|
|
||||
هيئة إدارة تحرير مجلة عاشقة الصحراء التي تعنى بقضايا المرأة العربية والأدب والفن | ||||
بقلم الروائية والقاصة عتيقة كلفاع قصة بعنوان ( حكاية هاينة والغول )
عاشقة
الصحراء :
هكذا كانت حياتنا تمضي يا بني... نغالب عذابات الدنيا بالصبر والحكايات، ففي كل خيمة حيث يسكن الأبناء مع الآباء والأجداد ضمن عائلة ممتدة كبيرة تتقاسم الخير والشر، وتحمد ربها على القليل مما رزقها، يبكي الأطفال من الجوع فيلتجئون للجدة طالبين ما يشبع بطونهم، فتحتضنهم و تطلق في وجوههم أمثالها الحكيمة، فجعبة الجدة مليئة بالأمثال، "الجوع كافر وقاتله مسلم" عليكم أن تصبروا يا أحبتي حتى تبزغ شمس الصباح، و سنبحث لكم عن طعام. ثم تبدأ بسرد حكايتها الليلية: " كان يا ما كان في قديم الزمان كان الأعمى يخيط الكتان ويقول ما هذا بصر ولا كان وكان الأعرج ينقز(يقفز) الحيطان ويقول ما هذه صحة وما كانت، وكان الحمار يأكل الرغيف الرطب ويقول ما هذه عيشة ولا كانت .كانت هاينة فتاة جميلة عشقها الكبير والصغير ولم ترض حتى بالأمير. خطبها ابن عمها وقررت انتظاره حتى عودته من السفر. وفي إحدى الأيام رافقت قريناتها للغابة لجلب الحطب. وقد وجدت كل فتاة شيئا أحبته وخبأته في ملابسها. منهن من عثرت على مشط أو مرآة..أو إبرة... وغيرهن وجدن حاجات أخرى... أما هاينة فقد عثرت على وتد كبير فقررت أخذه معها للبيت، لكن كلما حملته وجدته يثقل عليها أكثر فأكثر، فلا تستطيع وضعه على كتفها ولا تقدر على تركه والتخلص منه. كررت محاولاتها عدة مرات حتى حل الليل بسواده وخوفه ... ووجدت نفسها بمفردها... عندها ظهر الغول أمامها، حدق إليها بعينين لونهما كجمر تخرج منه الشرارة، رغم أنه حاول أن يكون آدميا معها. قال لها: عندما تبدأ أمك بتمليح السمن، سآتي لاصطحابك معي. نطق الغول بهذه الكلمات البسيطة ثم ذهب في حال سبيله دون أن يلتفت إليها، فسالت دموعها على خديها وبكت تندب حظها التعيس الذي رماها في طريق الغول. عندما وصلت هاينة المسكينة بيت أهلها أخبرت والدتها بالحدث. فارتعبت كل الأسرة وحزنت قبل حلول الفاجعة ولكن ما حيلتها ؟ فمن يقدر على عصيان الغول ؟ ومن يقدر على الإفلات من سطوته وجبروته.؟ ظلت العائلة بين اليأس والرجاء إلى أن حل اليوم الموعود. وجاء الغول فطرق الباب طرقات عنيفة ارتج لها البيت التعيس من الرعب وزلزل زلزاله. خرجت الخادمة لملاقاة الغول فقال لها: - اطلبي من هاينة أن تحضر لي نارا. أجابت الخادمة: إنها مشغولة فهل تحضرها لك عمتها؟ قال الغول : - يعميها أريدها هي؛ يعني فلتفقد العمة بصرها. قالت الخادمة: تحضرها لك الجدة؟ - (يجديها) - تحضرها لك الخالة. - (يخليها) هي من أريد يا خادمة السوء. أركبتها الخادمة على ظهرها وحملت هاينة النار في يدها، وحاولت مدها من بعيد للوحش، لكنه جرها إليه بخفة فائقة. ووضعها على ظهره ثم أطلق ساقيه للريح. قررت الأسرة إخفاء الأمر عن القبيلة والأسرة. فدفنت قطعة خشب وأعلنت موت هاينة. وعندما حضر ابن عمها أخبروه بالمأساة فحزن أشد الحزن، وبكى أشد البكاء قرب القبر، ولازمه أياما وليالي، إلى أن تطوعت إحدى الخادمات وأخبرته بما كان وصار: - إنك مغفل يا مسكين تبكي على خشبة، فابنة عمك لم تمت، بل اختطفت من قبل الغول. اذهب وخلصها منه. أحس ابن العم بالمهانة فغضب غضبا شديدا، وقرر تخليص حبيبته من أسر الغول، فامتطى صهوة جواده، وقطع المسافات، وكلما مر على هضبة سألها: - مالك يا الشعبة تحماري وتزيدي فالحمورية؟ ومعناها :لم يا هضبة يصبح لونك أحمر ويزداد احمرارا ؟ وترد الشعبة : - أنا اللي نحمار ونزيد فالحمورية وهاينة دازت علي. ومعناها: أنا من يحق لها أن تحمر وتزداد احمرارا، وقد مرت من فوقي الجميلة هاينة وأبعدها الغول عني . يأمرالبطل حصانه بالإسراع، ويلكزه برجليه، ويحرك لجامه فيطير الحصان حتى ينقدح الشرر تحت حوافره. ويسأل هضبة أخرى: - مالك يا الشعبة تصفاري وتزيدي فالصفورية؟ومعناه: ما بك يا هضبة يصفر لونك ويزداد ؟ وتجيب الهضبة : - أنا اللي نصفار ونزيد فالصفورية وهاينة دازت علي. ومعناه: اصفرّ لوني وازداد اصفرارا لأني حزنت بسبب مرور هاينة من فوقي وهي مختطفة . ويسأل أخرى: - مالك يا الشعبة تكحالي وتزيدي فالكحولية.. معناها مابك يا هضبة يسود لونك ويزداد .؟ فترد عليه : - أنا اللي نكحال ونزيد فالكحولية وهاينة دازت علي. ومعناه: اسودّ لوني حزنا على هاينةالتي مرت من فوقي وبقي على حاله حتى وصل إلى هضبة خضراء فبادر كالعادة بالسؤال : - علاش أنت خضراء وتزيدي فالخضورية؟ فترد عليه فرحة جذلانة : - يا فرحتي أنا اللي نخضار ونزيد فالخضورية وهاينة ساكنة في. ومعنى ذلك :أنا من يحق لها أن تخضر وتزداد اخضرارا لأن هاينة تسكنني. فيقول ابن العم : - افرح يا قلبي، افرح كما يكون الفرح، لقد جاء الفرج وقربت ساعة خلاص هاينة. ثم يقترب من البيت ويسأل الديك: - واش كاين الغول؟ معناه :هل الغول موجود؟ - لا، إنه بالخارج للصيد. - أخبر هاينة أن ابن عمها وصل لإنقاذها من أسرالغول الشرير واطلب منها الخروج لملاقاتي . ولكن هاينة لا تصدق الديك. وكيف لها أن تصدقه وقد قطع بها الغول سبع براري وسبعة بحور. تصيح في وجهه كاليائسة: - أين هو ولد عمي يا ديك؟ أعطيك البشارة إن صدقت. ويخرج الديك لابن العم فيخبره انها لم ولن تصدق. يسأل ابن العم : - أشنو تعمل؟معنى ذلك :ماذا تفعل؟ ويرد الديك وهو يميل عرفه الأحمر ويختال في مشيته كما يختال أمير ربح الحرب: تغزل الصوف. ترجاه: سر اسرق ليها شوية الصوف واهرب. ويستجيب الديك لرجاء الرجل فيسرق قليلا من الصوف لهاينة التي تتبع خطاه مرتبكة كأنها مسحورة إلى أن تلمح خطيبها فترتمي في أحضانه وقد انفتحت في وجهها رحمة السماء، ويحملها ابن عمها على الحصان ويهرب. يلكز حصانه بالمهماز و يرجوه أن يطير بهما إلى عنان السماء، ولكن الغول وهو عائد من رحلة الصيد اليومية، يلمحهما فيتعقبهما وقلبه يغلي من الغيظ وهو يتوعد هذا الذي تجرأ عليه بالويل والثبور وعظائم الأمور. وترمي هاينة الإبر في طريقه لكي تعيق سيره لكنه يجمعها بكل يسر . ثم ترمي الأشواك فيزيلها وكأنها حلوى ثم ترمي الزجاج ولكن دون جدوى...وفي الأخير ترمي الملح الأجاج، جبال من الملح تعترض طريق الغول، وعند مروره فوقها يصاب بالشلل ويسقط على الأرض وقد أعياه التعب فينادي: - هاينة يا هاينة .اسمعيني، إذا التقيت بغرابين يتعاركان فلا تحاولي تفريقهما. لا تعير هاينة وابن عمها الاهتمام لتحذيرات الغول ولا يهتمان بكلامه وهل نسمع كلام الغيلان ونصائحها؟ يمضيان في طريقهما يحثان الحصان على السير للوصول للأهل والإخوان للاحتفال بزفافهما. وفعلا بعد قطع مسافات طويلة يصادفان طائرين يتناقران بعنف القاتل والمقتول وكأنهما يدعوانه إليهما، فيحاول ابن العم التفريق بينهما، لكن أحد الطيور يلتهمه ويطير في سماء الله الواسعة. وهكذا تصبح هاينة من جديد وحيدة ينهشها الخوف وتتقاذفها الهواجس ... فماذا هي فاعلة ؟ وأي مصير ينتظرها بعدما ظنت أن أيام الحيرة قد ولت بدون رجعة؟ تقترب من إحدى القرى وهي لا تدري كيف ستواجه سكانها... لكنها تكتشف وسط حيرتها جيفة كلبة، فتلبس جلدها وتلتحق بكلاب الدوار وقد أنهكها الجوع، ومن حسن حظها أن الكلاب لا تنكر حضورها بينها فتأكل ما يقدم لهذه الحيوانات وكأنها واحدة منها. وتظل هناك تنتظر رحمة السماء لعلها تعيد لها ابن عمها... هذا ما كان من حال هاينة... أما ما كان من حال ابن عمها فإنه ظل يطير ويطير من بر إلى بر، ومن بحر إلى بحر سائلا عنها كل من مر في طريقه : - هاينة يا هاينة أش عشاك الليلة؟معناه :هاينة يا هاينة ما عشاؤك الليلة؟ إلى أن وصله صوتها بعدما كاد اليأس يقتله: - عشايا نخالة ورقادي بيت الخوالف. ومعناه :عشائي نخل القمح ونومي بين الخيام . فيكاد يموت من الحزن، ويصرخ: - احزن يا قلبي وزد فالحزونية. معناه "احزن وازدد حزنا" . وفي الصباح تغتسل هاينة في إحدى الوديان، وتصفف شعرها وتتعطر وتكحل عينيها وتمضغ السواك وتلتحق بالبنات فتسلب قلوب الرجال الذين يطلبون وُدّها، فتوضع في الصدارة وتقدم لها أشهى المأكولات وتُدلل كما الملكات . وفي الليل يحلق الطائر الذي ابتلع ابن العم في سماء القرية ويُسمع صراخه في الوديان السحيقة وعلى قمم الجبال العالية: - هاينة يا هاينة واش عشاك الليلة؟ تجيب: - عشايا فتات ورقادي بين البنات. فيقول : - افرح افرح يا قلبي وزد في الفروحية. وتصيب الحيرة سكان القرية جراء هذا الطائر الذي أكثر من الحومان والصراخ في سمائهم منذ أن حلت بينهم. ويسأل حكيم القرية هاينة عنه فتقص عليه قصتها بكل تفاصيلها، فينصحها بتقديم أحد الخرفان للطيور التي تحوم في الجو مع هذا الطائر، وتتحفز هاينة للصيد الثمين فتتمكن من الطائر الأعور وتلقي عليه القبض. فيتخبط بين يديها وينقرها ويحاول الإفلات من قبضتها لكنها تهدئ من روعه وتخاطبه بكل حنان ومودة: اخرج يا ابن عمي، اخرج من جلد هذا الطائر الأعور المسحور. يجيبها: - سيخرج لك أعرجا فترفض وتعاود رجاءه من جديد - سيخرج لك أعمى... وتعود للرجاء والتعطف حتى يعطيها ابن عمها سالما معافى، يتركه لحال سبيله ويطير. وتفرح هاينة بابن عمها ويسعد أهل القرية بعودته لها ويكرمون وفادتهما ويحملانهما بالهدايا الثمينة والفرش والرياش. ثم يعودا لبلدهما حيث يستقبلهما الأهالي بالاحتفالات، وتدق الطبول لمقدمهما، وتقام من أجلهما الأفراح لمدة سبعة أيام وسبع ليال .. تزوجا وأنجبا صبيانا و بنات وعاشا في ثبات ونبات . حكايتي مشات من واد لواد وأنا بقيت مع اوليدات الجواد.معنى ذلك أن حكايتي انتقلت من واد لواد وأنا مكثت مع أبناء الناس الكرماء. الكاتب:
سكرتيرة التحرير مريم حمدان بتاريخ: الأربعاء 30-12-2020 03:59 مساء الزوار: 1713
التعليقات: 0
|
العناوين المشابهة |
الموضوع | القسم | الكاتب | الردود | اخر مشاركة |
رواية مريم... ذاكرة وطن وحكاية أمل | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 27-09-2024 |
«صدى يوم أخير» نموذج للكتابة الروائية ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 05-04-2024 |
الروائية السورية مريم محيي الدين ملا ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الخميس 16-11-2023 |
«المرتزق رقم 9» رؤية جديدة تخالف السائد ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأحد 20-11-2022 |
بقلم الكاتبة هدى شفيق الالوسي | القصة والرواية | اسرة التحرير | 0 | الجمعة 24-06-2022 |
الروائية سناء أبو شرار تصدر «امرأة سوداء ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 10-06-2022 |
بقلم الشاعرة والكاتبة رانية مرعي ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 24-12-2021 |
بقلم الكاتبة أماني الراشد الأهواز رواية ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الثلاثاء 25-05-2021 |
"كجثة في رواية بوليسية" جديد ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 25-12-2020 |
بقلم الشاعرة والكاتبة ابتسام الخميري قصة ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 16-10-2020 |
قصص قصيرة جدا ............ بقلم ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الخميس 24-09-2020 |
بقلم الشاعرة والأديبة فاطمة محمود سعد ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 17-07-2020 |
بقلم الكاتبة حنان عباسي قصة قصيرة ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأحد 17-05-2020 |
حديث الإنس والجن بقلم الاستاذة هالة مهدي | القصة والرواية | إدارة النشر والتحرير | 0 | الجمعة 15-05-2020 |
السقوط في الشمس" ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الإثنين 04-05-2020 |