|
|
||||
هيئة إدارة تحرير مجلة عاشقة الصحراء التي تعنى بقضايا المرأة العربية والأدب والفن | ||||
معيار القراءة والتقبل في «عرج خفيف» للقاصة ليندا عبيد
عاشقة
الصحراء :
أُسَيْد الحوتَري (عرج خفيف) كتاب صادر عن وزارة الثقافة الأردنية عام (2022)، للدكتورة ليندا عبيد. يضم الكتاب بين دفتيه مجموعة من النصوص الأدبية المنوعة: قصص قصيرة، ورسائل، وقصص قصيرة جدا، وهي الفن الكتابي الذي سأسلط الضوء على معيار القراءة والتقبل فيه متطرقا إلى مقاييس هذا المعيار. من المعلوم لكل مختص أن للقصة القصيرة جدا مجموعة من المعايير تمنح القصة القصيرة جدا هويتها وتميّزها عن باقي الأجناس الأدبية. وهذه المعايير هي: المعيار الطبوغرافي، والسردي، القراءة والتقبل، التركيبي، وأخيرا المعيار المعماري. في (عرج خفيف) تألق معيار القراءة والتقبل في نصوص القصص القصيرة جدا بشكل بهي وماتع، إذ ظهرت في هذه القصص كل مقاييس وسمات هذا المعيار: مقياس الاشتباك، ومقياس المفاجأة، ومقياس الإدهاش. تجلى مقياس الاشتباك باعتماد القاصة التلغيز في كثير من القصص القصيرة جدا. فقدّمتْ نصوصا ملغّزة تثير زوبعة من الأسئلة في ذهن المتلقي وفي مخيلته. ينتهي نص القصة القصيرة جدا وتبقى هذه الأسئلة تسبح وتدور في فلك المتلقي تبحث عن إجابات ممكنة. تقدم قصة (نمل) مثالا جيدا للنص الملغز لطرحها أسئلة كثيرة في ذهن القارئ: «ما أكثر هذا النمل! صغير كرأس إبرة، متوسط وكبير، أحمر وأسود، يتسلق دولاب السيارة، يصل إلى النافذة ويتسلقني من إصبع رجلي الكبير الذي يتذمر قليلا، ثم ينضم إلى باقي الأصابع الراضخة وصولا إلى أذنيَّ وعينيّ. يخفت الضوء شيئا فشيئا تلتصق هذه الكائنات الغريبة بي بغير تناسق فأصير مسخا مفلطحا بغير روح»(عبيد 79). تطرح هذه القصة القصيرة جدا ثيمة كابوسية كافكوية، فالنمل هنا يذكرنا بالحشرة الكبيرة التي تحول إليها (غريغور سامسا) الشخصية الرئيسة في رواية (التحول) أو (المسخ) للكاتب التشيكي (فرانتس كافكا). فالنمل من الحشرات و(سامسا) تحول إلى حشرة. كما أن النمل في قصة (النمل) يصل إلى الراوي ويغطي جسمه بالكامل من أخمص قدمه حتى أذنيه فيصير «مسخا مفلطحا» كالمسخ الذي أصبحه (سامسا). إن هذا الطرح الذكي لهذه الثيمة الكابوسية الكافكوية جعل النص يشتبك مباشرة وبكل قوة مع القارئ، فأي كابوس عبارة عن حلم سوداوي ومرعب، وما الحلم إلا مجموعة من الرموز التي تحتاج إلى تفسير وتأويل. إن قصة (نمل) هي أيضا كابوس يطرح كثيرا من الأسئلة منها: ما الذي يمثله هذا النمل؟ ومن أين أتى؟ وماذا يريد؟ هل لحجم النمل ولونه مدلول معين؟ لماذا يدور المشهد في السيارة؟ لماذا يلتف النمل على عجلة السيارة أولا، ولماذا لم يدخل من الشباك فورا؟ لماذا لم يهرب الراوي عندما رأى النمل؟ لماذا لم يغلق الراوي شباك السيارة؟ لماذا لم يهاجم الراوي النمل؟ لماذا يهاجم النمل البشر؟ وتستمر الأسئلة بطرح نفسها. إن توظيف الكابوسية الكافكوية في هذا النص جعله يشتبك مع القارئ، مقياس الاشتباك، عبر طرح مجموعة من الأسئلة لم يجب عنها النص، ولكنه وبكل تأكيد أثارها في ذهن ومخيلة القارئ. المقياس الثاني من معيار القراءة والتقبل هو: مقياس المفاجأة. وتحدث المفاجأة دائما عند حدوث غير المتوقع. لقد وظفت القاصة الثيم الغرائبية في قصصها القصيرة جدا مما جعل مقياس المفاجأة يتكرر بشكل واضح. إن قصة (رخاوة) مثال جيد على تجلي مقياس المفاجأة. «ثمة امرأة تتطمى على سريرها برخاوة وكسل بكامل وحدتها. الرجل الذي عاد متأخرا بعد أن قضى سهرة مع رفاقه ليلة أمس ينظر إليها متهالكة على السرير فيلمها ويزرعها في إصيص الورد على الشرفة لتزهر» (75). بدأت القصة بشكل مألوف حين تحدّثتْ عن امرأة وحيدة على سرير، ثم يأتي زوجها متأخرا فيراها مسترخية وذابلة، ثم تقع المفاجأة عندما يحملها زوجها ليزرعها في أصيص ورد على الشرفة لتزهر! كم رجل في العالم زرع زوجته في أصيص ورد على الشرفة لتزهر؟! بالتأكيد لا أحد. وهنا تكمن المفاجأة، فقد حدث ما لم يكن في الحسبان أبدا. بالطبع النص هنا يجب أن يحمل على محمل الحقيقة الغرائبية لا المجاز. أما المقياس الثالث والأخير من مقاييس القراءة والتقبل فهو: الإدهاش. ينتج الإدهاش عن أمور عدة أهمها الحذف الإضمار والغموض وترك البياضات الفارغة للقارئ حتى يملؤها، وقلب الموضوعات المألوفة رأسا على عقب. القصة القصيرة جدا (سندريلا) مثال على مقياس الدهشة لما فيها من حذف وقلب لما هو مألوف. «الساعة الثانية عشرة ليلا. سندريلا تعبر الدرج بسرعة، الأمير العاقل لا وقت لديه ليتشبث بالبحث والانتظار، يقف على الدرج ويرقب ظلها العابر، يمسك فردة الحذاء الذهبية، ويضعها تذكارا في الخزانة»(83). إن قصة سندريلا الفرنسية معروفة لدى الجميع، ولكن (سندريلا ليندا عبيد) فيها من الدهشة الكثير، وذلك بسبب الحذف الظاهر للعيان، فقد حُذفت كل قصة سندريلا الفرنسية، ولم يبق منها إلا سطرين، كما وقلبت القاصة النهاية المعروفة لقصة سندريلا الفرنسية رأسا على عقب عندما وضع الأمير فردة حذاء سندريلا كتذكار في خزانة، ولم يكلف أحدا بالبحث عنها للزواج منها؛ والله وحده أعلم كم فردة حذاء في خزانة هذا الأمير الذي يبدو بأنه هجر الزواج وانشغل بما هو أهم. وهنا تجدر الإشارة إلى أن القاصة وظفت حكايات الجنيات (fairy tales) بشكل ملحوظ في قصصها القصيرة جدا، وهذا ما عزز مقياس الدهشة فيها. وتظهر حكايات الجنيات مرة أخرى في قصة (هدايا) في الصفحة (102). هكذا جعلت القاصة قصصها القصيرة جدا تشتبك مع القارئ عبر تبني ثيمات كابوسية كافكوية، وفاجأت القارئ من خلال ثيمات غرائبية، كما وأدهشته بنصوص تحاكي قصص الجنيات. وكل ما ذكر من اشتباك، ومفاجأة، وإدهاش تمثل المقاييس الثلاثة لمعيار القراءة والتقبل الخاص بالقصة القصيرة جدا. ويذكر أن الدكتورة ليندا عبيد قاصة وشاعرة وناقدة، تحمل دكتوراه في الأدب والنقد الحديث، وهي أستاذ مساعد في الأدب والنقد الحديث في جامعة اليرموك، وعضو رابطة الكتاب الأردنيين؛ ومن كتبها في النقد الأدبي: «تمثيلات الأب في الرواية النسوية العربية المعاصرة»، و»بهاء طاهر الرؤية والتسريد». أما مجموعاتها القصصية فهي: «رقصة الشتاء الأولى»، ما تبقى من الياسمين»، «عرج خفيف». كما ولها الكثير من الدراسات والأبحاث والمقالات النقدية والأدبية. جريدة الدستور الاردنية
الكاتب:
سكرتيرة التحرير مريم حمدان بتاريخ: السبت 19-08-2023 09:31 مساء الزوار: 256
التعليقات: 0
|
العناوين المشابهة |
الموضوع | القسم | الكاتب | الردود | اخر مشاركة |
«الماتريوشكا» للقاصة سوار الصبيحي.. قصص ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الخميس 19-05-2022 |
الروائيتان الأردنيتان خريس والجندي ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | السبت 20-10-2018 |
خريس توقع روايتها «فستق عبيد» في معرض ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | السبت 29-09-2018 |
«كُحل» للقاصة تغريد أبو شاور.. احتفاء ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 29-06-2018 |
البحث عن الحبّ في مجموعة"الهروب إلى ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الثلاثاء 12-06-2018 |
دلالة المفارقة في قصة المنجل للقاصة ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | السبت 07-04-2018 |
إطلاق رواية «فستق عبيد» لسميحة خريس في ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الإثنين 18-12-2017 |
نصراوين توقع "لأنها الدنيا" ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الإثنين 06-11-2017 |
تحولات السرد القصصي في «طواف» للقاصة ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 08-09-2017 |
قراءة في «فلسفة البياض» للقاصة ناريمان ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 11-08-2017 |
تنازلات» مجموعة قصصية جديدة للقاصة سمر ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | السبت 08-07-2017 |
سميحة خريس توقع روايتها "فستق ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الإثنين 22-05-2017 |
قصة بقلم علي العبيدي | القصة والرواية | ابتسام حياصات | 0 | الخميس 11-07-2013 |
حالة حب متقدمة...بسمة البوعبيدي | القصة والرواية | ابتسام حياصات | 0 | الثلاثاء 09-07-2013 |