جاء ذلك في لقاء مع الكاتبة والروائية الجزائرية أحلام مستغانمي، أجابت خلاله عن سؤال الجلسة "هل وسائل التواصل تخدم الإبداعأم تغتاله؟"، وحاورتها فيه الإعلامية الدكتورة بروين حبيب.
وفي حديثها عن العلاقة المتشابكة بين الإبداع والخصوصية، تطرقت الروائية أحلام مستغانمي إلى جانب آخر من تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على حياتها الأدبية والشخصية؛ إذ أكدت قائلة: "أنشر ما هو في متناول الجميع، وأتحاشى الصور الاستعراضية التي تجعل قارئي يشعر باختلافي عنه، فالقارئ يحب كاتباً بالذات لأنه يشبهه لا لأنه يبهره، ذلك دور النجوم".
وأشارت إلى أن القارئ لايرى دائماً الصورة بعين الكاتب، مستشهدة بصورة شاركتها من شرفة منزلها بإطلالة على البحر، فرأى القراء في ذلك المنظر محفزاً للإبداع، لترد قائلة: "الكاتب لا يحتاج إلى إطلالة على منظر جميل، بل إلى مكان يطلّ فيه على نفسه، يحتاج إلى نظرة صادقة في أعماق النفس، فأعظم الأعمال الإبداعية كتبت في السجون لأنهاتأتي من تأمل الداخل".
وأضافت مستغانمي أن الكاتب في الماضي كان يحتفظ بمسافة معقارئه، الذي لم يكن يهتم بالتفاصيل الشخصية، كالوضع المالي أونمط حياة الكاتب، وهل هو يعيش ما يكتبه أم حياته تخالف كتاباته، مستشهدة برواية "البؤساء" التي لم يتدخل فيها القارئ بحياة فيكتور هوغو الذي كان ثرياً. أما الآن، في زمن وسائل التواصل الاجتماعي فإن القارئ، كما عبّرت مستغانمي، "يتلصص ويتجسس، يريد أن يتأكد إلى أي حد يشبه الكاتب كتاباته" بعد أن أتاحت له وسائل التواصل اختراق خصوصيته، وإمكانية الحكم عليه مع كل منشور.
وتحدثت مستغانمي عن أعظم مسؤولية يتحملها الكاتب، مشيرة إلى أنها تزن كلماتها بعناية وتفكر ملياً في خطواتها؛ لأن الثقة التي تُبنى عبر الزمن يمكن أن تُفقد في لحظةواحدة. وأكدت عمق هذا التحدي قائلة: "أصعب شيء أن تكون عندحسن ظن الأموات، فالحي يمكنك أن تعتذر له، لكن من ماتو أخطأت في حقه، لا يمكنك تصحيح خطأك معه". وأضافت: "إن احترام ذكرى الأموات من الكتاب الذين عرفناهم، وعدم استباحة إرثهم هو واجب أخلاقي".
وتطرقت مستغانمي إلى الجانب الإيجابي من تواجدها على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أتاح لها ذلك التعرّف على من تتوجّهإليهم بعد أن كانت تكتب سابقاً لقارئ مجهول، مما جعل "سجلهاالعائلي" الأدبي يضم الملايين، معتبرة أن "قرابة الحبر أقوى منقرابة الدم". إلا أن هذا القرب وهذه "القرابة" أوجدت لها واجبات جديدة؛ إذ يستنجد بها بعضهم لمشاركة تفاصيل مؤلمة وشخصيةمن حياتهم، فهي هنا لتقديم "الإسعافات الأولية" لمن يستنجد بها، برغم العبء النفسي الذي يتركه على حياتها.
وأشارت مستغانمي إلى مقولاتها التي أصبحت متداولة على وسائل التواصل، موضحة أنها لم تتعمد إعداد تلك العبارات، بل إنها تكتب بتلقائية ودون تخطيط لأن تصبح جملها "مانشيتات" أو مقولات ايقونية. وقالت: "منذ (ذاكرة الجسد) شرع القراء بأخذ جمل من رواياتي وتحويلها إلى عبارات هي خلاصة فكرة أو تجربة، وهي مقولات تعيش لأنها تشبه القارئ وتلامسه في حقيقته".
واستشهدت بتجربة الشاعر نزار قباني الذي قال لصديق تعجّب من رؤية ما سطّر من جمل عند قراءته لذاكرة الجسد: "أسطّر الجمل التي كتبتني فيها أحلام"، معتبرةً أن هذه المقولات التي يستخدمهاالعشاق وأصحاب القضايا هي التي كتبتهم فيها، وهو ماسيمنحها حياة أطول.
وتحدثت مستغانمي عن واحدة من أبرز سلبيات وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يتعرض الكاتب لتحريف أقواله أو تنسب إليهأقوال لغيره لم يقلها وصرحت بقولها: "أفضِّل أن تُنسب أقوال يلشخص آخر على أن يُنسب لي ما لم أقله". واستذكرت مستغانمي في هذا الشأن حادثة طريفة عندما اكتشفت أن إحدى عباراتها عن أزمة المثقف قد نُسبت إلى الأديب الإنجليزي الشهيرشكسبير، وهو ما لا يمكن أن يكون لأن موضوع المثقف لم يكن مطروحاً في زمانه. وهذا يبرز مدى التشويش الذي يمكن أن يحدث عبر هذه المنصات؛ لأن معظم القراء يستمدون معلوماتهم منالإنترنت لا من الكتب.
وأوضحت الكاتبة الجزائرية أن هناك من ينسب إليها إعلان الحربعلى الرجال، لتتوالى الشائعات ويبدأ البعض بتصديقها، قائلة: "للأسف، العالم الافتراضي ينصب الكمائن للكاتب مستبيحاً حياته كيفما شاء كخبر زواجي خمس مرات. آخرها فتى في سن أولادي، طبعاً لأن الصورة كانت مع ابني وبرغم أني تزوجت مرة واحدة مازالت الشائعة تصادفني في المواقع".
وحول نظرتها للفائدة المادية من وسائل التواصل الاجتماعي وتزايدعدد المتابعين، أكدت مستغانمي أن الاستفادة المادية لم تكن يوماً هاجساً لها، رغم أنها تعيش في "زمن الأرقام" حيث يُستثمر كلشيء. وعبّرت بوضوح قائلة: "لا أترفع عن المكاسب والمال، لكن لكلمكسب مقابل. عليك أن تختاري: هل تقدمين حساباً للتاريخ أملحسابك المصرفي؟ هل تريدين الخلود أم مكسباً فورياً؟" وأشارت الى أن بعض الشركات المشهورة قدمت لها عروضاً مغرية، لكنهاككاتبة لا يمكنها أن تساوم على اسمها مقابل عقد أو ربح سريع.
وأضافت مستغانمي: "يقال ليس للمال رائحة، لكنه يفسد رائحة كلشيء، فما بالك حين يختلط بالأدب". وأوضحت أنها لا تلوم المشاهير والنجوم والإعلاميين الذين يركّزون على اللحظة الحالية، غير معنيين بما سيكتب عنهم، شخصياً يصيبني الرعب من التاريخ، وخسرت الكثير من أجل أن أكسب تاريخي".
وأضافت مستغانمي: "قد أسعد ببعض العروض المالية أحياناً، لكن ضميري أقسى عليّ من أعدائي، فأحاسب نفسي كل يوم وكأنني عدوة نفسي". وتابعت بأنها موجودة لتمنح جمهورها شيئاً حقيقياً لالتأخذ منهم شيئاً، وذكرت موقفاً مؤثراً عندما كتبت لها قبل سنوات إحدى المتابعات: "ليس لي بعد الله إلا أنت". فراحت تسأل عنها وكانت السيدة من غزة، منذ ذلك الحين، شعرت أنها مسؤولة عنالرد والتواصل معها، واستمرت في الوقوف إلى جانبها لسنوات، إيماناً بأن الرسالة الحقيقية تكمن في العطاء الصادق.
وأوضحت أنها مسكونة بالهم العربي، مما جعلها تتابع منصة"إكس" (تويتر سابقاً) أكثر من غيرها، إذ ترى فيها الوسيلة الأسرع والأهم لمتابعة آخر الأخبار، التي تخصّ نبض الواقعالعربي، حتى إنها تستيقظ أحياناً ليلاً لترى فيها ما قد يكون قدحدث أثناء نومها. مشيرة إلى أن الهمّ العربي لا يفارقها ككاتبة.