منزل بورقيبة مدينة تونسية تقع في شمال تونس على بعد 60 كيلومترا من العاصمة، سماها المستعمر الفرنسي بمدينة الجنرال فيريو إبّان الاستقلال، بادر الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة بتغيير اسمها وربطها باسمه.. دون أن يتغير فيها شيء بحساب التنمية والنهضة، مّا اضطر أهلها منذ منتصف الخمسينيات إلى الهجرة بحثا عن أفق جديد لحياة أفضل.. حيث عرفت المدينة تحولا كبيرا؛ فبعد أن كانت تعرف في زمن المستعمر الفرنسي بباريس الصغرى لجمالها وتصميمها الهندسي وإطلالتها الاستراتيجية ونهضتها الصناعية، أصبحت تُلقب بشيكاغو الصغيرة نتيجة تنامي معدلات الجريمة التي ترافقت مع ارتفاع نسب النزوح إليها وانتشار البطالة..
ومن المدينة نفسها انطلقت الكاتبة التونسية إيناس العباسي لتنسج أحداث روايتها منزل بورقيبة، الصادرة مؤخرا عن دار الساقي للنشرو التوزيع، التي وإن ارتبطت تسميتها بهذه المدينة وبإطارها المكاني فإنّها قد تطرقت من خلالها إلى قضايا تتجاوز حدود المدينة لتشمل تونس الوطن الذي مازال يتلمس طريق النور. وهو ما أكسب الرواية رمزية كبيرة سواء على مستوى أحداثها أو شخصياتها أو جغرافيتها المكانية.
تبدأ الرواية عندما تلقت جيهان اتصالا هاتفيا من عمتها تبلغها فيه بوفاة والدها حبيب الياس في شيكاغو، لتبدأ رحلة استرجاع الذكريات وتقصي الحقائق بربط الحاضر بخيوط الماضي .و لم تفوت العباسي في ذلك، فرصة فتح نافذة توثيقية عن تونس بداية الثورة وكأنها تريد للقارئ أن يستشعر الإطار العام للأحداث الموسوم بالقلق والفوضى والتيه. فحبيب الذي هاجر منذ 30عاما مصطحبا معه شقيقه نورالدين قد مات، ليموت معه سر اختفاء شقيقه نور الدين إثر جريمة غامضة قد يكون لها علاقة بحب مزدوج.. 
ليتعرف القارئ من خلال استرجاع جيهان لذكرياتها على الابنة المحرومة من الحنان، حيث تبدأ الكاتبة في جعل المشاهد و الشخصيات تتواتر بشكل مكثف من خلال بحث تقوم من خلاله جيهان (البطلة المركزية) بالنبش في صندوق الصور القديمة و أيضا في ما ظل عالقا في ذاكرتها فتتشكل أمامها كما تتشكل لوحة الفسيفساء من قطعها الصغيرة، لتجذب بذلك تعاطف القارئ معها رغم ما تعيشه من اضطراب وتوتر.و بذلك نرى أن الكاتبة تنبه قارئها إلى تساؤل جوهري وإن بدى خفيا، من خلال تشابه بين ما تعيشه تونس فترة الثورة وما تعيشه جيهان من اضطراب وتوتر إثر إعلامها بخبر وفاة والدها وعودتها إلى مدينة منزل بورقيبة: فإلى أي مدى نحن بحاجة إلى أن ننبش في الماضي لتنجح الثورة؟ كما إلى أي مدى جيهان بحاجة إلى معرفة أسرار الماضي لتسترجع توازنها؟
وقد لا يخفى على القارئ العادي ما سعت الكاتبة إلى الإشارة إليه طوال الرواية بخصوص وضع الأطفال النفسي والإجتماعي و المادي في فترة ما بعد الطلاق. فهم يتحولون إلى ورقة ضغط بيد أحد الأبوين يمارس كل منها الضغط على الاخر  من خلالهم دون مراعاة لمشاعر الطفل واستقراره النفسي، فجيهان لم تستطع أن تحذف من ذاكرتها تجاهل والدها لها عندما كان يأتي في فصل الصيف من شيكاغو، كما لم تسطع نسيان ما كانت تقوم به زوجته صوفيا، دون أن تنسى أيضا تصرف زوج أمها معها و التوتر الذي كان يسود بينهما بسببها، بالاضافة الى اضطراب علاقة جدتها من أمها مع أبيها بسببها. هذا بالاضافة إلى علاقات الاخوة غير الأشقاء ببعضهم البعض في غياب التوافق العائلي والانسجام العاطفي.
وغير بعيد عن قضية الهجرة التي تبدو من القضايا الرئيسة التي تعالجها الكاتبة في نصها، لا يخفى على العباسي أن تسلط الضوء على علاقة الشرق والغرب إذ تبدو أوطاننا كمقبرة للتفوق في حين تظهر البلدان الغربية كتربة خصبة للحلم والنجاح و يبرز ذلك من خلال نموذج صوفيا التي فتح لها زوجها الأمريكي «روي» آفاقا جديدة لتحقق حلمها بمغازة الحلم الافريقي في أمريكا.
كما تتطرق الكاتبة إلى مكانة المرأة ودورها الرئيس في تحمل أعباء العائلة ويبرز ذلك من خلال شخصيات نسائية مختلفة كالجدةو زوجة الاب صوفيا بالاضافة إلى معالجتها لمسألة تحرر المرأةو كسرها لجميع التابوهات سواء كانت إجتماعية أو ثقافية أو حتى دينية في سعيها اللامحدود لاثبات ذاتها.
لقد ربطت ايناس العباسي بمهارة عالية مستندة على الرمزية بين غياب الاب (الحبيب) في حياة جيهانو غياب تمثال الزعيم وسط المدينةو تجاذب الناس حوله بين مؤيد لعودته ورافض في دلالة واضحة على انهيار النظام البائد وما عاشه المجتمع التونسي في بداية ثورة 14 جانفي من تذبذب بين مختلف تياراته الايديولوجية والسياسية وحتى في علاقته ببورقيبة نفسه باعتباره الاب الروحي لتونس الحديثة بعد الفترة الاستعمارية، هذه الصورة التي تمّ تغييبها إثر انقلاب 7 نوفمبر1987 ليستعيدها التونسيون بعد ثورة 14 جانفي بكثير من الشدو الجذب.
تضم منزل بورقيبة تفاصيل كثيرة فمع كل شخصية يكتشف القارئ حكاية جديدة لها أحداثها وتحولاتها وإطارها المكاني وكذلك شخصياتها..لكنها جميعها تعود بالقارئ عند جيهان بحكم أنها الشخصية المحورية في الرواية، فهي التي استدعت ذاكرتهاو بدأت تقلب في الوثائق كما في ماضيها بحثا عن لغز  اختفاء عمها نور الدينو هل لوالدها علاقة مباشرة بذلك. لكن جيهان تباغت القارئ بعكس ما كان يتوقع، بقرارها الخروج من كل هذه الأجواء لتعود للعاصمة إلى حياتها الخاصة منفصلة عن كل ماضيها، منسحبة من المواجهة مع زوجة أبيها صوفيا بخصوص نصيبها من الارثو الوصية التي تركها الأب، لكن السؤال يظل مطروحا إلى أي مدى يمكن للإنسان أن يتخلص من تأثيرات ماضيه سواء كان ذلك في وعيه أم في لاوعيه؟

العباسي: لن أقول إننّي متخصصة في الأدب البوليسي إلا إذا كتبت روايتي الثالثة
وردًّا عن سؤال يتعلق بمدى اشتراك روايتيها «اشكل» و»منزل بورقيبة» في الاطار المكاني نفسه وهو مدينة منزل بورقيبة، قالت إيناس العباسي: «لاسم المدينة رمزية كبيرة،و هي في حدِّ ذاتها تمثل إغراءً كبيرا لي بأن أعيد بنائها روائيا، هناك تقارب ووصف للمكان  في روايتيَّ إشكل ومنزل بورقيبة وهذه نقطة مشتركة بينهما، واختياري لها ليس فقط لاني ابنة المدينة. فأنا ككاتبة مازلت أرى أن مدننا التونسية مازلت تمثل مصدر إلهام كبير للروائي لو عرفنا كيف نقاربها ونتحدث عنها. كما أن وصف المدينة في روايتي الثانية (منزل بورقيبة) يبدو وكأنه استدراك لوصفي لها في اشكلو التي أحسست أني كتبتها مستعجلة وكان بالإمكان أن تكون أطول ويأخذ وصف المدينة مساحة أكبر.
وعن مدى ارتباطها بالرواية البوليسية في الكتابة، قالت العباسي: لا أستطيع أن أقول إني تخصصت في الادب البوليسي لكن الشي الطريف أني في بداية الروايتين كنت متحمسة لكتابة رواية حب رائعة لكن الأمرينتهي دوما بوجود جريمة أو جثة، ربما لأننا كبشر نحب الغموضو البحث عن الأسرار لذلك لا استطيع القول إنّني متخصصة في الادب البوليسي إلا لما أكتب روايتي الثالثة. 
وعن رمزية انسحاب جيهان من المواجهة مع زوجة أبيها، قالت صاحبة منزل بورقيبة: لم يكن انسحاب جيهان واستسلامها من باب التشاؤم بقدر ما هو رفض للارث لانه إذا قبلت المواجهة كماهي على أرض الواقع فإنّ ذلك سيمتد على وقت طويل لأننا نعرف أنّ هذه القضايا تأخذا وقتا طويلا. وبالتالي تفقد متعتها الروائية. لكن جيهان أرادت أن تقول لابيها أنا لست بحاجة لمالكو لا لإرثك بعد أن تخليت عنيو دمرت حياتي. لم أشء ربطها بالثورة بقدر رمزيتها كفتاة تشعر بالاستقلالية ومواصلة بناء حياتها. كما وردت الإشارة الى مسألة الإرث فالأب لم يكن عادلا  أيضا عندما حرم زوجته ابنته دلال.