|
|
اليوم الوطني للقراءة يطلق مارد العقل لإحداث التنمية المعرفية
عمان 29 أيلول (بترا)- بشرى نيروخ - لم يكن التاريخ الإنساني منذ بدء الخليقة إلا نتاج القراءة التي أطلقت مارد العقل لإحداث التراكم المعرفي الذي دونه الإنسان ليحجز مكانه تحت شمس التاريخ. وتتسلّح أمة العرب التي وصفت بـ "أمة إقرا" وفي الصميم منها الأردن، بخطاب رباني يأمر بالقراءة في الآية الكريمة، "اقرأ باسم ربك الذي خلق"، والتي تمثل دعوة مفتوحة إلى القراءة التي تفتح آفاق العقل والعلم والفكر والمعرفة، وخير شاهد على ذلك تكرار عبارات "تعقلون" و"تتفكرون" و"تعلمون" في القرآن الكريم.
وخلّد شاعر العربية الأكبر أبو الطيب المتنبي الوعي المعرفي، حين قال: أعز مكان في الدنى سرج سابح.. وخير جليس في الأنام كتاب. وتكريسا لهذا الإرث والوعي بأهمية القراءة ودورها في دفع حركة التنمية والتطوير وإحداث نقلة نوعية في سيرورة المعرفة والوعي والعلم، أقرت الحكومة أخيرا يوما وطنيا للقراءة، ليكون اليوم الخميس باكورة هذه الإنطلاقة بوصفه يوما وطنيا لوضع الخطط اللازمة والبرامج النوعية لتحقيق المراد منه خدمة للتنمية المستدامة، وهو ما يتسق والسيرة الهاشمية في الحكم منذ تأسيس الإمارة في العام 1921. وأولى الهاشميون منذ تأسيس الدولة الأردنية في عهد المغفور له الملك المؤسس عبدالله بن الحسين، العلم والمعرفة واللذين يتأتيان من القراءة، أهمية كبرى، إذ عمل الملك المؤسس وهو المثقف والأديب، على إطلاق أولى المداميك التي تسهم في تعزيز القراءة تجسيدا لأهميتها في تحصيل العلم والمعرفة في المجتمع الناشيء آنذاك. وتمثل ذلك بتأسيس جريدة "الحق يعلو" حين وصل لمدينة معان عام 1920، والتي كانت تحمل الخطاب الثقافي والسياسي لمشروع الدولة الحديثة، في وقت لم يكن يصدر في منطقة الأردن أي صحيفة تشكل نقطة انطلاق لآفاق العلم والمعرفة والثقافة الرحبة. وعلى صعيد النشر، وبعد وصول الملك المؤسس إلى عمان، دَعم تأسيس الصحف والنشر من خلال جلب أول مطبعة في عهد الإمارة إلى عمَّان عام 1922، ثم ظهرت مطبعة الحكومة عام 1925، وتبع ذلك ظهور مطابع أخرى مهمة منها مطبعة الاستقلال العربي عام 1932؛ والتي أسهمت في نشر ثقافة الطباعة التجارية ما ساعد في بزوغ نهضة عربية جديدة في البلاد. كما ازداد في عهده عدد المدارس والطلبة والمعلمين المؤهلين، وتطورت المناهج والوسائل التعليمية والتخصصات العلمية. مساعد الأمين العام في وزارة الثقافة وعضو لجنة مكتبة الأسرة الدكتور أحمد راشد، قال لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، إن اليوم الوطني للقراءة يحتم علينا تنفيذ العديد من الأنشطة والاحتفالات بشكل دائم ومستمر على مدار هذا العام، سواء في عمان أو محافظات المملكة الأخرى، وبالتشارك مع الجهات المعنية كوزارة التربية والتعليم. وأضاف، إن إقرار هذا اليوم الوطني يسهم في تحفيز القراءة، وإعارتها المزيد من الاهتمام، ليس من جهة الوزارة فحسب، بل بمشاركة المؤسسات الحكومية والأهلية والخاصة، لما للقراءة من أهمية كبيرة في إغناء المعارف ورفع الذائقة الفنية والمساهمة في معرفة العالم، وتعميق المعرفة لذاتنا وتاريخنا وهويتنا، والإطلاع على ثقافات الأمم الأخرى. وأشار إلى جهود ودور وزارة الثقافة في إصدارات مكتبة الأسرة كل عام، والتي تسهم بدورها في التشجيع على القراءة، بالإضافة إلى العديد من البرامج المعنية بذلك، مشيرا الى أن فعاليات اليوم الوطني للقراءة سيشتمل على إقامة معارض كتب وورش تدريبية حول القراءة، وأنشطة ثقافية، وستكون متاحة بشكل منظم ابتداء من العام المقبل، لافتا الى أنه سيكون لدور النشر الأردنية، دور في هذه الفعاليات باعتبارهم سفراء للكتاب الأردني في الداخل والخارج. وأشار إلى أن هذا اليوم الوطني سيشكل حافزا لتجويد العمل في المؤشرات الوطنية للقراءة، وتفعيل برنامجها الوطني في محافظات المملكة. من جهته، رأى مدير المنتدى الثقافي والجوائز الأدبية في مؤسسة عبد الحميد شومان ، موفق ملكاوي، أن قرار الحكومة اعتبار يوم 29 أيلول من كل عام، يوما وطنيا للقراءة، يمثل دفعة قوية لتكريس القراءة وتعزيزها لدى الشعب الأردني. وبين أنه لا يمكن أن يتحقق هذا القرار، إلا من خلال جهود مشتركة من المؤسسات والمنظمات والجمعيات المعنية، سعيا لجعل هذا اليوم حافزا لتظاهرة ثقافية كبيرة لتحسين معارف الأفراد. ورأى الملكاوي أن هناك تجنيا باتهام المواطن العربي أنه غير قارئ، داعيا المؤسسات المعنية الى تقريب الكتاب والقراءة من نختلف شرائح المجتمع. وقال الملكاوي "لو نظرنا إلى توزع المكتبات العامة جغرافيا داخل الأردن، لرأينا أنها غير موجودة خارج العاصمة عمان إلا بحدود ضيقة جدا، كذلك فإن مكتبات المدارس فقيرة جدا، ولا تشتمل على عناوين جاذبة للفئات المستهدفة، بينما جزء كبير منها معطل وفارغ". وأكد أنه ينبغي أن تكون هناك مكتبة عامة في كل حي، وأن تعمد المؤسسات المعنية كذلك إلى تحسين المحتوى الرقمي لتسهيل ممارسة القراءة بجميع أشكالها، مشددا على أهمية أن تكون القراءة عادة يومية لدى الأفراد، بما يسهم في رفع الوعي العام، وتكريس أنماط التعلم الذاتي الذي تعتمده كثير من الشعوب المتقدمة. وعن دور مؤسسة عبد الحميد شومان في تحفيز القراءة، بين أن عمل المؤسسة يمتد على مدار 44 عاما، لذلك، فهي تمتلك الخبرة لتصميم وتطوير العديد من البرامج والأنشطة والمسابقات التي تستهدف المنتفعين منها، وتعزز عادات القراءة. وفي هذا السياق، أشار إلى أن "ماراثون القراءة" الذي انطلق اليوم احتفاء بهذه المناسبة يهدف إلى تشجيع القراءة، وخلق مجتمعات تقرأ، وتعريف القراء بكتب جديدة خارج اهتماماتهم المعتادة، كما يهدف إلى نشر فعل القراءة وجمع المهتمين بهذا الفعل في مكان واحد بشكل احتفالي. وبين أن "ماراثون القراءة" سوف يتم تنفيذه في جميع فروع مكتبة المؤسسة في جبل عمان، الأشرفية، الزرقاء، جامعة الحسين التقنية، إضافة إلى محافظتي الكرك وجرش وغيرها من المناطق، ذلك أنه يشتمل على عدة أنشطة منها قراءة حرة للمشاركين وألعاب ثقافية تناسب جميع الفئات العمرية المشاركة، إضافة إلى قراءة جهرية جماعية، وترشيح كتب للقراءة. مدير عام دائرة المكتبة الوطنية، الدكتور نضال العياصرة، لفت الى أن هذا القرار سيؤخذ بعين الاعتبار للتنفيذ ابتداء من اليوم الخميس، كما سيتم تنفيذ حملة (كتابك صديقك) التي سيتم من خلالها توزيع كتب مجانية أمام مدخل الدائرة على للمواطنين من أجل التشجيع على القراءة، بالاضافة إلى فعاليات اخرى ذات علاقة ومنها للأطفال. وأشار إلى دور المكتبة في توزيع الكتب كإهداءات خاصة في المناطق النائية، والتي تسهم في دعم وتأسيس مكتبات. رئيس رابطة الكتاب الأردنيين، أكرم الزعبي، أكد أنه من المهم تخصيص يوم وطني للقراءة، لكن الأهم هو ماذا سنعمل في هذا اليوم؟، مشيرا إلى أنه على الدولة بمختلف مؤسساتها الاهتمام بهذا اليوم عبر توفير الكتاب بأسعار رمزية يتمكن من خلالها كل مواطن من اقتناء الكتب بسهولة ويسر، إضافة إلى تخصيص مسابقات وطنية تعنى بالقراءة والقرّاء. وأشار إلى أن المساهمة في إيجاد البيئة المحفزة، هي مسؤولية مشتركة بين الدولة ومؤسساتها وخاصة المدارس والجامعات لجهة المسابقات كما كان سابقا في وزارة التربية والتعليم عندما كان لديها مسابقة "أوائل المطالعين" على مستوى المديرية ثم المحافظة، ثم المملكة، وغيرها من المسابقات في الجامعات، بالإضافة إلى إبراز دور القراءة وأهميتها في وسائل الإعلام المختلفة، فيما يقع على عاتق الأسرة بيان أهمية القراءة والحض عليها من خلال ابتكار وسائل تشجيعية على ذلك. وبين أن الإنتاج الكتابي في الأردن والوطن العربي بالمجمل العام عال جدا، ويمكن برمجة التعاون والتنسيق مع دور نشر محلية وعربية من خلال معارض الكتب المحلية والعربية بحيث تكون هناك دور نشر كل واحدة منها متخصصة بلون معين من الكتابة، لكن تفاوت أسعار الكتب بين دار نشر وأخرى وبين دولة وثانية سيكون من أكبر العقبات التي على الحكومات محاولة معالجتها. وحول تعزيز الترويج والتعريف بالمنتج الأردني في مختلف الحقول، وبالكتاب الأردنيين داخل المملكة وخارجها، أوضح أن آلة الإعلام هي أهم وأبرز وأسرع الآلات في الترويج للكتاب والكاتب الأردني، إضافة إلى التعاون مع صانعي المحتوى عبر مواقع التواصل الاجتماعي والمشاهير بمختلف المجالات للترويج للكتاب والكتّاب الأردنيين، بالإضافة إلى دعم صناعة الورق، ومؤسسات المجتمع المدني المختلفة مثل رابطة الكتّاب الأردنيين التي تملك الطاقات وتنقصها الإمكانيات. مدير دائرة المكتبات العامة التابعة لأمانة عمان الكبرى، ثامر الشوابكة، قال إن دائرة المكتبات تعمل على تنفيذ برنامج تنمية ثقافة القراءة من خلال عدة مبادرات منها مبادرة "كتابنا حضارتنا" والتي تشمل توزيع 4 آلاف كتاب مجاني في كل محافظة من محافظات المملكة بشكل دوري للمجتمع المحلي، مبينا إن ذلك يأتي ضمن إطار الهدف الاستراتيجي نحو تعزيز التنمية الثقافية مع الحفاظ على تراث وأصالة المدينة، أما مبادرة "خذني إلى المنزل" فيتم خلالها توزيع كتب مجانية للمجتمع المحلي في جميع المكتبات الفرعية التابعة لدائرة المكتبات بهدف تشجيع المجتمع المحلي على القراءة وزيادة الإقبال على المكتبات ورفع نسبة رواد المكتبات، بحسب الشوابكة. وأشار إلى مبادرة "أقرأ لأرتقي"، وهي مسابقة إلكترونية للقراءة للأطفال من 8-14 سنة؛ تهدف إلى تشجيع القراءة الهادفة والتنمية المعرفية للطلاب، بالإضافة إلى ذلك تعمل دائرة المكتبات على إنشاء منصة إلكترونية عبارة عن نظام متكامل للمكتبة المركزية والمكتبات الفرعية لتطوير العمليات وتحسين الخدمات الفنية وخدمة المستفيدين. وبين الشوابكة أن عدد المكتبات الفرعية التابعة لدائرة المكتبات في أمانة عمان الكبرى يبلغ 33 مكتبة والتي تشمل المكتبة المركزية والمكتبات الفرعية الموزعة في مختلف مناطق مدينة عمان، فيما بلغ عدد المقتنيات من الكتب نحو 500 ألف كتاب باللغتين العربية والإنجليزية، فضلا عن 300 دورية محلية وعربية وعالمية موزعة في جميع المكتبات التابعة لدائرة المكتبات أمانة عمان الكبرى. وأشار إلى أن دائرة المكتبات في الأمانة تسهم بتشجيع ودعم النتاج الفكري والمؤلف الأردني باقتناء النتاج الفكري وتحديث مقتنيات المكتبات بما يتوافق مع احتياجات متلقي الخدمة وعرضها في المكتبات. رئيس جمعية المكتبات والمعلومات الأردنية، الدكتور نجيب الشربجي، بين أنه يوجد في المملكة نحو 36 مكتبة جامعية، وعلى الأقل مكتبة عامة واحدة في كل محافظة من المحافظات، عدا عن مكتبات أمانة عمان الكبرى، مشيرا إلى أن القطاع الخاص ممثلا بالشراكات مع المجتمع بدأ بعمل مكتبات عامة في الأردن، كما أن المدارس في الأردن التابعة للقطاع العام والقطاعات الأخرى، يوجد في كل منها مكتبة مدرسية خاصة بها. وأرجع ضعف شراء الكتب من قبل الجهات المعنية من المعارض والمشاركة في المؤتمرات المعنية بالكتب والمكتبات إلى تراجع الأوضاع الاقتصادية ونقص الميزانية، خاصة بعد جائحة كورونا. وأشار في هذا الصدد إلى العديد من تحديات القراءة، من أبرزها ارتفاع أسعار الكتب، وقلة المكتبات العامة، وعدم مناسبة الكتب نفسها لمختلف الأعمار، فضلا عن لجوء الناس للإنترنت للبحث عن ضالتهم في المعرفة، معتقدين أن ذلك كاف، بيد أن ذلك الأمر غير صحيح. مدير إدارة النشاطات التربوية في وزارة التربية والتعليم، الدكتور عبد السلام الشناق، قال إن الوزارة تولي اهتماما للقراءة، انطلاقاً من فلسفتها وإيمانها بدورها في تعزيز الانتماء للغة العربية، ولهذا تركز إدارة النشاطات التربوية من خلال مديرية النشاطات الثقافية والفنية – قسم النشاط الثقافي والبيئي، على وضع البرامج والمسابقات اللغوية ضمن خططها السنوية، وتسعى إلى صقل مواهب الطلبة اللغوية وترعاها وتعززها، وتنمي الشعور بالانتماء والاعتزاز باللغة العربية. وأشار الى أن وزارة التربية والتعليم تطلق سنويا العديد من المسابقات الإبداعية باللغة العربية، وتركز على الوصول إلى أوسع شريحة من الطلبة ولجميع الفئات العمرية، في جميع مدارس المملكة الحكومية والخاصة على حد سواء، ولتعزيز هذه المشاركات تقدم الوزارة الجوائز المادية والعينية للطلبة الفائزين. وأشار إلى عدد من المسابقات الثقافية التي تنظمها الوزارة وأخرى تشارك بها، ومنها مسابقة تحدي القراءة العربي التي وصل فيها عدد الطلبة المشاركين من الأردن للعام 2020 إلى مليون و400 ألف طالب، وحصلت المملكة الأردنية الهاشمية على المركز الأول على مستوى الوطن العربي. بدوره، أكد أستاذة علم النفس التربوي في جامعة البلقاء التطبيقية، الدكتورة منى أبو طه، أهمية القراءة في حياة الفرد والمجتمع لأنها تزود الأفراد بالخبرات وتنمي مداركهم وتهيئهم لخدمة المجتمع. وبينت أن القراءة تولّد العديد من القدرات من أبرزها القدرة على الكتابة بطريقة أفضل، وتكسبه ثروة غنية من الكلمات والجمل والعبارات، كما تسهم في تعزيز القدرة على التعبير وتكوين الشخصية، وعلى فهم وإدراك الأشياء والحياة، داعية الأسرة لتشجيع أبنائها على القراءة. من جهتها، نوهت أستاذة الإدارة التربوية في جامعة البلقاء التطبيقية، الدكتورة يسرى العموش، بدور القراءة وما ينتج عنها من اكتساب المعلومات الجديدة النافعة والمعارف الفريدة التي من خلالها يتنور العقل بنور العلم والمعرفة، وترتقي بمهارات الفرد ومواهبه وتغذيه بالثقافة الإيجابية التي يرتقي من خلالها بنفسه ويخدم وطنه. ولفتت إلى دور القراءة في تنشيط الذاكرة وفتح أبواب التفكير والتأمل للعقل البشري للاستفادة من التجارب وخبرات الآخرين، داعية الجهات المعنية إلى بناء الطلبة بناءً سليما وذلك بتعليمهم مهارات وأساليب القراءة الحديثة والسعي نحو نشر المكتبات وإعطاء طلابنا مساحة أكبر، والتركيز على توثيق الصلة بين الطفل والقراءة، من خلال استراتيجية شاملة تتعاون فيها جهات متعددة من أسرة ومدرسة ومراكز ثقافية وجهات حكومية.
الكاتب:
اسرة النشر بتاريخ: الخميس 29-09-2022 11:36 مساء الزوار: 1230
التعليقات: 0
|
|