صدور رواية «الركض في المنخفض» وديوان «قلب آيل للخضرة»
عرار:
عّمان صدرت للروائي التونسي نبيل قديش رواية جديدة تحمل اسم «الركض في المنخفض»، وجاء العمل الصادر عن «الآن ناشرون وموزعون» في عمّان- الأردن، في مئتين وأربعين صفحة من القِطع المتوسط. تدور أحداث الرواية حول الرجل الأربعيني زاهر الذي يقرر، بعد عشرين عاماً، أن يعود إلى أحد الأحياء الشعبية الخطيرة، باحثاً فيه عن ذكريات أليمة رافقت إقامته القصيرة، أيام صباه، في ذلك المكان. ويشكلّ متن الرواية مجموعة من الذكريات التي انهالت على زاهر أو «زيزو» ناكئة فيه كثيرا من الجراح، بسبب ما تعرّض له في الحي من قسوة على يد زعيم عصابة سببَ له عاهة مستديمة في وجهه، وجرحاً غائراً في نفسه لم يفارقه طوال تلك السنوات. يعود الأربعيني الكهل متحملا مخاطر وجوده في ذاك المكان، راغباً ربما في تصفية حساباته مع الأشرار الذين آذوه، أو رؤية وجه حبيبة قديمة، أو العثور على واحد من أولئك الأشخاص القليلين الذين تركوا في نفسه أثراً جميلاً. وربما عاد أيضاً هارباً من حاضره الذي خسر فيه عمله، فصار على شفا الانهيار، وبحث عن أدنى بصيص من الأمل يعيد له ألق صباه. وأسلوب نبيل قديش في الرواية أسلوب متدفق، تدور فيه عجلة السرد بلا هوادة، ويمسك الراوي العليم خلاله بكل تفاصيل الحكاية. أما الشخصيات فتتنفس عبر رئة الراوي الذي ينقل للقارئ خلجاتها الدقيقة، متنقلاً بين المواقف والمشاهد بخطى محسوبة، ومقدماً وصفاً نفسانياً يحصي أنفاس شخصيات الرواية. ويقتصد في الحوار جاعلاً له دوراً ثانوياً خلال السرد. أما لغته فلغة رشيقة قادرة على نقل الأصوات بحرفية عالية. ونبيل قديش من مواليد العام 1977، قاص وروائي وإعلامي ثقافي تونسي صدر له في القصة القصيرة مجموعة العبث مع نيتشه المتوجة بجائزة الكتام آر التقديرية لأفضل المجاميع القصصية التونسية للعام 2014، اما في الرواية فقد حازت روايته «زهرة عباد الشمس» على جائزة الكومار الذهبي صنف الروايات البكر 2015، كما وصلت روايته «شارلي» القائمة القصيرة لأفضل الروايات التونسية في معرض تونس الدولي للكتاب سنة 2016، وشارك بروايته بياض العين في ورشة البوكر لأفضل الكتاب العرب في عمان سنة 2017. كما صدر مؤخرا للشاعرة العمانية رقية الحارثية ديوان شعر حمل اسم «قلب آيل للخضرة»، وجاء الديوان في أربع وتسعين صفحة من القطع المتوسط، وصدر عن «الآن ناشرون وموزعون» في الأردن، بالتعاون مع الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء. وقد حفلت قصائد الديوان بعدد من القضايا العامة والخاصة، التي أبدعت الشاعرة في إيصالها إلى القارئ عبر نفس شعري مكّن رقية الحارثية من الإحاطة بموضوعاتها، ولغة أتقنت تجسيد الأفكار وإيصالها إلى قارئها بأيسر الطرق. وفي جميع القصائد كانت خلجات الشاعرة حاضرة حضورا طازجا، كقولها مخاطبة الوطن: للموتِ رائحةُ الرمادِ وأنتَ تعبرُهُ بعكّازين وحدَكَ يا وطنْ أيُّ الفيافي طهَّمتْكَ بلونِها ذاك المساءَ الفَوضَوي أيُّ المواجعِ مَوْسَقَتْكَ رياحُها حتّى اكتويتَ وناوَرَ الروحَ الرَّدى؟؟ ومع اجتماع العام بالخاص في الديوان استطاعت الشاعرة أن توحّد الرؤية لتخرج من قلب المأساة أملا، ويزهر الحزن حباً: يا نهرُ دعهمْ على نارِ الخطيئةِ يأكلون دخانَها ولنا الحياةُ إذا رَوَوا أنَّ الهوى كفرٌ تهافَتَ في دواخلِنا مَداهْ «للحبِّ أنْ يختارَ جنَّتهُ» ويصهلَ ذارفاً مطرَ الخلودِ على عُروقِ حياتِنا منهُ ابتُعثنا وإليهِ نأوي والبياضُ يحجُّ شطرَه وعليهِ نُرخي عطرَ سجدتِنا الأخيرة واستخدمت الشاعرة أوزانا عديدة سكبت فيها قصائد ديوانها، فجاء وزن عدد من القصائد على شعر التفعيلة مثل «هذا المهيأ للسماء» و»وطن يموسقه الوجع» وقصائد أخرى.. بينما التزمت في عدد آخر من القصائد عمود الشعر العربي، فجاءت -على سبيل المثال- قصيدة «التي سُفح ضوؤها» على البحر الطويل، و»أمكنة مأهولة بالغياب» على البحر الكامل، و»كظل بعثرته الريح» على البحر البسيط، و»شتاتا إذن» على البحر الوافر. وهذه القدرة على تنويع الأوزان تدل على موهبة الشاعرة وتمكنها من اللغة والأوزان في آن معا.