قريتي ..

الشمسُ تَطَلعُ من قريتي وتنشرُ خيوطها على الكونِ عشقاً..النجومُ تساهرُ قريتي وتخبرُ العالمَ بحكاياتها المعتقةِ الممتلئةِ بالاصالة .. اما القمرُ فيغازلُ قريتي ليكتبَ اشعاراً في سحرها ومفاتنها ويوزعُ دواوينهُ على العشاقِ ليزدادوا عشقاً وولهاً..اما غيومُ قريتي فهى سخيةٌ رخيةٌ تشبعُ قريتي دلالاً وتروي سهولها وهضابها رضاً لتزدادَ جمالاً وخصوبة..وعندما يأتي الثلج يكللها كعروسٍ فاتنةٍ تخفي الجمالَ لفصلِ ربيعٍ خلابٍ يلقحها لفصلِ صيفٍ تطرحُ فيه حملها وتنجبُ فيه طفلها المرسلُ ايةً للعالمين. يخبرُ الكونَ بأن هناك ربًا خلاقًا بديعًا يكونُ حيثُ تكونُ البركةُ والسلام. خلقتُ عليكِ  وكبرتُ في رحمكِ وساعود الى تربتكِ لأنبتَ شجرةً طيبةً اصلها ثابتٌ وفرعها في السماء..

عندما اقفُ ببابِ بيتنا القديم، ارى عجلةَ الزمنِ وهى تلفُ بكِ وتطوي الكثيرَ الكثيرَ من جمالكِ لتحلَ محلةُ مستجداتُ ومستحدثاتُ الانسانِ الزائفة ..عماراتٌ متراصةٌ خُنقت الناسَ في داخلها وشوارعٌ سوداءُ اقتحمتِ الأرضَ الخضراءَ واقصت المُزارعَ  ليبتاعَ  كيسَ الطحينِ بالكيلوغرام، ويأكلُ الخبزَ المخبوزِ من عندِ الفرانِ ويتابعُ اسعارَ الخبزِ من الصحفِ والهاتف..كم تحزنني قريتي التي خلعت البركةَ لتلبسَ الموضةَ وسحقت الطبيعةَ لتخلقَ ما يناسبها من طريقة، وتاهت بلا عنوان ..

في قريتي بيوتٌ كثيرةٌ اكادٌ ارها جميعها وانا واقفةً امامَ بيتنا العتيقِ المطلِ على القرية. ذاك يتكونُ من حجرٍ ابيضٍ "سطح معان"، واخرٌ من الاسمنتِ المدهونِ بالالونِ وغيرهُ المرصعُ بالرخام.  يا لِفخامة العِمران!..ها انا ارى ابا سليمان يخرجُ من بيتهِ متجهاً نحو الدكان، يريدُ ان يشتريَ بعضَ الاغراضِ التي اوصتهُ بها امُ سليمان، ولكن ما هذا انه يكلمُ نفسةُ كالمصابِ بالهذيان، يا تري ما الذي يقولهُ في نفسةِ وهو يمشي اهوَ يحسبُ راتبة وعددَ ما تبقى من ايام، ام يتذكرُ بأنه لم يَسُدّ دينَه عند صاحب الدكان ام يوبخَ الحكومةَ على ما سمعه في الاخبار عن رفع الضرائب والمحروقات وما خلفة الطوفان. اقتربَ مني اكثرُ فاكثر وحسبته سيلقي عليَّ السلام ولكنني سمعتةُ يقولُ نعم حبيبتي سارسلُ لكِ على الماسنجرِ كلَ ما كتبتهُ من احلام  . 

الدستور الاردنية