|
عرار:
سنحاول الإجابة عن عنوان القصيدة " وأحبُّني أكثر..." للشاعرة أسماء بن نويوة و نكتشف معا مدى صدقيته من عدمه ، و هل هي تقول الحقيقة أم أنها تختفي وراء عناوين كبرى على طريقة الإشهار الموّجه عموما و التضخيم الإعلامي الجالب..؟.. لذلك فسأنحو في معالجة هذه القصيدة نحوا آخر على خلاف قراءاتي السابقة ، محاولا أن أبتعد عن الجوانب الجمالية و مختلف المجازات و الاستعارات التي تزخر بها القصيدة و التركيز على بنائها النفسي الغالب محاولة منّي للتسلل لأعمق نقطة ممكنة من نفسية الشاعرة المرأة ما استطعت إلى ذلك سبيلا... وأحبُّني أكثر... وأحبُّني أكثر في عينيك حين تراني الوحيدة من حولك وأحبُّني أكثر في قمصانك وربطات عنقك المعلّقة على مشجّب الانتظار وأنت تخبئها في قلبي وأحبُّني أكثر في سجاجيد صلاتك وأنت ترفعها خمسًا بالدعاء لي وأحبُّني أكثر حين أركض خلفك كشمس تعرّج على وقع امتدادك وأحبُّني أكثر وأنا أتعثّر بأسبابك القديمة منها والجديدة وأحبُّني أكثر حين أتابع بحماس نشاطك ما حالتك؟ كيف أنت؟ ماذا فعلت؟ من زرارك؟ ومن زرت؟ وأحبُّني أكثر في حوض أسماكك الصغيرة وفي شقاوتك المثيرة وفي مزهريتك المحاذية للكتب وأحبُّني في رواياتك وقصائدك المجنونة وأحبُّني أكثر حتّى في قصصنا المبتورة التي أنهكها الحلم وأحلم.... وأحلم بك متّى تجيء وأحلم بالهداية وفي صدري غصّة وألف لقاء وأحلم بوجهك الغائب الذي اختار الرحيل وجعلني بكلِّ هذه الأحلام الكسيحة العذراء وبكلِّ هذا السفر المفتوح للرِّيح. و للوصول إلى هذه الحقيقة النفسية الكبرى المتوارية وراء كمّ هائل من الألفاظ التي يترتّب عليها كمّا أكبر و أضخم من المعاني المحتملة و الممكنة سأعمد بإذن الله إلى تقديم بين يدي القصيدة - إحصاء شامل واف لمفردات قاموسها بمختلف اشتقاقاته و صيّغها التركيبية ... و بداية و وفق المنهجية المتّبعة فقد تمّ رصد أربعة مجالات تندرج تحتها مفردات القصيدة " وأحبُّني أكثر..." ... 1. مجال الرجاء و الأمل و يشمل ثلاثة و عشرين مفردة مرتّبة وفق ورودها المكاني[الحبّ مكررة 12 مرّة – الكثرة – العيون – القلب – الصلاة – الدعاء – الشمس – العروج – الامتداد – الحماس – النشاط – الحوض- السمك – المزهرية - الكتب – الروايات – القصائد – القصص – الحلم – المجيء – الهداية – الصدر - اللقاء] ؛ 2. مجال اليأس و القنوط و يشمل اثنى عشرة مفردة مرتّبة وفق ورودها المكاني [الوحدة – الانتظار – الاختباء – الركض- التعثر – الأسباب – الشقاوة – الإثارة - الجنون – البتر – الإنهاك – الغصّة ] ؛ 3. مجنا الأغراض المنزلية و يشمل أربع مفردات مرتّبة وفق ورودها المكاني [ربطة العنق – السجادة – المشجب – حوص السمك] ؛ 4. مجال أدوات الاستفهام و يشمل خمس أدوات مرتّبة وفق ورودها المكاني [ما – كيف – ماذا – من – متى ] . و بالعودة إلى هذه المجالات الأربعة و التي يمكن الجمع بينها في شكل ثنائيات متوافقة من حيث الموضوع و الدّلالة ينتج لنا ثنائيتان : [الرجاء / الأغراض]المنزلية؛[اليأس / علامات الاستفهام] . و بالنظر الفاحص و الكاشف تنجلي أمامنا حقائق كبرى توجهنا مباشرة للوقوف علة معالم الاتجاه النفسي الغالب على روح الشاعرة / المرأة ... • الحقيقة الأولى : غلبة مساحة الأمل و الرجاء على حساب مساحة اليأس و القنوط و عليه فلسنا نجازف إذا سلمنا بإدراج هذا النص الشعري في خانة الإيجابية النفسية و أنّه يفتح للقارئ أبواب الأمل على مصارعها مساهمة من الشاعرة في إشاعة روح الأمل و تذكية جذوته في نفوس التّائهين و اليائسين... ومن ثمّ فعنوان القصيدة عنوان يخفي حقيقة المشاعر المسيطرة على نفسية الشاعرة / المرأة . • الحقيقة الثانية : تبرز اهتمام المرأة بأدقّ التفاصيل المتعلقة ببيتها الخاص بما فيه الرجل نفسه و هذا ما يعكسه المجال الثالث إذ يعتبر الرجل متاعا من أمتعة البيت نفسه ..إذ لا يفوت المرأة حتى لون ربطة العنق و كثرة استعمال الرجل للسجاجيد بنية الصلاة و الدعاء و بصيغة الجمع دلالة على كثرة متابعتها و مراقبتها الدقيقة لكل ما يتحرّك في مملكة عرشها و حتّى و إن تعلّق الأمر بعلاقة الرجل بربّه...و هذه إشارة واضحة تعكس نفسية المرأة و على الرجل أن يحترم فيها هذه الخصوصية السادسة .. • الحقيقة الثالثة : يستفاد من المجال الرّابع استفاء الشاعرة / المرأة لجميع الأدوات الاستفهامية المتعارف عليها علميا (ما/كيف/ماذا/من/متى) مع ملاحظة سقوط علامة سادسة كدلالة نفسية فارقة و هي "أين" ..فنراها لم ترد إيرادها بقصد احتراما للقدر و الغيب بالرغم من أنّ الخيال و الأحلام تمنحها الفرصة للالتقاء برجلها /ا/لمنتظر لكنها آثرت تركت ذلك للأقدار و عدم الاستعجال و الاتكاء على مشجب الانتظار و عامل الزمن... و هذه مفارقة أخرى في المرأة العاقلة والصّابرة و الواعية.. • الحقيقة الرابعة : ضمورمساحة اليأس و القنوط في نفسية الشاعرة /المرأة بالرغم مما تحدثه جعجعة تدمّرها المستمر، و ردّات رجع سخطها الصاخب من إيهام الرجل بأنها غير راضية تماما و ما يتبعها من ألفاظ ذات أجراس تصب الزيت في النّار...و هدا ما يعكسه المجال الثاني بجلاء ... • الحقيقة الخامسة : بالجمع بين المجالين الأول و الثاني يمكننا تصويرالحالة النفسية المضطربة للمرأة عموما و صور الضياع و الحيرة و تشتت فكرها ..و ذلك بالاعتماد على الإيقاع الموسيقي للطّباق و المقابلة في شكل ثنائيات هذا نزر منها..[النشاط/الانتظار – الركوض/ التعثر – الإنهاك / النشاط – الحماس/الانتظار – العروج/الاختباء – البقاء/ الوحدة – الحماس/الاختباء] ...فنحن أمام امرأة تنشد الاستقرار..فتارة تتحمّس فتنشط و تارة تتعثّر فتختبئ و حينا تنشط فتعرج و تعانق الشمس..و أحيانا تنتظر فتجن ثمّ تشقى ..و فينة تنهك فتغضب و تتنغص حياتها...و هكذا حالها كريشة في مهب الريح ساقطة... و هكذا يصل بنا المطاف إلى الوقوف على بعض الملامح للحالة النفسية للمرأة العربية و المسلمة عموما و المثقفة منها بوجه خاص و كيف أنها تعاني بصمت و تحترق في هدوء و تنمّ على عظمة المرأة و مختلف تقاطعاتها التي تترنّح بين أمل منتظر مشرق و ألم محبط مستتر.... الكاتب:
إدارة النشر والتحرير بتاريخ: الأحد 24-05-2020 12:07 صباحا
الزوار: 1212 التعليقات: 1
|