تقف عند الأحداث والوقائع والشخوص والأمكنة، وإنما بحثت في جوهر التحولات التاريخية والثقافية، وتحولات السلوك الانساني والقيم الاجتماعية. مثل «ثلاثية غرناطة» لرضوى عاشور، ورواية «أرض السواد» لعبد الرحمن منيف. كما ورد في هذا العدد من المجلة الثقافية دراسة مهمة لدولة الدكتور عون خصاونة الخبير في القانون الدولي عن العلاقة بين القانون الروماني والشريعة الإسلامية. وبين فيها أن بعض المستشرقين يقولون بتأثر الشريعة الإسلامية بالقانون الروماني حتى إن بعضهم رأى بأنها تأويل للقانون الروماني إلى العربية، وفي المقابل فإن كتابًا من المسلمين قالوا إن الشريعة الإسلامية قائمة بنفسها ومستقلة، فمراكز تطور الفقه في البصرة والكوفة والمدينة لم تكن خاضعة لحكم الرومان. ويعتقد الدكتور عون خصاونة أن الفقه الإسلامي تأثر في القرون الأولى بالقانون الروماني من خلال الفقهاء أنفسهم، وهذا التأثير لا ينتقص من القانون الإسلامي. كما احتوت المجلة بمناسبة مرور عشرة أعوام على وفاة الشاعر محمود درويش حوارًا أجراه الناقد محمد دكروب مع الشاعر عام 1968 ونشره في مجلة «الطريق». ويعترف درويش بأنه امتداد لتراث شعراء الاحتجاج والمقاومة بدءًا من الصعاليك ومرورًا بناظم حكمت ولوركا وأراغون؛ فقد أمده هؤلاء بوقود معنوي ضخم بملامح فلسطينية. ويأتي إلياس خوري ليتحدث عن الشاعر محمود درويش، ويذكر كثيرًا من الحكايات عنه، ويتحدث عن آخر مكالماته معه قبل رحيله. ويرى خوري أن درويش فيه شيء من المتنبي، وأنه صنع اللغة الفلسطينية مع غسان كنفاني. وعن علاقة درويش بالسياسة يقول إنه كان يعرف كيف يحتفظ بالمسافة الضرورية التي يحتاجها شعره. وهكذا رفض أن يكون وزيرًا الثقافة، وأستقال من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، لكنه بقي محافظًا على علاقته بعرفات،وقد رافقه في زيارته إلى جنوب إفريقيا. وتبقى المجلة في حضن التاريخ، وتورد قصيدة تيسير سبول « قراءة موشح أندلسي» من ديوانه «أحزان صحراوية». كما تورد بحثا الفنان محمد العامري عن الأنساق الحروفية في الممارسة التشكيلية العربية. ويبين أن الفنان العربي في خمسينيات القرن الماضي خاض غمار التجريب في مفاهيم عوربة اللوحة؛ فكانت عناصره في الدرجة الأولى تنتمي إلى الحرف العربي، وبعض الأوابد الدينية والتاريخية؛ لمواجهة المد الاستعماري. وفي باب مراجعات الكتب يراجع المؤرخ على محافظة كتاب باسم لطفي رعد «التاريخ الخفي: فلسطين، حوض المتوسط، المنطقة العربية»، والذي صدرت ترجمته عن دار الآداب في بيروت 2014. ويراجع ابراهيم السعافين رواية واسيني الأعرج المعنونة بـ «مي ليالي إيزيس كوبيا، ثلاثمائة ليلة وليلة في جحيم العصفورية» ويبين أنها رواية سيرة حياة مي زيادة. جمع الروائي مادتها من وثائق، وروايات، ومصادر مكتوبة، ومقابلات،وزيارات إلى الأمكنة في الناصرة وغيرها.كما لجأ إلى استخدام حيلة فنية بالبحث عن مخطوطة تروي فيها مي مسيرة حياتها. وتراجع مها قصري كتاب «أسرى بلا حراب» عن مأساة الشعب الفلسطيني وضياع فلسطين من تأليف مصطفى كبها ووديغ عواودة. يوثق الكتابنشأة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين التاريخية، ويورد ملحقًا يتضمن كثيرًا من الصور والوثائق والرسائل التي تؤكد أن الذاكرة الفلسطينية لن تنسى فلسطين. ويراجع كاتب السطور رواية «ماميلا» لميرفت جمعة، ويبين أن واقع الرواية هو الواقع الفلسطيني، وما يجري على الأرض الفلسطينية.وقد اختارت المؤلفة مقبرة ماميلا في القدس لإظهار هذا الواقع. وتكتسب الرواية أهميتها من موضوعها الذي يركز على مدينة القدس، ويفضح العقلية الاستعمارية الاحتلالية الصهيونية التي لا تكترث في إقامة دعاويها الباطلة للأحباء أو الأموات، وتحاول طمس معالم المدينة المقدسة، وتزوير التاريخ. وفي ختام العدد نقرأ مراجعة لنضال القاسم بعنوان «تقنيات السرد ومغامرة التجريب في قصص هدى أبي غنيمة» ويرى القاسم أن القصص تمتاز باتساق لغوي واضح، ومعان محددة، وفي أحداثها محاولة لاسترجاع عالم الحب والامل لمواجهة عالم من الرعب والعنف.
الدستور الاردنية
الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الجمعة 01-02-2019 09:04 مساء
الزوار: 1279 التعليقات: 0