ضمن هذا السياق صدر للقاصة تغريد أبو شاور عن وزارة الثقافة الأردنية وضمن سلسلة إبداعات شبابية، مجموعتها القصصية الثالثة والتي وسمتها بـ»كُحل»، تقع في 196 صفحة من القطع المتوسط.
وقد أهدت مجموعتها بذكاء تام «لكل العيون الصغيرة» وأتبعت هذا الإهداء بمقدمة قصيرة بمثابة مفاتيح للولوج إلى مضامين قصص المجموعة، تقول المقدمة: «نساء على عتبة الصبح، يقسمن للشمس بأنهن جميلات مثلها، صافيات مثل الغيم، يقسمن لبائع الكعك أن أصواتهن طيبة مثل السمسم، ولبائع الجرائد أن سيرتهن عطرة، ولشاعر شرقي بأنهن قافية موزونة، ولا أحد عند الصبح يصدق النساء!».
واشتملت المجموعة على عدد من القصص الطويلة والقصيرة على عكس المجموعتين السابقتين «نمش»، و»خرز»، من هذه القصص:»حسنا، سارة، سميرة، الهندية، لطيفة، فريدة، عجائز، بسمة، جميلة، وجدان، كريمة، ميسر، صوفي، ميرفت، سعاد، غزلان، بهيجة، ريتا، رنا، ليلى، غالية، حياة، كحل، سراي، والخاتمة»، الملاحظ أن معظم عناوين القصص تحمل أسماء نساء وهذا لافت للنظر، بمعنى أن القصص تشتبك مع خصوصية المرأة وتقف على منعطفات كثيرة في حياة هؤلاء النساء بأدق التفاصيل وكذلك شؤونهن، حيث نجد القاصة أبو شاور تلتقط بأم عينها تلك المشاهدات من الشارع والحياة العامة مثل «الكندرجي»، والبائعة وكذلك مماحكات النساء لبعضهن ونصب المكائد، وهناك قصة «ريتا» المرأة المتمردة، التي تعد أنموذجا للمرأة المنافحة والمحبة حيث تقول»في البداية كنت أقرأ الثورة والمدينة، والحياة، بنكهة السكر والفلفل والدخان».
وتجلعنا القاصة نسير بحذر على حبال قصّها المتماسكة ضمن رؤية سردية لا فكاك منها؛ لأنها ذات نفس طويل وبناء شعري لا يخلو في النبش الشفاف والواقعي في حياة تلك النساء، نبش على درجة عالية من التشريح غير المبرر الذي جعل القاصة بفلسفتها ولغتها الطازجة أن تسلط الضوء على العديد من النماذج النسائية، فنجد عينها الثالثة التي التقطت كل هذه الحالات بحذر تام، هذه العين التي تمتلكها أبو شاور جعلتها أكثر التزاما بقضايا المرأة لتشكل منها مجموعة من الصور المخفية تضعها بين يدي القارئ..
مجموعة «كحل»، تعتبر علامة بارزة في مسيرة تغريد أبو شاور واضافة نوعية للمشهد القصصي العربي، وهذا يتجلّى من خلال منتجها الإبداعي لمجموعتيها السابقتين «نمش»، و»خزر»، والمتتبع لهذا المنتج القصصي يجد القاصة بأنها تعمل جاهدة على حبك قصصها بطريقة أكثر عفوية وليست بطابع مصطنع وهذا ما تحيله للقارئ ليأخذ دوره بالتلقي والتحليل ومشاركتها بالنص، وأيضا في نصوص أبو شاور القصصية ما هو أبعد من المحكي والقصّ فهي تعمل بذائقتها الفنية والتقنية على تطوير شخصياتها، وهذه الشخصيات ملتقطة من أماكن ومدن مختلفة ضمن مخيلة وتخييل خصب، وكما نرى في نصوصها القصصية نساء متمردات كما قلت متمردات في حياتهن ودواخلهن يجربن الحياة ويرفضن جدولة النهر ويرغبن بتيارات الضد، والملاحظ أيضا في المجموعة والمجموعتين السابقتين أن أبو شاور رافضة في جُل ما كتبت من مضامين قصصها، رافضة للسلطة بكافة أشكالها ورافضة لمعنى العادات والتقاليد والرقابة بكافة، تاركة باب التأويل على مصراعيه، وهذا ما نشاهده ونلمسه من خلال بطلة مجموعتها «كحل»، حين تقول:» لذا قررت أن أظل كحلا في مجتمع مروده مكسور»، وتبقى «كحل»، وقصصها الأكثر جرأة في طرح قضايا مسكوت عنها في حياة تلك النساء المتمردات.