"إكليل الجبل" استعملت قبل ألفي سنة لألف سبب وسبب فوائدها الطبيّة لا تحصى ومنافعها العلميّة أكثر من أن تعد
رمى أحد الشبّان في القرون الوسطى، زهرة متفتحة على فتاة معتبراً أنها "تعويذة حب" ومنتظراً أن تقع في حبه فيستولي على قلبها،
كانت إمرأة غجرية تمسك في الوقت نفسه بيد شاب أمام معالم مدينة اشبيليّة التاريخيّة لتقرأ طالعه، فتضع قصفات من الزهرة المتفتحة ذاتها في يده لـ"جلب الحظ". علماً أن قدامى أطباء الصين كانوا يستعملونها أيضاً كعلاج لأمراض الرأس والتنفس والهضم والصداع وعسر الهضم والأرق والملاريا.
في اليونان القديمة، كان التلامذة ينثرون أغصان هذه الزهرة وأوراقها على رؤوسهم لتنشيط الذاكرة. واستمرت هذه العادة حتى اليوم، حيث يتم حرق أغصانها في مساكن الطلاب قبيل اجراء الامتحانات. أما في المانيا، فكانت العروس تتزيّن بتلك الزهرة في الأعراس لجلب الحظ السعيد والخصوبة، في حين كان يضعها البعض تحت الوسائد لإعتقاده بأنها تطرد الأحلام السيئة، ويزرعها آخرون حول المنازل بكثرة لمنع شرّ السحرة.
جالبة للحظ والشفاء
جمعت زهرة "إكليل الجبل" حين عُرفت قبل ألفي سنة، الحب والشعوذة والطب والحظ والسعادة والذكاء، وكانت تتصدر البيوت والشرفات والقصور، حتى فرضت نفسها في تصميم الحدائق، كونها دائمة الخضار وتبعث رائحة عطرية من أوراقها ومن أزهارها الصغيرة المنثورة كنجوم صغيرة في "سماء" خضراء.
وتشير إحدى الأساطير الى أن ملكة المجر آنذاك اليزابيت، أصيبت فجأة بالشلل، فقام أحد المعالجين بنقع رطل من "إكليل الجبل" في غالون من النبيذ لأيام عدة، ثم دلّك أطراف الملكة حتى شفيت. وأصبح هذا المزيج معروفاً بماء ملكة المجر. كذلك كان "إكليل الجبل" يستخدم للوقاية من النقرس وقشرة الرأس والصلع وأمراض الجلد.
أما الفرنسيون فكانوا يعلّقونه في غرف التمريض وفي المستشفيات كنوع من البخور الشافي. وفي أثناء الحرب العالمية الثانية كانت الممرضات في فرنسا يحرقن خليطاً من أوراق "إكليل الجبل" وثمار العرعر في أروقة المستشفيات من أجل تطهيرها.
أدخل المستعمرون نبات إكليل الجبل إلى الولايات المتحدة، وأوصى أحد المراجع الطبية المسمى The American New Dispensary بأوراق وأزهار العشب وماء المجر لعلاج المشكلات النفسيّة، ومتاعب الحيض، والسكتات الدماغية، والشلل والدوخة.
ورغم ندرة الدراسات العلمية عنها في لبنان والمنطقة العربية، إلاّ أنّ ثمّة فيضاً من المعلومات عن فوائد تلك الزهرة الصحية، وطرق استخدامها في مجال الطب، فضلاً عن أنها تحتل حيّزاً مهماً في مجال تحضير الأطعمة كنوع من النكهات الطبيعية. لكن أحداً لم يعمد إلى درسها لأسباب لا تزال مجهولة، ربما لوفرة الاسماء التي تعرف بها، ومنها: حصا البان، الحوران، حشيشة العرب، شاهي العرب وإكليل النفساء. أما الاسم العلمي، فهو Ros marinus oficinalis ويعرف بالإنكليزية باسم Rosemary.
من المؤكد أن "إكليل الجبل" نبتة متوسطية ومعروفة في كل أنحاء العالم، ولبنان أحد مواطنها. وثمة أنواع وافدة إلينا، ربما هي التي تسببت في إبقاء بعض أنواعه في دائرة التخمين. فنبتة "إكليل الجبل" البرية الموجودة بوفرة في أحراج لبنان وغاباته، هي أقرب ما تكون إلى شجيرة لا يتعدى ارتفاعها المتر أو أكثر قليلاً، أما الوافد منها فيتدلى على الجدران ويتمدد على الأرض ولا يمكن أن ينمو صعوداً. وما يثير الاهتمام أن كلاً النوعين يتماثل زهراً ورائحة وورقاً صغيراً، متوافراً بكثرة في محال العطارين، وهو دائم الخضرة ويضفي جمالاً استثنائياً وهو سريع النمو ويستخدم في تنسيق الحدائق، ومنها التي تنمو كشجيرات وتستخدم كنوع من الأسيجة الطبيعية من خلال تقليمه وتشكيله، وفق رؤية هندسية معينة.
ويشير بعض الباحثين الى أن "إكليل الجبل" يمكن ان ينبت بسهولة من خلال الـ Cutting، أي عبر نقع غصن صغير (كلخة) في الماء إلى أن تظهر جذوره أو غرسه في الأرض مباشرة. ولا بد من الإشارة الى أننا نشهد إقبالاً غير معهود عليها منذ اعوام عدة، نظراً الى فوائدها الصحية وجمالها ورائحتها المميّزة، هذا إذا إستثنينا مقاومته للآفات الزراعية والحشرات فهي ليست بحاجة إلى مبيدات ولا إلى أسمدة.
دورها فعّال في التحنيط
كشفت دراسات أجراها متخصصون في مجال الحضارة الفرعونية، أن من أسرار التحنيط لدى المصريين القدامى أنهم كانوا يستخدمون عسل "إكليل الجبل" في تحنيط موتاهم. وإذا ما تتبعنا أهمية هذه النبتة نجد أن بعض الدراسات الحديثة أكدت احتواءها لمواد مضادة للاكسدة، وكانت تستعمل كحافظة للحوم من التعفن وتضاف اليها لمنع التأكسد والتلف.
تجدر الاشارة الى أن نبتة "إكليل الجبل" معمّرة وتمتد بعد زراعتها لتنمو بشكل مطرد، وتزخر المكتبات بمواد كثيرة عن منافعها. فهي تحتوي على زيت عطري الرائحة يتكوّن من مركبات عدة أهمها سينول Cineole، كافور وبورنيول. كذلك يحتوي نباتها على مواد من العفص والصابون والأحماض العضوية.