الوعي الطفولي في قصة «الماستان» للأطفال للكاتبة زليخة أبوريشة
د. زياد أبولبن وقعت بين يدي قصة للأطفال للكاتبة زليخة أبوريشة بعنوان «الماستان»، وقد صدرت في سلسلة حي بن يقظان للتفكير عام 1985، ولم أعثر على قصص أخرى تحملها السلسة لكتّاب آخرين، وقد أشارت زليخة في تمهيد (حول القصة ..) بقولها: «وقد سمينا السلسلة بـ «حي بن يقظان» تكريماً لابن طفيل الفيلسوف العربي الذي كتب رائعته الخالدة، مستخدماً ما توصّل إليه علمه وإبداعه من طرائق فلسفية في التفكير والبحث». ولم تخبرنا الكاتبه مَن هم الذين سمّوا هذه السلسلة بهذا الاسم، سوى عبدالملك الناشف الذي كان له قصب السّبق في هذا المشروع الرائد في الوطن العربي، واستحق إهداء الكاتبة الثريّ باللغة الشاعرية، وما معرفة أصحاب السلسة إلا من باب مشاركة تكريمهم الذي لا يقلّ منزلة عن تكريم ابن طفيل،ولا شكّ أنهم يحملون فكراً تنويرياً ينهض بالقارئ العربي. كُتبت القصةُ للأطفال من 9 إلى 11 سنة، وهو السنّ الذي يتشكّل فيه وعي الطفل على العالم، ويترسخ في وجدانه حبّ القراءة أولاً وحبّ المعرفة ثانياً، وحظيت القصة بمقدمة الدكتور محمود السمرةمن إطراء وثناء على صاحبة القصة، وعلى مضمون القصة ورسوماتها التي أبدعتها الفنانة التشكيلية ماريا أبوريشة. ينشغل السرد على لسان الطفلة رباب، وهي ترصد وقائع التحضير لحفل عُرس أختها الكبرى «سلافة»، وحارات القدس القديمة وتراثها وأسواقها وسكانها..يقطع السرد حوار يدور بين رباب وأمها، وتطرح الطفلة رباب على أمها أسئلة تنمّ عن وعي طفولي بالعالم، وتترك للقارئ مساحات من الإجابة على أسئلتها، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على قدرة الطفل القارئ على التفكير والتحليل، وهو هدف رمت إليه الكاتبة من أهداف أخرى سعت إليها، وتتمثّل بتعليم الأطفال طرائق التفكير السليم ووإثارة فضولهم للمعرفة والبحث وشحذ خيالهم التصويري وتنمية حسّهم اللغوي وربط وجدانهم بالقدس، وهو ما يدركه قارئ القصة. لم تكتفِ الكاتبة في تصوير المكان/ القدس، وإنما تطرح أسئلة على لسان الطفلة رباب، كي يشارك الطفل القارئ هذه الأسئلة لترسيخ مكانة القدس في وجدانه، ومعرفة تاريخ مدينته المقدّسة في دحض المزاعم الصهيونية في وجوده التاريخ بصورة غير مباشرة لا يبرز بشكل مباشر في ثنايا القصة، وتعزز في نفس الطفل القارئ حبّ أرضه المقدسة. تشكّل الأسئلة المطروحة في القصة اكتمال المشهد التصويري لمدينة القدس، وثراء المعرفة لدى الطفل القارئ، ومثال هذه الأسئلة: تثرى هل سبب أسئلة أمي لا يخفى عليكم أنتم أيضاً؟؟/ ما رأيكم/ هل تعرفون أنتم ما هو؟/ هل تجدون فرقاً في المعنى بين الكلمتين؟/ هل تعلمون لِمَ كانت تفعل ذلك؟ وإذا عرفتم هل خطر ببالكم أن تفعلوا مثلها؟ جربوا.. لعلكم تكتشفون شيئاً؟/ هل يمكنكم توقّع الجواب؟/ هل تصدّقون ذلك؟؟/ لن أقول لكم/ أفضل أن تسألوا أنتم بدوركم.. فمن لا يسأل لا يتعلم.. أو أن تبحثوا في الكتب.. ففيها الكثير من الإجابات عن الأسئلة الحائرة. ولا أكتمكم أن جواب ماما قد أثار فضولي، وأنه أورثني بعض التوتر/ هل خطر ببالكم أن تسألوا هذا السؤال؟/انتم تعلمون لمن هي.. وتعلمون أي قلوب تهوي إليها.. وتعلمون ربما أكثر مني/ لاحظوا لم تقل: لا ولتِ.. هل تعرفون لِمَ؟ يبقى السؤال يدور في عقل الطفل القارئ: ما هما الماستان اللتان تبحث عنهما الطفلة رباب؟ فيجد الجواب في السطر الأخير من القصة، فالكاتبة تدفع القارئ إلى مشاركة رباب في البحث المعرفي عن الماستين. لا شكّ أن الكاتبة زليخة أبوريشة قد أبدعت أيما إبداع في رسم شخوص القصة وأمكنتها، كما أبدعت في نقل الطفل القارئ من مرحلة التلقين التي تطغى على قصص الأطفال في الوطن العربي إلى مرحلة التفكير والبحث، بإسلوب رشيق أو بإسلوب السهل الممتنع كما قال الدكتور محمود السمرة، ولغة جميلة