عمان

صدرت عن دار فضاءات للنشر والتوزيع- الأردن، رواية الهجير «جنة رياح» للكاتبة السورية سماح العيسى، وتقع الرواية في 272 صفحة من القطع المتوسط.

الهجير»رياح جنة» رواية لسماح العيسى تبدأ بمشهدٍ من أحد (كامبات) اللجوء في هولندا، تقدم أُفُق نفسها كأحد الفارين من الحرب في سوريا، من خلال الإجابة عن الأسئلة الموجهة لها أثناء التحقيق معها في دائرة الهجرة واللاجئين IND، وعلى قصر ذلك الحوار إلَّا أنَّ له أبعاداً ذات ارتباط بتعريفات الوطن وماهيته و.... هذا الأخير الذي كانت صورته النمطية كانت راسخة لدى أبنائه باتَتْ مهزوزة، ومحل جدل اليوم بعد حروبهم البينية التي عصفت بهم، ولَفْظِ أوطانهم لهم. مهما حاولت الاختزال فلن أتمكن من الحديث عن أحداث الرواية، إذ إنَّها رواية مركبة، وفيها مسارات عدة، وعدد شخوصها الرئيسيين كبير، لكنني سأقدم صورة عامة عن الحدث. تجري أحداث الرواية وفق خطين زمنيين، الأول ويفتتح به الراوي نصه هو الزمن الذي تعيشه أفق في (كامب) اللجوء في هولندا ابتداءً من العام (2014) ووصلاً وانتهاءً بالعام (2020) وقد استقرت وشقيقها خارج (الكامب) في نفس البلد طبعا. أفُق تَنَازعها رغبة الكتابة وعدمها، لكنها ستقرر في النهاية البدء بها، وستبدأ تؤرخ لقريتها (غزالة) من قرى هضبة حوران السورية، والتي من خلالها طبعا ستُؤَرِخُ للأحداث العامة والكبيرة لكامل بلدها (سوريا) التي فرتْ من حروبها بحثاً عن وطنٍ يحتضنها، وهذا هو الخط الزمني الثاني والرئيسي للرواية، والذي سيشغل معظم مساحة النص. ستبدأ من العام (1945) ثم تعود للخلف إلى العام (1920) لتؤسِسَ للأحداث التي ذكرتها وتسير بالأحداث بإيقاع متوازن وصولاً للعام (2011) و الأعوام التي تلتها حيث كانت الانتفاضة الشعبية في سوريا ضد الاستبداد، وما نتج عنها لاحقاً من حرب للنظام الحاكم على الشعب، ومن ثم حروب بينية وخراب ودمار و... وفرار ملايين السوريين من «وطنٍ» قرر أن يقتلهم، حيث ستكون أُفُق واحدة من تلك الأعداد. ستتناول الكاتبة في نصِّها قضايا ذات أهمية وعُمق في وجدان المواطن السوري والعربي عموماً، والأهم فيما ستتناوله هو العقلية الموروثة التي تحكم هذا المواطن بما تحمله من أساطير وخرافة ورفض للمختلف، وعادات وتقاليد وتشريعات تحكم الأسرة وتحاصر على وجه الخصوص المرأة هذه الأخيرة المضطهدة المستعبدة من قبل الرجل بالمطلق، والتي تعيش طيلة حياتها، على حافة ما يسمى العار وفقاً لتلك الأعراف. سوف تُصور الكاتبة حياة الناس في تلك الجغرافيا بتفاصيلها من خلال حيوات شخوص الرواية، وتشير بشكل مقتضب للتحولات السياسية والاجتماعية التي مرت بها البلاد، وصولاً للثورة التي كانت مفاجئة، فشخوص روايتها هم أناس عاديون بسطاء، لم يكونوا مُؤَثّرين في تلك التحولات وإنما كانوا مُتَأَثّرين. البناء السردي للرواية متماسك متين، وكذلك مختلف الجوانب الفنية فيما يخص المخطوط كعمل روائي بما فيه بناء الشخوص، أيضاً تراتبية الأحداث وتسلسلها ومنطقيتها، والحبكة العامة والحبكات الفرعية. لغة وصياغة أيضاً متماسكة ومتينة، وقد غلفتها الكاتبة بمسحة أسطورية حين ذهبت للحديث عن البدايات في العام (1920) والعقود الزمنية القريبة التي تلت ذلك التاريخ، وكذلك امتزجت لغتها السردية بشيء من الشعرية في العديد من المواضع، وقد ضمنتها الكثير من الصور الفنية والاستعارات، وشيء من الرمزية. إبداعياً.

عمل متكامل تام لا ثغرات فيه تقريباً، ولم يَغِب خيال الكاتب ولا التشويق عن النص، ولم يغب التماسك في البناء عن النص.