|
|
||||
هيئة إدارة تحرير مجلة عاشقة الصحراء التي تعنى بقضايا المرأة العربية والأدب والفن | ||||
دهشة التركيب في «أنثى الكريستال» للشاعرة هناء البواب
عاشقة
الصحراء :
عبدالرحيم جداية أنثى الكريستال هناء البواب شخصية لا تستطيع إلا أن تحترمها مهما اختلفت الأمزجة؛ فهي أنثى الكريستال وأنثى الشعر وأنثى الدهشة فهي حاضرة أينما كانت ودهشة التركيب في أنثى الكريستال تأتي من خصائصه التي هي خصائص الشاعرة في ديوانها أنثى الكريستال حيث تكمن دهشة التركيب في أنثى الكريستال بالمعرفة العميقة. فالكريستال نوع من أنواع الزجاج المعروف باسم زجاج الصودا والرصاص، وهناء شفافة كالزجاج، ترى من خلالها لشدة وضوحها، قابلة للكسر ولكن يصعب أن ترمم العلاقة إذا إنكسرت، لا تتشظى بل يولد من كل كسرة زجاج أنثى بصورة هناء فالكريستال صلب متجانس كما صلابة هناء وتجانسها، ولا يمكن لها إلا أن تكون كريستالا طبيعياً مثل الألماس، والياقوت، والكوارتز. يحتوي الكريستال على بنيّة بلوريّة دوريّة ثلاثيّة الأبعاد، وهذا ما تجسده أنثى الكريستال في أبعادها الإقليدية والنفسية في بعدها الرابع فأنثى الكريستال تمثل بعد الجمال والروح فهي فينوس اليونان وأفروديت الرومان وبلقيس سبأ وهي أيضا نفرتيتي وكليوبترا وهي زنوبيا وشجرة الدر وهي الخنساء وليلى الأخيلية ونازك الملائكة وفدوى طوقان، وهي ما عبر عنه نزار قباني في قصيدته (من مفكرة عاشق دمشقي) بحبه لدمشق بقوله: «أنت النساء جميعا ما من امرأة.. أحببت بعدك إلا خلتها كذبا» وأنثى الكريستال ما عبر عنه أحمد شوقي في قصيدته غربة وحنيني عندما قال: «وطني لو شغلت بالخلد عنه.. نازعتني إليه بالخلد نفسي» فأنثى الكريستال ليست مجرد جسد ونفس وروح عاشقة فهي الوطن الذي تؤول إليه القلوب كلما أخذت لون الوطن وعكست أشعتها في روح القصيدة لتنبت المزيد من التراكيب المدهشة. ومن دهشة تركيب أنثى الكريستال أن كثيراً من الناس عندما يصنع لنفسه تمثالاً يصنعه من جنس مادته وطبيعته، فمنهم من يصنع تمثالاً خشبياً أو طينياً أو حجرياً سواء أكان من الصخر أم من الجرانيت أما هناء فقد نحتت تمثالها من الكريستال لأنه يمثل شخصيتها في المظهر وفي وتصوراتها الذهنية لجوهرها. فالشخصية الكريستالية ترى نفسها، بأنها علاج للعقل، والأمراض النفسيّة، والعلل الجسديّة عند وضعه على موقع الألم، وتقدم نفسها كتعويذة واقية من السحر. والشخصية الكريستالية تشعر الآخرين بأنها كحجر عين النمر تحفز المشاعر الإيجابيّة، وتقي من الأفكار السلبيّة، وترفع المعنويات بمجرد النظر إليها. قولها: «يمينها شمس موسى كلما صعدت»: هذا السطر الشعري الذي جاءت به بدهشة تركيب عميق المعرفة ارتبطت كما روى البخاري بغزوة أحد الأنبياء لقرية ويرجح أن يكون يوشع بن نون فلما دنا من القرية اقتربت صلاة العصر فقال للشمس: «إني مأمور وإنك مأمورة» فحبست الشمس حتى صلى العصر وهذا ما رواه أبو هريرة فهل هناك رواية أخرى بأن موسى من حبست له الشمس لتأتينا بدهشة التركيب في قصيدتها أنثى الكريستال في عمق المعرفة واستحضارها وإعادة إنتاجها شعرا: وقد يكون هناك بعدا معرفيا مدهشا في التركيب لم يصل له الباحث ولكن من أكثر مواطن الدهشة في القرآن هي إجابات الخضر على أسئلة موسى عليه السلام: « يسأله لماذا خرقت السفينة فيجيب أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر ..وهذا صنع عند المستمع اكبر دهشة ..كيف يخرق سفينة لمساكين ويعملون في البحر وينسحب هذا على الغلام الذي قتله وأجاب ..أما الغلام فكان أبواه مؤمنين .. وكذلك الدهشة عند سؤاله عن الجدار الذي أقامه الخضر» فالدهشة ليست مجرد تعبير عاطفي يظهر على الوجه بل هو سؤال مضمر في العقل لا تحركه إلا إجابة مدهشة. وقولها في ختام قصيدة أنثى الكريستال: «عشقان بي/ أول المعنى علانية/ به ألوذ، وبالتأويل أنفردُ/ عشقان بي/ فاقرؤوا عني كتاب دمي/ فالأبجدية فيّ الآن تتحدُ»: تمتاز خاتمة قصيدتها أنثى الكريستال بعمق الدهشة في مجملها التي تحوي تراكيب مدهشة أهمها: بالتأويل أنفرد: مما يأخذنا في دهشة التفسير والتأويل وهما طريقان للوصول إلى المعنى وأرقاهما لنجد في قوله تعالى: «عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى» وهذا ما نجده في كتب التفاسير والتي تجمع بمجملها على قصة عبدالله ابن أم مكتوم عندما جاء رسول الله محمد وعنده نفر من كفار قريش يهديهم إلى الإسلام فأشاح الرسول الكريم بوجهه عن الأعمى فعاتبه الله بهذه الآيات. وقولها: «وبالتأويل أنفرد» يعيدنا إلى مواقع معرفية عميقة بالتأويل في سورة يوسف بقوله تعالى: «وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث» وقول يوسف عليه السلام في محكم التنزيل «قال لا يأيتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكم بتأويله قبل أن يأتيكما ذلك مما علمني ربي» وتأخذنا دهشة التركيب إلى: ابن سيرين في التأويل الذي ورد عنه في كتاب (الرؤى والمنام في تفسير الأحلام) الذي حرره أمل عريان فؤاد أنه جاءه رجل وقال: «رأيت أنني أؤذن» قال له ابن سيرين: «ستحج إلى بيت الله الحرام»، فجاء رجل آخر وقال له: «رأيت أنني أؤذن» فقال له ابن سيرين: «سيقبض عليك بتهمة السرقة» فسئل ابن سيرين عن اختلاف التفسير مع العلم أن الرؤيتين واحدة فقال: «الأول وجدته من أهل الصلاح فطبقت عليه قوله تعالى: «وأذن بالناس بالحج»، أما الثاني فوجدت عليه سيما الشر فطبقت عليه قوله تعالى: «أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون.» لنبقى وقوفا على حدود السؤال عند قول هناء البواب: «وبالتأويل أنفرد» لنصل إلى دهشة التركيب نعيد السؤال هل ملكت من التأويل ما يفوق ابن سيرين، أم أن لها رؤاه الكامنة وتأويلها ولكن اكتفت به لنفسها أم أن دهشة شعرها في تراكيبها عرفت أنها وصلت مرحلة التأمل فتركت تأويله لأهل العلم. فاقرؤوا عني كتاب دمي: هل تكمن الدهشة في التركيب اللغوي أم تكمن في معرفة المتلقي ليشعر بالدهشة ويعيشها؟ فالتركيب الشعري حامل للدهشة ولكن المعرفة العميقة هي التي تحدد قيمة الدهشة في النص الشعري. طلبت الشاعرة أن نقرأ كتاب دمها، وهذا يحيلنا إلى الحلاج الذي قال: «هذه صلاة يتوضأ لها بالدم» وتحيلنا أيضا قراءة كتاب الدم إلى عذابات المسيح كما تحيلنا إلى الدماء التي بذلتها الشعوب في الدفاع عن أوطانها منذ دم قابيل إلى آخرة قطرة دم تنزف في الوجود. فكتاب الدم كتاب مفتوح عند هناء البواب في أنثاها الكريستالية، وقد يعيدنا كتاب الدم إلى الكتاب وهو القرآن الكريم: «كتاب أحكمت آياتها» فهل أحكمت آيات كتاب الدم الذي يحيلنا إلى الكتب السماوية ويحيلنا إلى كتاب الموتى عند الفراعنة وربما يحيلنا إلى كتاب الحصار عند أدونيس وكتاب الموت عند محمد مقدادي وكتاب الأشياء والصمت عند عبدالرحيم مراشدة، فمنذ أن فتح كتاب الدم لم تتوقف القراءة فيه وهي دهشة بشرية ربما فقدت في قراءة الدم الإنسانية وتحول العالم من مكلفين في إعمار الأرض إلى وحوش ضارية. ربما اعتقد أن الدراسة في دهشة التراكيب سوف تتمحور حول تراكيب جميلة لكن عمقها المعرفي مباشر ومكشوف كما ورد في مواقع عدة على مساحة ديون أنثى الكريستال حيث وردت تراكيب مهمة وجميلة مثل: نماذج البنى في تراكيب الديوان: 1- بنى سطحية: قصيدة كفاك صفحة (9): «ويقول اذ يصطادها لرصاصة.... تغتالها إن السنابل مذنبة» قصيدة عيناك معبد صفحة (12): «حين يغدو العشق في عينيك غابة/ يقتل العاشق فيها بالحراب/ امتطي ظهر سحابة « قصيدة أنثى الكريستال صفحة (14): «يقول من يحرس الأوتار سيدة.... من كعبها فكرة الأوتار تتئد « قصيدة التوليب صفحة (19): «أنا امرأة بذرت الحلم في أرض خريفية... ستنبت دمعتي أفراح أزهار ربيعية « امرأة الزهر صفحة (21): «الشعر الليلي الحالك/ يتطاير عبر رذاذ الماء الأزرق» 2- بنى عميقة: قصيدة أنثى الكريستال صفحة (15) « لن يدرك الله إلا من به اعتقدوا» صفحة (16 ) «تلوح الذات لكن الغياب يد» روح متمردة صفحة (29) «نفسي لا تصبح نفسي ....حتى تتبد نورا في الارجاء» روح متمردة صفحة (32) «ونهيم مثل فراش يبحث عن مجهول»/( كالفراش المبثووث)/ سورة القارعة «فالموت يرابط في جسدي» / (اني اشم رائحة الموت في ثيابك) / فيلم معتقل ليندسي صفحة 34 «فمن يقدر ان يفصل هذا عن ذاك» ظلال الحب صفحة 35 «نقص على طول هذا الدرب/ كنت له ظلا../ وحين بذلت المهجة اكتملا «. بنية التركيب: تعد البنية العميقة للتركيب مصدر الدهشة في التركيب عند مقارنتها بالبنية السطحية للتركيب وهذا ما اهتمت به الدراسات بمعرفة المسافة بين البنية السطحية والعميقة في البناء المعرفي وأثرها العميق في طول موجة الدهشة ومستوياتها باختلاف المستوى المعرفي والتي قامت عليها الدراسة بعد هذا العرض لنماذج التراكيب المدهشة في الثقافة العالمية والعربية والدينية أترك لكم المساحة لدرس وتفسير وتأويل البنية النصية العميقة وتتبع بعض التراكيب المدهشة وتحليل المرجعية للدهشة والتي تتمثل بثقافة الناص والمتلقي مما يخلق مستويات عدة من الدهشة حسب خبرة المتلقي وقدرته على المساهمة في فتح طريق حتى نتعرف إلى نصوصنا الأدبية ونسبر أغوار التراكيب ضمن النظام اللغوي محاولة منا للتعرف على رؤيتنا الجمالية والذوقية الإبداعية في أعلى تجلياتها
المصدر: الدستور الاردنية الكاتب:
سكرتيرة التحرير مريم حمدان بتاريخ: السبت 20-06-2020 10:39 مساء الزوار: 632
التعليقات: 0
|
العناوين المشابهة |
الموضوع | القسم | الكاتب | الردود | اخر مشاركة |
" أنشودة أخرى للوطن " للشاعرة ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | السبت 02-11-2024 |
«إيقاع بوح» للشاعرة د. سكينة مطارنة | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الثلاثاء 09-04-2024 |
وقفة نقدية مع ديوان «أنا فوق أرصفة جسدي» ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 22-12-2023 |
دراسة التحليلية لقصيدة أمي للشاعرة ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الثلاثاء 16-05-2023 |
«مداي ألف دهشة» جماليات السرد والحكاية ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الثلاثاء 14-06-2022 |
«قضايا أدبية» لهناء خليل.. سجالات مثيرة ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | السبت 27-11-2021 |
«سكرة وجع» للشاعرة نـور الـهــدى أبـو ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأربعاء 10-11-2021 |
ألوان الفرح والوطن في قصائد للشاعرة رفعة ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 20-08-2021 |
الثنائيات الضدية بين وله العشق وحواجز ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 11-06-2021 |
«طحين ألماس» ديوان جديد لهناء البواب.. ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الثلاثاء 16-03-2021 |
دراسة نقدية للناقد حيدر الأديب في نص ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأحد 07-06-2020 |
شهوات سرّيّة قراءة في مجموعة "جنين ... | النقد والتحليل الادبي | إدارة النشر والتحرير | 0 | الثلاثاء 26-05-2020 |
قراءة في ديوان (نار حطبها ثلج) للشاعرة ... | النقد والتحليل الادبي | اسرة التحرير | 0 | الخميس 14-05-2020 |
قراءة سيمائية في نص "محض خيال" ... | النقد والتحليل الادبي | إدارة النشر والتحرير | 0 | الجمعة 01-05-2020 |
قراءة في قصيدة "هنيال الكصب" ... | النقد والتحليل الادبي | إدارة النشر والتحرير | 0 | السبت 14-03-2020 |