اليوم الثاني والثلاثون !
والغيبوبة تسكنني تتلذذ بي وكأنني قطعة سكر لا أدري كيف يمكنها مضغ ذكرياتنا سويا في حلقها كيف تتذوق طعمها , وكيف لها تتلاعب بحواسي وتُشعرني بأنك جالسة بجانبي وتنظرين إلي بلا تعب !
وأنا أعرف جيدا بأن غرفتي تخلو منكِ لا يوجد فيها سوى ملاك منهمكة تنام وهي تراقبني وحين تصحو يلبسها الخوف عليّ تخاف على روحك الملتصقة بروحي أن تخرج من النافذة وتخطفها السماء ..
وأعرف أيضا بأن هذه الملاك التي تجلس بجابني تكرهني كثيرا لأنني أتعبها دائما وهي تحدثني عن نفسها وتظنني بأنني غارقا بالنوم ولا أسمعها
تحدثني عن حبها الذي بقي عالقا على الحدود وكيف أصيب برصاصة وقتلُ دون سابق إنذار تصف لي مشهد يؤلمني كلما أسمعه تصف كيف أخرجت الرصاصة من قلب حبيبها وحبيبها يصرخ لا يريد مفارقتها وتركها
تحدثني عن الفراغ الواسع الذي يجتاح قلبها الآن وتقول لي لم يعد قلبي يحتمل رصاصة أخرى منك أرجوك أستفق وأسمعني !
ولا تدري بأنني أصغي لحبها المقتول جيدا أصغي لشفتيها اللتان تمسك بهما طرف الابرة المخدرة حين يحين موعد العملية الجراحية وتهمس لي لن أصيبك بألم فقط وخزة حب واحدة وأذهب
وذهبت يا أوليفيا بعد دقائق كأنها خيال ..ذهبت ولم تعرف بأنكِ
أنتِ كالمسافة ما بين الحياة والموت تلهب روحي للموت لدقائق وأخرى تنهض بروحي نحو الحياة لربما أنه الاحتضار الذي تنصفة الشهقات الياسمينة التي تندلق من فمي إليكِ وما بين الشهقة والآخرى تذوب فيها مئات الحروف والآف القصائد فتبقى في حشرجة هادئة مؤلمة تريد الخروج ولا تخرج !
أنتِ المسافة ما بين الضوء القابع فوق عيناي وما بين الظلام المتداخل في جوفي وقربكِ مني كالاستراحة اللاحقة لوجع ينتاب قلب شهيد ما بعد الحرب.
هذه الحرب التي التي تكون فيها بصراعين صراع الموت والصراع الذي يقودك نحو يافا نحو التشابه العميق الذي يربط قلبي بها وبكِ حين أكون على الشاطئ وأكتب كل ما في داخلي وأضعه في لفافة وأدخل أصابعي العنيدة داخل الزجاجة وأرمي بها بعيداً بعيداً إليكِ...
وأنتِ لا تعرفين كيف يكون البحر ممتلئا بعيدان الثقاب المحترقة حين يمرون منه أولئك الذي أحرق البعد جوفهم, أنتِ لا تعرفين أنما هو يعرف ,,
ويعرف أيضا كيف أشتاق وحين تصيبني وعكة أكون فيها بحاجة كي أُقيم ثورة أو حرب بحاجة أن أفجر جميع الطرقات والحواجز وأمدُ يدي إليكِ وأقول لكِ هيا تعالي الى البحر وأشعلي الشواطئ بعيناكِ وأجبريني كي أخوض معكِ إي شيء يمكنه أن يعيد صوابي يمكنه أن يعيدني , أوليفيا في هذا البحر حكاية لستُ كالحكايات التي نعرفها سوياً وإنما حكاية لو أنكِ معي لاحتضنتي رائحتها دون شعور تلقائياً رائحة القدس ورائحة أسوار عكا المزينة بكحل الجميلات في الكرمل ,هنا يا أوليفيا لستُ كما في إيطاليا التي تُشعرك بأنك غريباً على ضفافها يافا يا حبيبتي في زقاق بحرها يُعشعش الحب في كل مكان وترين من بعيد سِرب الحرية التي ينتظر ميلادها الكثيرون على أرض مدينتي وترين عليه وفود النوارس تتجمع من حولي تُداعب الموج الحزين الذي يحمل صورتك الباهتة ويقذفها بين يداي وعلى ثيابي وكأنه يقصد في إشعال نيران ذكراك في داخلي, وأنتِ لا تعرفين كم أن يافا جميلة حين تستلقي على شعرها الطويل المنسدل من السماء على هذا الشاطئ وتعزف لها عصافير النيل في سيناء على موسيقى هادئة وأعرف يا أوليفيا أن غيرتكِ الآن بدأ مفعولها لكن يافا أجمل بكثير مما وصفت لكِ جميلة بقدر بعدنا وأكثر جميلة كعينيكِ ....كأنتِ تماما !
ليندا الرجوب