|
|
||||
هيئة إدارة تحرير مجلة عاشقة الصحراء التي تعنى بقضايا المرأة العربية والأدب والفن | ||||
الخطاب المزدوج في «قطة شرودنجر» لسامية العطعوط
عاشقة
الصحراء :
إبراهيم خليل بعد أعمالها القصصية جدران تمتص الصوت 1986 وطقوس أنثى 1990 وطربوش موزارت 1998 وسروال الفتنة 2002 وقارع الأجراس 2008 وبيكاسو كافيه 2012 وكأي جثة مباركة 2018 تصدر للكاتبة ذات الحضور الملحوظ في حياتنا الأدبية مجموعة جديدة بعنوان قطة شرودنجر (2023). ولمن لا يعرف من هي الكاتبة نُذكّر بمجموعتها القصصية (طقوس أنثى) التي تأثرت فيها بالاتجاه التجريبي لدى عدد من الكتاب أمثال زكريا تامر، وجمال أبو حمدان، وفخري قعوار، ومحمد طملية، لا سيما في القصة الموسومة بعنوان (قطط السيد) وما يعنيه تحول الجميع في القصة إلى قطط تموء: مياو .. مياو..(1) أي أن الكاتبة العطعوط تتبع في قصص المجموعة المذكورة الطريقة التي اتبعها طملية، واتبعها قبله جمال ابو حمدان، في بناء اللقطة القصصية بناءً يخالف ما هو سائد، ومألوف، كاسرًا بذلك توقع القارئ. فالفتاة التي تخاف القطة عندما تولّي هاربة، لائذة، بأحد البيوت، تجده مليئا بالقطط. وعندما تقرع أحد الأبواب مستنجدة، تجد قطا شرسا أسود يفتح لها الباب. ويتكرر المشهد نفسه حين تطرق باب منزل الأستاذ لطفي، لتكتشف في نهاية الأمر أن الحي كله مليءٌ بالقطط. وهذا يذكرنا بالقصة التي يكتشف فيها الفتى عند النظر في المرآة أن وجهه وجه شيخ عجوز غضنه الزمنُ، وملأه بالتجاعيد، مع أنه ما يزال صغير السن، ذلك لأنه تعرض قبل ذلك لشبح الشيخوخة يطارده في المدينة من حي لآخر. (2) أو القصة التي وجد فيها أحد الشخوص أهالي المدينة يبحثون عن جِلَدٍ تمنع تسرب الماء من صنابير المياه. وقد تطورت الكاتبة تطورًا كبيرًا في مدة قصيرة. ففي مجموعتها (بيكاسو كافيه) تجتاز مرحلة جديدة في الكتابة تقترب بها من الأدب السريالي. ففي القصة الموسومة بعنوان «بيكاسو كافيه» تروي على لسان المرأة ما عرضه بيكاسو، الفنان العالمي، عليها، وهو أن يتخذها(موديل) فيرسمها في لوحة من لوحاته. لكنها ترفض ذلك، وتأبى بشدة أن تكون لوحة تباع وتشترى. وتؤثر أن تظل مغمورة على أن تكون مشهورة بصفتها سلعة للغادي والرائح. على أنَّ ما ترفضه بوعيها اليقظ، وتأباه في الواقع، يتجلى لها تمامًا في ما يشبه الكابوس (3). وهذا القالب الكابوسي يتكرر في القصة « في المقهى ذاته» فالشعور بتضخم الذات يقابله الإحساس باللاحضور عند الراوي. فللحقيقة وجهان. وفي المقهى الخشبي يعثر القارئ على صورة سوريالية عجيبة تُهنّأ عليها الكاتبة. فالمقهى نفسه مصيدة للزبائن، فضلا عن أنه كابوسٌ لهم. ومثل هذه الكوابيس تجعلنا نرى الواقع من حولنا مشوَّهًا مثلما يتراءى لنا في « كافكا والمدينة، و» أفاعي « و» شريط نانسي « و» أحدب في عمان «. وفي مجموعتها « كأيِّ جثة مباركة « (2018) تواصلُ الكتابة بهذا الأسلوب، وفي حرص لا يخفى على هذا الاتجاه. بدليل أنها في القسم الذي تطلق عليه عنوان « كــّراسة الحرب» لا تفتأ تلقي بالضوء على رؤيتها المشوِّهة (بكسر الواو المشددة) للواقع السائد المتّـشح بلهيب الحروب الأهلية المستعرة، والعمليات الإرهابية، التي تحيل هذا الواقع إلى واقعٍ مُفخَّخ، كسيارةٍ يقودها انتحاريٌ، في هذه المدينة أو تلك، ما تلبثُ حتى تنفجر مُسْفرةً عن عشراتِ الضحايا بين قتيلٍ، وجريح. ما تحت القشرة: ففي قصة (خِفَّة حاوٍ) يقفُ القارئ إزاء نموذج من هذا الأدب السريالي الذي يقوم على تصوير الواقع تصويرًا يعتمدُ التشويه، والنفاذ من القشرة إلى ما تحتها، فالعبارة الأولى فيها تقول « صحونا فجأة على رائحة الموت «. تليها سلسلة من المشاهد التي ترسم فيها العطعوط ملامح الحارس العجوز بمعطفه الطويل، والسيجارة، وعود الثقاب. أما الحارة التي يلقي عليها بنظره، فكأيِّ حارةٍ أخرى: بيوتٌ متراصة، وأبواب خشبية موصدة بمزاليجَ سودٍ ضخمة، وفي هذه الإشارة مدلولٌ غير مباشر لدالّ يصدر من الراوي صدورًا عفويًا، بلا وعي، يعبر عما يعيش فيه سكان هذه الحارة من رعب. يساند هذه الإشارة ذِكـرُ الخيالات التي تتراكضُ في العتمة، وشعور الحارس العجوز بأن قدميه مكَبَّلتان في الأرض بسلاسلَ حديديَّةٍ تمنعه من التصدي لهاتيك الأشباح الضَخْمة التي تتحرك بحرية في الظلمة، أو - على الأقل - التحرُّك نحوها، أو الاحتجاج بأعلى صوته، فهو حارسٌ، ولا حارس، في الوقت ذاته، بل يحتاج لمن يحرُسُه. وفي هذا مفارقة تذكرنا بتلك المفارقات التي يُغرق فيها السَرْدُ السريالي. وذلك – بطبيعة الحال- مشهدٌ آخر يعبر عن واقع مسكونٍ برعب يصلُ بنا إلى حدِّ العَجائب. وما هي إلا ثوانٍ معدودات- لا تُحسبُ في عمر الزمان- حتى يكتشف الراوي وجود أشخاص عمالقة، (شبِّيحة) يقتحمون البيوت الموصدة بالمزاليج الضخْمَة، ويخطفون الآمنين، ويذهبون بهم إلى حيثُ الساحةُ، فتجزُّ أعناقُهم، ويُعلقونَ في الريح السامة. ويمكن القول: إنَّ ما سبق هو النصفُ الأول للقصة المرعبة، والحكاية المُلْبسَة، التي تدور متوالياتها في حارةٍ، ربما كَفِل لها الزمن أن تغدو ضحيّة حربٍ لا ناقةَ لها فيها، ولا جمَل. وفي إيحاء باستبعاد الترابط بين النصف الأول للقصة والثاني، نجد الكاتبة سامية العطعوط تضع القارئ في سياقٍ آخرَ مُخْتلف، وإذا بالراوي يشمُّ رائحة الرعب فيما هو مستلقٍ على سريره، مهدود الجسم من العَياء، وفجأة يتمخَّضُ هذا (المرعوب) من رائحة الخوف عن شخص آخر بصفات تدنو به من درجة (المَسْخ) أو الشبِّيح؛ فهو كثُّ الشعر، واللحية، منتفخ الوجه، دميم، تبرز منه انبعاجات شتى كفقاقيعَ لحْميّة، وعينان حمراوان، تَقْدحان شَرَرًا.» وهذا النموذج السريالي للشبّيح يغادر البيت كمَنْ يقوم بمهمة عُهد بها إليه، ألا وهي نشر الرعب بين الآمنين،على وقع الصراخ المدوّي الذي يُثْخن الليل بسكاكين حادة. وتواصل الكاتبة لملَمَة فتات المشهد: صرخاتٌ موجعة، وتأوُّهاتٌ تعتصِرُ القلب. حتى الرغبة في الاستيقاظ تجافي هذا الراوي، فلِمَ يستيقظ من منامهِ إذا كانت عيناهُ ستنفتحان على هذا المشْهَدُ الراعِب؟ على أنَّ القصة تنتهي- كما هي العادة - في الأدب السريالي، بمفارقة أخرى تمثل تناقضًا صارخًا، مع ما يتوقعه القارئ المتلقي. فهذا الشخص، الذي يؤكد استحالة الاستيقاظ في هذا الجو الراعِب، يستيقظ أخيرًا، ويغادر سريره، ليقع بصره على الحارس، وهو يدخِّن سجائره، وعلى بعد أمتار منه، أي في الساحة، ثمة سبْعَ جُثَثٍ معلقة على مقصلة كبيرة تضربها الريح، والأتربة. وفي هذا المشهد يدرك الراوي حقيقة أنَّ كابوسًا ثقيلا مروّعًا هو الواقع، فهل هو ذلك العملاق (المسْخ) الذي تمخَّضَ عنه، وغادره إلى حيث يرتكب هاتيك الموبقات؟ أم أنه هو نفسه من عاش في هذا المشهد من قبل، وارتكَبَ هذه المجزرة بيده؟ (4) قِطةُ شْرودِنْجَر: ويبدو أن العطعوط في مجموعتها الجديدة، وعلى الرغم من تحفُّظنا على العنوان، تنتهج في كتابة القصة نهجها في (بيكاسو كافيه). مع تركيز أكثر وضوحا على الواقع المشوه. فالسيدة التي تشبه قطة شرودنجر تريد، أو كتب عليها بكلمة أدق، اجتياز حاجز قلنديا لزيارة القدس. وكانت قد أوصتها الساردة بعدم الالتفات، وتصنع اللامبالاة، وأن تضع على وجهها قناعا لا يُرى حتى لا تتعرَّض لأيّ مفاجأة. لكنها، وإن حفظت هذه الوصية عن ظهر قلب، خانتها عيناها فالتفتت فيما يشبه التحقّق من وجود من ينتظرونها على الطرف الآخر من الحاجز. وليتها لم تفعل، إذ قام الجنودُ، وسط الصراخ، بإطلاق النار عليها من خمس بنادق محشوة، فسقطت صريعة مضرجة بالدماء ليتجمد الدم في عروق من يشاهدون الجريمة، وهم ينتظرون دورهم للتفتيش، وعبور الحاجز إلى القدس. على أن هذه القصة المكثفة، والقصيرة جدًا، لا تخلو من شخصية، ومن حدث، ومن علاقة واضحة بالمكان (حاجز قلنديا) ومن موقف يتَّشح بوجهة نظر تجمع بين التراجيدي والكوميدي في آن. وهي – أي القصة - ليست في حاجة ماسّة لهذا العنوان. ولا لتشبيه الزائرة الضحية بقطة داخل صندوق بين الموت والحياة. فهذه الزائرة تتوق، بلا ريب، لرؤية من يستقبلونها في الطرف الآخر. وهي كيانٌ بشريٌ لديه أحلامه، وآماله، وأشواقه المعقودة على تلك الزيارة. وقد جاء تشبيه المؤلفة لها بقطة شرودنجر بنتائج عكسية لم تخطر للكاتبة ببال. ويبدو الخناق قد ضاق على الفلسطينيين في الحاجز المذكور. ففي قصة « ثلاثة فئران « تسامع أحد الشحاذين عن ثلاثة فئران عالقة في حاجز قلنديا. وأن المشهد الغريب يتمثل في أن الفئران حاولت التسلل من الحاجز إلى الجهة الأخرى، فانتبهت لها مجنَّدة ذات شعر أحمر، فعاقبت الفئران بقص ذيولها وإعادتها للجهة الأخرى. أما الساردة التي سمعت بالحكاية، فقد أخرجت سكينا، وحاولتْ أنْ تجتثَّ بها ما يتراءى لها أنه ذنَبٌ للمجنَّدة، تلك التي صرخت صرخة مدوية لينطلق الرصاص باتجاه الساردة التي فقدت إحدى عينيها بعيارٍ مطاطي. فيما أغرقت الفئرانُ في الضحك لسعادتها بما فعلته الساردة، أو حاولت أن تفعله. مرة أخرى تقع الكاتبة في إشكالية تذكرنا بقطة شرودنجر، وما تُفضي إليه هذه الفئران، وما تنمُّ عليه من نتائج عكسية لا تخطر لنا ببال. الأسود يطيح بهن: وفي قصة تبتعد بنا عن الحواجز، والتفتيش، وعن المجندات، والمجندين، الذين لا يقومون بمهامهم إلا والأصابع على الزناد، إلى حكاية تعالج من خلالها مشكلة إنسانية عميقة، وهي التفريق بين الناس تفريقا قائما على اللون. ففي السكن الجامعي ببغداد صادف أن وصلت طالبتان من إحدى الدول الأفريقية، ربما كانت السنغال، أو نيجيرية، أو أوغندة. وهما تتصفان بما يتصف به ذووهما من حيث ارتداء الملابس فاقعة الألوان، والأحذية عالية الكعبين. أما الطالبات الأخريات من كويتية ومصرية، فشرعن يتغامزن عليهما فيما يشبه التقزُّز من نزيلتي السكن الجديدتين بسبب اللون، إلا واحدةً هي الساردة التي اختارت مشاركتهما الغرفة، على الرغم من اعتراض الأخريات، واستغرابهن. وبالرغم من أن الساردة اختارت هذا الموقف دون ضغوط، إلا أن ملاحظاتها على الفتاتين – فيما بعد- تأتي بنتيجة مغايرة، لما كانت ترجوه من إثبات أنْ لا فرق بين أسود وأبيض ولا بين أصفر وأحمر من الناس. ففي مجريات القصة تركيز على رائحة مقيتة تنبعث من الفتاتين. وشيء آخر هو خروجهما ليلا وعودتهما في وقت متأخر، وذلك شيءٌ تمنعه تعليمات الإقامة في السكن الجامعي. وأكثر من هذا تبين أن الفتاتين تغيبان عن السكن وقتا طويلا تقضيانه في اللهو في الحانات، والملاهي، والمراقص. ولا يفوت الساردة أن تشير لشائعات تلاحق الزنجيتين، وهي شائعات تقول إنهما تأتيان أفعالا هي في عرف الناس من المحرمات. ومن المفارقات المدهشة اكتشاف الساردة - ذات ليلة - بأنّ الفتاتين مثليَّتان، وتمارسان النشاط الجنسي المثلي في أثناء نومها، واستطاعت أن تلاحظ هذا بقلق مرارًا، غير أنها تغضّ النظر عن ذلك، فلا تشي بهما لمشرفة السكن. ومن أجل غض النظر هذا تحظى بقبلة من (نامازي) إحداهما- وهي أغرب قبلة تلقتها في حياتها. تُشعِرُنا الساردة في بداية القصة بأنها ضد التفريق بين إنسان وآخر تفريقا قائما على العرق، أو الجنس، أو اللون. إلا أن نمو القصة، ومَلاحظ الساردة على الفتاتين، يوحيان بأنها كغيرها من الناس لا تستطيع التخلص من هذا الوهم الذي منع غيرها من الطالبات من مشاركة الفتاتين الحجرة. ذلك أنَّ مَلاحِظَها مزدوجة الطابع؛ فهي تشير لتصرف سيء يصدر عن الفتاتين، لكنها لا تأباه. وتذكر ما يثير الريبة فيهما، ولكنها لا ترتاب. وكأنها تقول للقارئ: إنهما سيئتان ولكنهما محتملتان. وهذه الطريقة في كتابة القصة لدى سامية العطعوط تبرز النتيجة، أو المغزى، بأسلوب لا يخلو من تناقض ظاهري، ومن مواربة. وربما كان هذا أدْعى إلى القول: إن وجهة النظر الكامنة في القصة هي أنّ الأفارقة مثلنا، لا فرق بيننا وبينهم، سواء أكانوا سودًا أم غير سود. وكما أن لهم عيوبا لا أثر فيها للون نزدريهم بسببها، نحن أيضا لنا عيوبٌ لا أثر فيها للون، يزدروننا هم أيضا بسببها. والأرجح أن الساردة من هؤلاء الذين يأبون التمييز على أساس اللون، ولكنهم، مع ذلك، لا يستطيعون الشفاءَ من هذا الداء. المزيفون: في «نرجس والحب..» تبدو الكاتبة مبتعدةً عن أجواء الحواجز، والتفتيش، والقطط، والفئران، والزنوجة، لتفتح أبواب القصة على موضوع لطالما تناوله كتاب القصص، وهو موضوع الحب. لكن نرجس التي تؤدي في القصة دور الساردة، والموضوع الذي تدور حوله الحكاية، كانت قد ذاقت حلاوة الحب مراتٍ ثلاثا، وهذه هي المرة الرابعة. والمرة الرابعة فيها الكثير من السخرية، لا لأنها تصف الحب بالغبي غباءً شديدا، وأنه لا يجيد الحساب ولا الهندسة ولا الجبر. فالسخرية آتية من كون نرجس، وصديقتها، مدعوتين لحضور أمسية شعرية، وقد حظيتا بحسم معقول على أسعار تذاكر الدخول، فكأن الشاعر صاحب الدعوة يظن نفسه نزار قباني، أو محمود درويش. على أن القصة تتطور في اتجاه معاكس، فعلاوة على أن الشاعر لا يشبه بحال من الأحوال أيا من الشاعرين المذكورين، فإنه متصنّع، وزائف، يُذكــّر الحضور بمطربي آخر زمن ممن يمتهنون الزعيق، والنعيق، بدلا من الغناء، والقيام بحركات بهلوانية، بدلا من التوقف باحترام أنيق أمام الجمهور الذي ينتمي أفراده لذوي الذوق الرفيع. وتمتد هذه السخرية أفقيا لتشمل الجمهور نفسه، فالتصفيق الذي قوبل به الشاعر المتصنّع ضربٌ من الجنون. والأكثر إثارةً أن القصيدة التي بدأ بإلقائها – وهي رديئة بجلّ المقاييس – تتغزل بفتاة اسمها نرجس. فيا لها من مفاجأة!! وقعت إذًا هذه المعجبة بالشاعر، وبشعره الرديء، في الحب للمرة الرابعة. ومما يثير السخرية أنه لم يلق إلا تلك القصيدة. قالت لها فاتن: نعم! إنه لا يلقي في المرة إلا قصيدة واحدة. وهذا يعني أنه فضلا عن التصنع، وعن رداءة شعره (حرامي). فقصيدةٌ واحدةٌ لا تستحق مثل هذا الثمن لتذكرة الدخول. بعيد انتهاء الإلقاء تزداد سخرية المؤلفة من صاحب القصيدة النرجسية. إذ يبدأ توقيع النسخ من ديوانه الأخير، والتقاط الصور مع المعجبات، والمعجبين. وعندما وجدت الساردة نفسها أمامه سألها قائلا أين الكتاب والصورة لكي أوقعهما لك؟ تقول: لا، لم أحضر. ينتهي الجدال بين نرجس والشاعر المتفيهق بما يوصف بخفقان قلب مفاجئ، وإغماء مباغِتْ، متأثرةً بهذا العشق الذي يطرق أبواب القلب للمرة الرابعة من غير استئذان، ولا تحفّظ. هذه القصة- فيما نرى - من أنجح قصص المجموعة «قطة شرودنجر». لا لأنها ساخرة، ولا لأنها تفضي بالقارئ لاتخاذ موقف حاسم من أولئك الذين يصدقُ وصفهم بالمتطفلين على الشعر، ومدعي الأدب، ولكن لأنها، فضلا عما سبق، تُذكِّر القارئ بما يشيع في وسطنا الأدبي – للأسف - من مشاهد هزلية يعوزها الإخراج الجيد، والحوار المتزن، والنص المتقن، فضلا عن الأداء التمثيلي. ولعل من يقرأ مقالنا هذا يتذكر ذلك القاص الذي كلما كاد الناس ينسون روايته هبَّ لمواقع التواصل، ونشر إعلانا عن مناقشة جديدة لروايته تحت شعار» كونوا معنا». أو ذلك الذي دعا الناس لتوقيع كتابه في المسرح الدائري، جالبا معه عددًا من الموسيقيين، والممثلين، والراقصات والراقصين، والرسامات والرسامين، وهو يتمشى على خشبة المسرح معتقدًا أنه لورنس أوليفيه (5) يؤدي دوْرَ هاملت، أو مكبث، في مسرحيات شكسبير المشهورة. وهو – على نياته - لا يعرف أنّ الحضور يستضحكون من أوهامه، ويهزؤون منه، لأنه نجح في أن يجعل هذا الضرب من النشاط الثقافي (مَسْخرة). *** انظر كتابنا: القصة القصيرة في الأردن وبحوث أخرى، ط1، عمان: دار الكرمل للنشر والتوزيع، 1994 ص28- 29 للمزيد انظر كتابنا: مقدمات لدراسة الحياة الأدبية في الأردن، ط1، عمان: دار الجوهرة، 2003 ص ص 58- 59 وللمزيد انظر شعرية القصة القصيرة وحوار الأجناس، ط1، عمان: وزارة الثقافة، 2010 ص 127- 129 للمزيد عن هذه المجموعة انظر: مراوغة السرد وتحولات المعنى، ط1، عمان: دار الآن، 2016 ص87 ، و88، و89 للمزيد انظر مقالنا في القدس العربي اللندنية: كأي جثة مباركة والاقتراب من الأدب السريالي، 23 ديسمبر 2018. ممثل، ومنتج، ومخرج مسرحي إنجليزي (1907- 1989) فاز بأوسكار أفضل ممثل، وعُرف بتقديمه الأدوار البارزة في مسرحيات شكسبير. جريدة الدستور الاردنية
الكاتب:
سكرتيرة التحرير مريم حمدان بتاريخ: الجمعة 01-09-2023 10:36 مساء الزوار: 120
التعليقات: 0
|
العناوين المشابهة |
الموضوع | القسم | الكاتب | الردود | اخر مشاركة |
قراءة في رواية «النبطي المنشود» لصفاء ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 04-10-2024 |
«النبطي المنشود» لصفاء الحطاب رواية ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | السبت 30-03-2024 |
تكشف جانبًا من عظمة الأنباط قراءة في ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الإثنين 09-05-2022 |
عائشة الحطاب في «ما تبقى من اللاشيء» ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 25-12-2020 |
باحثة ترصد «الخطاب السردي في الدراما ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الخميس 27-09-2018 |