الناقد محمد المشايخ وسط أجواء الفرح والمرح والسعادة، التي ينتظر فيها الأطفال أعيادهم، وهم يساهمون إلى جانب الأهل في استكمال متطلبات إعداد أشجار عيد الميلاد وأضوائها وألوانها وزينتها وزركشتها، وما تتطلبه هذه المناسبة من ملابس جديدة وطقوس وهدايا تؤدي كلها للبهجة، تُـصدر الأديبة سوزان غاوي (عضو رابطة الكتاب الأردنيين، وعضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب) قصتها (ماذا جرى ليلة العيد؟) عن دار الخيال للنشر والتوزيع، بعد أن أصدرت عددا من قصص الأطفال المصورة، ومنها: سلسلة أنا اقرأ فالقراءة عيد، وسلسلة أنا اقرأ فالقراءة فرح، وسلسلة أنا اقرأ فالقراءة كنز، وقصة الفيلة الثلاثة، ومغامرة ليا. تـُصدر سوزان هذه القصّة، التي أبدعت رسوماتها التشكيلية سمانثا هتشنسن، وهي ترى في الطفولة مرحلة من مراحل النمو البشري، وفيها تسعى الأسرة والمدرسة والمجتمع لمواكبة النمو الجسدي والعقلي للطفل، لإكسابه المعلومات والمهارات التي تتطلبها حياته، ليقوم باحتياجاته الخاصة أولا، ثم مساعدة أقرانه بعد أن يشتد عوده. في قصة سوزان الجديدة والمفيدة، والتي تـُـعلم الأطفال العطاء والمحبة ومساعدة الآخرين، وتبعث في نفوسهم السعادة والطمأنينة، تجيد سوزان غاوي التبشير بالقيم الدينية، التي تسعى لتكريس المحبة بين البشر، ودفع كل منهم لأن يشعر بالآخر ويساعده، وليحاول إنقاذه من مآسيه، ودفعه للفرح، لتغدو قصّتها في طليعة الأعمال الإبداعية الإنسانية، التي تـُـعلم الطفل معنى المناسبات الدينية، والهدف الأخلاقي والإنساني من ورائها، ولتحقق فيما بعد حلم الصداقة والسلام بين الشعوب. من الملعب إلى المنزل، يدخل بطل القصة (مروان)، صاحب هذا الاسم الذي تنطبق عليه المعاني والدلالات الكامنة وراءه (فهو نسبة إلى «المَرْو»، والذي واحدته مروة، وهيَ الحجارة الصلبة والتي تعرف بالصوّان)، ومن اللعب إلى الإنجاز، حيث تكون والدته السند الأول في مشروعه، فتشتري له كل ما يلزم، لإنجاز ألعاب يقدمها هدايا للصغار في مخيمهم، وهي بالمناسبة لم تكن هدايا عادية، فهي بحاجة إلى تركيب، وإلى إعمال العقل من أجل تجميعها كي تحقق الهدف العلمي من إنجازها، عدا عن التسلية والترفيه، وليكافأ هو والأطفال فيما بعد بهدايا البابا نويل المميزة والتي تحتاج أيضا لجهد عقلي حتى تجهز. سوزان غاوي، في هذه القصة، وفي كل كتابتها، صاحبة أسلوب رشـيق ممتـع، جميل، بسيط، تتجلى بساطته في وضـوح الكلمـات، وتشكيلها بحركات الإعراب حرفا حرفا، ووضـوح التراكيـب اللغويـة وترابطهـا، وقوّتها، هذا عدا عن تضمينها لأسلوبها مثيــرات تــوقظ أحاســيس الطفــل ومــشاعره، وتمده بالكثير من التشويق والجاذبية، هذا عدا عما في قصتها من غذاء لروح الأطفال وتنمية لوجدانهم عبر قصة واقعية قصيرة ومشوقة وسهلة، وقادرة على تحفيز ملكة الإبداع والتخيل لديهم. أمران مهمان توقفت عندهما سوزان غاوي في قصتها بشكل فني وجمالي، دونما مباشرة، الأول:ضرورة انخراط الصغار (بتحفيز من الأهل) في العمل العام وضرورة مساعدتهم لكل أفراد مجتمعهم بغض النظر عن العمر أو الجنس أو الدين، والثاني: استيعاب الأطفال لما جرى خلال جائحة كورونا، سواء عبر الحظر الذي تم تطبيقه حتى أيام الأعياد، واتخاذهم التدابير الصحية التي تحول دون إصابتهم وأقرانهم وأبناء مجتمعهم به. عندما ظهرت أديبة الأطفال سوزان غاوي على قناة رؤيا ضمن برنامج دنيا يا دنيا قبل أيام ، عرفت أنها تجيد خمس لغات، ومن هذه الملكة الخاصة بها، واضح أنها اطلعت على ما في الأدب العالمي من قصص وأفكار كونية، انعكست على قصصها دون وقوعها في «التأثر والتأثير»، فجمال أدبها خاص ومتميز، ولكن أفكارها الدينية والدنيوية حول الأعياد، تبعث على البهجة والتسامح والتعايش والشراكة في الإنسانية. وختاما لا بد من التنويه إلى ما نشرته القاصة في كتابها بعد انتهاء قصتها، حيث طرحت على الأطفال سؤالا جاء فيه:ماذا تحب أن تعمل لغيرك في العيد؟، ثم نشرت تقويم شهر كانون الأول، وفي كل يوم من أيامه نشرت إحدى القيم الإنسانية الجميلة ومنها(محبة، عطاء، رحمة، مساعدة، حب، كرم، دفء، نور، أمل، رفقة، سعادة، دعم، شجاعة، صبر، جدّ، تفاؤل، إنجاز، بطاقة، وجد، وصل، درب، هدية، فرح، ميلاد، عيد)، وفي النهاية، طرحت القاصة على الأطفال أكثر من سؤال عن دلالات الكرات التي تحتضنها شجرة الميلاد، وعن القيمة الإنسانية التي تحتضنها من بين القيم المذكورة. إن هذه الإضافة النوعية بعد أحداث القصةومجرياتها الهادفة، تؤكد احترام القاصة للأطفال وتقديرها لوعيهم المبكر وليقظتهم الفكرية، ورغبتها في غرس كل جميل في وجدانهم.