وقعت أول من أمس الشاعرة عطاف جانم ديوانها الشعري "مدار الفراشات" الصادر عن دار فضاءات للنشر والتوزيع- عمان، وهو الديوان الرابع بعد المجموعات الشعرية "الزمان سيجيء"، "بيادر للحلم يا سنابل"، "ندم الشجرة"، وأدار الحفل الذي نظمه بيت الشعر في رابطة الكتاب الأردنيين، الشاعر والمترجم نزار سرطاوي، وشارك فيه د. راشد عيسى، والشاعر مهدي نصير.
ورأى المشاركون، أن جانم تمتلك أدواتِها باقتدارٍ وتمكُّنٍ، وتمتلك ثقافةً شِعريةً تراثيةً ومعاصرةً عالية، وقادرة على التطوُّر والتحوُّل والارتقاء.
وأشاروا إلى أن الشاعرة هي ابنة الأنين الفلسطيني القديم وتشتبك بآفاق هذا الأنين الرحب وتسمو بوجعها الخاص إلى نموذج رفيع من حنين الزيتونة.
 من جهته، أشار الشاعر والناقد عيسى إلى وجود موسيقى حزينة في قصائد جانم تشبه "نواح العصافير على غابة محترقة".
وقال إن جانم ملتزمة بشعر التفعيلة الذي يوفر لها مساحات أرحب من حرية التداعي وبخاصة أن لغة أغلب القصائد منتقاة مما هو مؤتلف على الألسنة وملائم لأخلاق المعاني بعفوية محببة وهي لغة طرية ذات نكهة ودودة مطمئنة.
ولفت إلى أن ديوانها الأول وهو "لزمان سيجيء"، كان دقات أولى على باب القصيدة، حيث تطمأن الزمن الحالي المعيش بأن زمنا آخر سوف يأتي محملا بالبشائر، وبأن الحلم سيبقى مورقا ومكنوزا برؤيا مشرقة.
وتحدث عيسى عن الفنيات التي تستعملها الشاعرة في قصائدها ، فبين أنها "تعتمد التصوير الفني في شعرها من استعارات ومجازات في متناول الذائقة بعيدة عن ضغائن الترميز وعتمة الغموض".
ولفت إلى أن سبب ذلك هو إخلاص شعور القصيدة للنضال من أجل تعديل الحالة المائلة والانتصار للرغيف والدمعة وأنين الطيور المهاجرة فرؤيا القصيدة ملتحمة  بالهم الإنساني ومذاقات الحزين البلدي.
ووصف قصائدها بـ "قيثارة جريحة ألقت تحديات الشتات وأقاليم الغربة، وطائر يطير بجناح واحد ولا تستخدم إلا نصف منقارة الذي سرقت الريح نصفه الآخر".
ورأى عيسى أن معمار القصيدة عند الشاعرة يقوم على طراز البساطة الذكية في التشكيل وبأسلوب درامي في كثير من القصائد حين تصبح القصيدة قصة قصيرة تعرض لطفلة لا يهمها الطعام قدر اهتمامها بحلم العودة إلى فلسطين ومن أنماط السرد الشعري قصيدة بعنوان "عنقود الذرة"، حيث تقول فيها: "ونسيت الطاولة/ وزجاجات من الكولا وأكواز الذرة/ وصبايا يانعات ضاحكات/حينما الفتت على عنقي يداها/وتغلغ/في مساماتي شذاها...".
بدوره، تحدث الشاعر نصير عن تجربة جانم الأخيرة، مبينا أنها "تجربةٌ ناضجةُ الأدوات الشِّعرية واللغوية والثقافية والسياسية".
واستعرض نصير مناخات القصائد، لافتا إلى أنها تدور جميعها في أفقِ قراءة الواقع الفلسطيني والعربي المأزوم عبر قصيدةٍ يمتزجُ بها الهمُّ الذاتيُّ بالهمِّ العامِّ  في جدليةٍ شِعريَّةٍ تتناصُّ وتتقاطعُ مع التراث العربي والشِّعري الذي يتقاطعُ أيضاً مع قراءتها لهذا الواقع المُستَلب والمهزوم وعبر استدعاء القيم النبيلة والشخصيات النبيلة التي ربما تعمل كمعادلٍ موضوعيٍّ يُعيدُ للشاعرة الأمل في القادم من تاريخ هذه الأمة.
وأشار إلى أن الشاعرة تستعيد الميثولوجيا والتاريخ الموآبيِّ القديمِ "ميشع الكركيَّ" الذي انتصر على أعدائه اليهود في تلك الحقبة المغرقة في القِدم، وتستعيدُ كنعان جدَّنا الكبيرَ في هذه الجغرافيا المنكوبة في قصيدة غنائية عذبةٍ وحزينة.
وتناول نصير الإيقاع والبناء العروضي في قصائد جانم مبينا انها تعي في قصيدة التفعيلة إلى نسغ الإيقاع العميق لتتالي هذه التفعيلات وتدويراتها وقوافيها التي كانت واحدةً من جماليات وجرس اللغة في قصيدتها.
وقال إنها في قصيدة "بَرْمودا" نقرأ بدايةَ تحرُّرٍ إيقاعيٍّ من ضخامة التفاعيل وحضورها الطاغي في القصيدة، ونقرأ خروجاتٍ على هذه التفاعيل مما يؤشِّر إلى أن في التجربة القادمة ربما سنقرأ شيئاً جديداً متعلقاً بالتحرُّرِ من سطوة التفاعيل وحضورها الطاغي في قصائدها.
كما تحدث نصير عن القصيدة القصيرة الومضة عند جانم حيث بين أنها تشكِّل نسبةً ليست بالقليلة من قصائد الديوان المحتفى به، وهذه القصائد تحن للمقطوعات الشِّعرية المشهورة في تراثنا والتي تتكون من بيتٍ واحدٍ ولا تتعدَّى الأبيات الأربعة وكانت في التراث وليدةَ جلسات التنافس والسَّمر بين الشُّعراء وفي بيوتِ المثقفين والأمراء والخلفاء، وتدور حول الحكمة والغربة والوجدانيات التي تومض في القلب وتنبثق في اللغةِ مقطعاً قصيراً وسريعاً وجارحاً في معظم المقاطع.
وبين أن الومضات تشكلت من قصائد ذاتِ سطرينِ قصيرين كثيفين إلى مقطوعة قصيرةٍ لم تتجاوز الأسطر العشرة في أطولها، وهي ذاتُ تركيبٍ لغويٍّ عالٍ وذاتُ إيقاعٍ عذبٍ وأخَّاذ.
و قرأت الشاعرة بعد ذلك، مجموعة من قصائدها.