(قصص قصيرة جدا)
صفية البكري
بـِلا
لم يكن يرى سوى أقدام المارة تتوالى من  مكانه، لا يريد أن يترك هذه الدنيا، دون أن يملك حذاءً لقدميه الحافيتيْن، لكن اليوم الأمر يختلف، ينظر إلى السماء طويلا، يشكر الله كثيراً، لم يعد يرغب بذلك الحذاء، فقد رأى إنسانًا بلا ساقيْن!

خط أحمر
في تلك الليلة.. سهر مع آهاتي وآلامي  التي عصرتها في داخلي، أما هو فكان يعصر خاصرتي.. يحزها، أذكر انه ترك خطًا احمرًا حولها، وعندما عدت إلى المنزل فككت ذلك الحزام، ولعنته أرضا.

احتراق
تناولها من إطارها، لأنه أراد أن يملأ عينيه منها، أجده اليوم وقد امتلأت عيناه احمرارا غريبا، شرارات منبعثة من المدفأة احتلت مكانًا ببياضهما، تأمّل يديه وكانتا تعصرانها بقسوة، فتصبح أمرًا ما، شيئًا مهمًا، حتى تراءى له ظل إحدى يديه وهي تلقمها فم الموقد بنهمٍ مختلف.

ريحٌ عرجاء
على قدمٍ واحدةٍ، وقفت الريح لتصفعني بسؤالها: أتستطيعين الوقوف طويلا، وعلى قدم واحدة مثلي؟ باغترار أعلنت الحرب عليها!
- هيه.. ما أنت إلا ريحٌ عرجاء!
لا شك في أنك تحتاجين عكّازين، فلعلك تقدرين على المشي جيدا، أو أنك قد تحملين إليك عنك أصوات المارة سنداً، وأوراق الأشجار المستعبدة أصناما، والرمال تشكّلينها طوبا تلقين به على من تشائين وقت يحلو لك. كانت الريح ما تزال واقفة على قدمها الواحدة، عندما نهرتني بصمتها، لأسقط بقدمها الأخرى عليّ، متألّمة.. 
أسند نفسي إليّ وأتمتم: 
إنها ريحٌ عرجاء... ريحٌ عرجاء.. ريحٌ عرجاء..

همسٌ جميل
زجرتني الريح بعينيها : 
-توقفي ...الآن .. نعم ... أنت !!! توقفي عن الرسم !
صرخت بريشتي التي تتشبث بأصابعي الثلاثة برداً...
لكنها لم تأبه !!!
هذه المرة صرخت الريح بوجهي لتنثر ما علا رأسي ، أشعةً سوداء تضاهي بها سقف المكان !
بهدوء أمسكت بيديّ.. لتهمس بأمّ عينيّ 
-:ليست الريشة وحدها مَن ترسم!

شيء مكسور
هزها بشدة على ذلك الحائط
عنوة أسقطها الماء لتخرج جافة
فلم تعد تبكي إذا ضربت 
ولم تعد تفرح إذا ما احتضنت برفق
لم تعد تتألم لما يتألم له الباقون
كيف ؟ وهي شيء مكوّر من المطاط !
دخانٌ أبيض
في البداية كان الأمر بسيطًا
والسجائر تشتعل في أعقاب سابقاتها
وأنا أحدّق في الدخان الأبيض الذي 
ينتهك سواد الغرفة المجاورة
كان ذلك حينا كان الرجل وحيدًا
كان ذلك حينما كان الرجل نائمًا
كان ذلك وهم يخرجونه بقايا شواء 
بحزم عادي لا معنى له!

مسرح
ما العتمة إلا مسرحاً رهيباً ، 
تمارس فيه الرياح ،
طقوسها المتعبة !

أندهش
يقف مزهوّا فوق فراش الأرض
في ذلك الفصل
يتوغل في أعماق التراب.. فيذوب
أراقب... أتأمّل ... أندهش!
لماذا لا تنبت الأرض ثلجًا؟!

قرب حقيقيّ
لأول مرة أشعر بقربٍ حقيقيّ لكلّ الأشياء مني
هذا لأني سمعت الريح أخيراً، تصفّر بعينيْها  لعودتها الجميلة