|
عرار:
المتأمل في لوحات المعرض الشخصي السابع والعشرين (الاستعادي) للفنان الفلسطيني المغترب عبد الهادي شلا، الذي افتُتح مساء يوم الأحد الماضي في متحف هندية ويستمر حتى نهاية الشهر الجاري تستوقفه مواضيعه وعناصره ورموزه. هذا المعرض للفنان شلا الذي ولد بمدينة غزة عام 1948 م، هو حصيلة أربعة عقود من البحث والتقصي في حكاية محورها الإنسان الفلسطيني بشكل خاص، وكذلك الإنسان بشكل عام، لذلك أراد شلا من معرضه أن يكون رسالة إنسانية وفنية في آن واحد، مازجــًا فيها حنينه وهواجسه وآلامه وأحلامه التي تعكس أجواءه الفلسطينية حيث تكونت شخصيته الفنية، وبعد هجرته حاول المزج بين تلك الأجواء، والمناخات الأوروبية حيث عيش اليوم ويرسم الآن في «كندا»، ممسكــًا بإحدى يديه عوالمه الفلسطينية، وباليد الأخرى الفن الأوروبي، حيث أنتج مجموعة من الأعمال الفنية التي تمثل التزلج على الجليد وقد أطلق عليها « العلاقة بين الحركة والجمال « مرتكزًا على جمال حركة الأجساد مع الموسيقى، في محاولة منه لإيجاد معادل جمالي لرؤيته الفنية وهو يعيش بين ثقافتين. في أعماله ألــ ( 33 ) التي ضمها هذا المعرض والتي تمثل مجموعة من المحطات، نرى بوضوح شخصية الفنان التي تشبه شجرة جميلة ملونة، جذورها في فلسطين وأوراقها الخضراء المثمرة في كندا، إنه مزيج من الشرق والغرب برؤية معاصرة مفتوحة على عالم جميل خال من التعقيدات.. نستشف هذا من عناوين اللوحات التي جاءت رمزياتها على نحو يأخذ اتجاه الحلم والرؤيا مثلها مثل قصائد الحب ورسائل الشوق.. فهي لوحات تحمل عناوين مثل: معــًا إلى الأبد، لمن تهدى الأزهار، الحب والحصان، متى تأتي؟، عروسة بيت لحم، البشارة، رحماك، حوار، الطائر الحزين، جموح، برتقال بلدي، إيقاع، انتظار إلى الأبد، المسلوب، العازف، خلف النافذة، الملكة، عرس، آخر الطيور السوداء، إني قادمة... وغيرها الكثير الذي يشير إلى رومانسية حزينة. هذه الرومانسية التي مزجها « شلا « مع تقنيته في الرسم - زيت، أكريليك، حبر أسود - وهو يضع طبقات اللون واحدة فوق الأخرى على المسطح الأبيض، تظهر قدرته التعبيرية الفائقة بصياغة ورسم الخطوط والكتل وإنشاء تكوين محكم البناء، كذلك قدرته على إظهار الشفافية في اللون الأبيض الذي تناغم مع الأشكال والخطوط، حيث عمل « شلا « على تكريس اللون الأبيض ليصبح ذا قيمة وتأثير في العمل الفني إلى جانب الرمز الذي يعتبر عنصرًا مكملاً للتكوين، حيث أراد تكريس نظرته الفلسفية وهي المراد والمبتغى من الاهتمام بالرمز المتغير في لوحاته التي تمثل مساحة حريته وحيز تأمله ونجواه.. كما عمل « شلا « على تحقيق التواصل بين شخوصه وعناصره من طيور وحصان وهلال.. من خلال ايماءات الأصابع ونظرات العيون. والمدقق في لوحات المعرض أيضــًا يلاحظ تصدّر المرأة لأعمال هذا الفنان، بل كانت سيدة اللوحات في الواقع والحلم.. فمثلا بعد احتلال الكويت، عمل « شلا « على تغييب وجه المرأة والتركيز على الرمز المتمثل بالطائر الذي ينقل الأشواق، وعلى شاهد القبر الذي يمثل الموت، وأصبحت هذه المرحلة عند الفنان هي مرحلة ضبابية غير واضحة المعالم وان المستقبل بالنسبة له لا يبشر بالخير لهذه الأمة التي تتقاتل فيما بينها.. لذلك قرر في عام 1995 م، الهجرة إلى « كندا « وفيها أنجز مجموعة من الأعمال الفنية التجريدية المستوحاة من التراث، حيث قام بتوظيف الزخرفة والمساحات اللونية على مسطحات لوحاته كقيمة جمالية عكست قدرته على سحب الماضي بتراثه وتاريخه بأسلوب حداثوي. أخيرًا، كان الفنان « شلا « وسيبقى هو وتجربته الفنية الممتدة لأكثر من خمسين عامــًا السر الجمالي الذي يبوح لنا من خلال أعماله الفنية التي تحكي حكاية تلك السنين بحلوها ومرها منذ تخرجه في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة عام 1971 م، حيث تدور كل لوحة من خلال خطوطها وألوانها حالة الوجد الآسر المنطلق إلى أقصى أعماق الإبداع حيث الروح الجمالية لإنسانية الإنسان. الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الخميس 19-03-2020 01:01 صباحا
الزوار: 1439 التعليقات: 0
|