|
عرار:
الذئب وما أخفي تليه رشائية : الغزالة والزلزال للشّاعر يوسف رزوقة بقلم : حسن بنعبدالله / تونس ــ الفرق بين الديوان الشعري و المجموعة الشعرية أنّ الكلمة الأولى هي المأثورة عن العرب، فيقال: ديوان المتنبي، ديوان أبي تمام والكلمة وإن كانت في أصلها مأخوذة عن الفارسية وكانت تطلق على السجل الجامع ، وقد استحدثها عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأنشأ الدواوين ، مثل : ديوان الخراج وديوان الزكاة، وديوان الجند / ولذا قيل : الشعر ديوان العرب ، لأنه سجل حياتهم وأحداثهم ، وحروبهم وأفراحهم وأحزانهم ... أما " المجموعة الشعرية " فقد دخلت حديثاً- في حدود علمي - إلى المعجم العربي ، فأصبح يطلق على الديوان الشعري مجموعة شعرية ـ وفي ظني أنها ترجمة حرفية لمصطلح أجنبي مثل: Collection of peomes ومن أراد أن يفرق بينهما - إذا أصررنا على وجود فرق- فيمكنه أن يقول: إن المجموعة الشعرية هي : مجموعة قصائد لشاعر معين ، ولكنها ليست كل قصائده ــ أما الديوان) فهو كل قصائد ذلك الشاعر، فقد يحتوي الديوان على عدة مجموعات شعرية ويسمى في هذه الحالة: الأعمال الشعرية الكاملة أما رأيي الشخصي، فأنا أميل إلى إطلاق الديوان على كل كتاب يحتوي قصائد لشاعر واحد ، سواء كانت كل قصائده أم بعضها ، فهذه التسمية هي التي ارتضاها الشعراء العرب في القديم والحديث ، وهي - في رأيي - أفضل من مجموعة شعرية المكونة من كلمتين والتي أصبحت متداولة في أغلب الأحيان والمناسبات وهي المتداولة بين الشعراء ولدى الأوساط الإعلامية التي تعتني بالشعراء وتقدّمهم في البرامج الثقافية .. ــ صدر الدّيوان الجامع للصديق الشاعر يوسف رزوقة يحمل عنوان مهمّ ومعبّر وهو " الذئب وما أخفى / تليه رشائية الغزالة والزلزال ... ويوسف هو ذاك الشاعر التّونسيّ الذي انتصب شاعرا مع بداية السبعينات بإصدار مجموعته الشعرية الأولى أمتاز عليك بأحزاني سنة 1978 وطبعا هو كان يكتب قبل هذا التاريخ ـ وأصدر سنة 1984 برنامج الوردة وسنة 1986 اصطرلاب يوسف المسافر وسنة 1998 الذئب في العبارة وسنة 2001 بلاد ما بين اليدين وأزهار ثاني أوكسيد التاريخ وسنة 2002 إعلان الطوارئ وسنة 2003 الأعمال الشعرية ـ الجزء الأول ـ و2004 يوغانا وسنة الفراشة والديناميت وسنة 2005 أرض الصّفر وسنة 2007 الأعمال الشعرية / الجزء الثاني وفي باب الرواية ـ سنة 1986 الأرخبيل ـ وسنة 2013 مسمار تشيخوف وسنة 2014 وداعا براءة العالم وسنة 2015 ريكامو... ومن خلال هذا التراكم الشعري الكمّي والبراهين الروائية وهذا التسلسل الزمني المنظّم يتأكد إصرار الأديب يوسف رزوقة منتشيا بتجربته المهمة ومعبرا عن الوجود داخل معترك الحياة وهو الذي انطلق مقتنعا ومقنا في ذات المعنى وقد أكّد النقاد هذا رجوعا إلى أول إصدار له سنة 1978 أمتاز عليك بأحزاني المجموعة الشعرية التي صنّفت يوسف رزوقة مع الشعراء الكبار وقتها في تونس والعالم ذلك أنّ كتابته ولدت ناضجة وبليغة وساطعة وكان الاهتمام به كبيرا من طرف صديقه أبو وجدان الصادق شرف ومؤسسته للنشر ومن وراء مجلة الفكر التي كان الصادق شرف يشرف على رئاسة تحرير ها باقتدار وتميّز .... وصولا إلى هذا المحتوى الرائع وهذا الذي أصنّفه " ديوانا " لأنه أتى على نصيب من أفضل أعماله ولأنه حقّق عمقا دلاليا ومعرفيا ولأنه خلاصة عمر وتجارب ومحن ومآسي مرّت عليه وأثرت فيه وأتعبته ولم تسقطه وقد كاد يسقط في ضربة أولى مودعة وهي موت زوجته التي يعشق ويحبّ ... رحمها الله ... وفي ضربة مؤلمة ثانية وهي " موت قرة عينية وحبيبته وصديقته ابنته " رشاء " وقد تابعت أيامه خلال هذه المحنة الكبرى وتجاوبت مع قصائده الباكية جدا حدّ الانكسار والدموع وقد كنت أختفي معه في أحزانه / عبّرت ولم أعبّر حتى وصلني منه هذا الديوان / الجامع بواسطة الصديق الجميل والوفيّ ماهر دربال " الذئب وما أخفى / تليه رشائية الغزالة والزلزال يبدأ بـ : نار لا يصلاها إلاّ الأشقى : يقول في مستهلّها / من دخل بيتي فهو مستهدف في أمنه وفي اطمأنانه ، وهو يعني ما يقول لأنّ الديوان عبارة عن عبوات ناسفة أو ألغام متحرّكة كلّما قرأت أصابتك الشظايا / شظايا الألم وغبار الأحداث التي المّت بالشاعر في داخله فأخرجها وزرعها في كلّ أرجاء بيته هذا .. ومن دخل بيته فهومستهدف في أمنه وفي طمأنينته وفعلا جرّبت الدخول وتجاوزت تحذيره لأجده صادقا ومريعا في وصفه وفي حقيقة انفعالاته القوية والإيابية التي خلقت وحققت كلّ هذا الزخم الإبداعي الواعي والملهم والمشبع حرصا لغويا وتصويريا / إلماعا وتنوعا وتمعّنا وهو القائل : قانون اللعبة في الشعر كما في السرد كما في سائر أجناس الإبداع فلا إبداع بلا لعب ، ولا شعر بلا لعب ولا سرد بلا لعب ولا رقص بلا لعب ، ولا مسرح ولا دراما بلا تشكيل ، بلا لعب وقد أتى على كل أصناف الفنون ليحكم بينهم بحقيقة اللعب وهو الذي جرّب هذا باقتدار ومارس كلّ أنواع اللعب من العقل إلى القلب إلى العلم إلى العبث أحيانا فكانت النتيجة حسم الغرام لفائدته واكتساب كل أشكال المهارات لكي يكتب / لكي ينشر / لكي يترك للأجيال أعمالا تقول بشاعرية يوسف رزوقة وتخلّد اسمه في استحقاق الأدب شعرا وسردا وقد نجح في كل أعماله وخلال مراحل تجربته التي تحققت اليوم بهذا الديوان الكبير " الذئب وما أخفى ـ تليه رشائية الغزالة والزلزال ـ هذا الجزء الثاني من الديوان بداية من الصفحة 137 إلى الصفحة 209 يقول في مستهلها : ذات 29 مارس من عام 2010 رحلت رشا " ابنة الشاعر 26 سنة رسامة / صحافية و طالبة في علوم الحياة والأرض / ماتت بسكتة قلبية بسبب انسداد الأوردة في مستوى الرئتين أدت إلى وفاتها في الحال مع ابنتها " ياسمين " التي لم يكتب لها أن ترى النورهي الأخرى كلمة مفتاح : رشأ يوسف رزوقة بقلم عبد الدائم السّلاّمي / الموت لا يدنو من الشعراء ، هم يذهبون إليه بأحلامهم ويعودون منه إلينا في أحلامنا ، تلك عادتهم معه ، قد يكتب الواحد منهم قصيدته لينسى الموت ، بل ليجمّله ، بل ليطعمه من جوعه الغيبيّ بعضا من أعناب لغته ولكنه لا يكتب الشعر ليموت ، ولئن كانت كلّ قصيدة حياة مليئة بالممكنات وبالأمنيات فإن قصائد يوسف رزوقة غنائيات تدوّن الحياة بإيقاعها وتنويعاتها فتزيد من دلالها وتثبيتها ، بل هي توقيع لخطو الدنيا وتطويع لحركة فجائعها حتى تهون على الأحياء وهذه الجمل تلخّص محتوى " رشائية " أو الغزالة والزلزال ـ وهو بالفعل زلزال هزّ كل الأركان في ذات الشاعر يوسف زوقة جرّاء خسارته الفادحة موت ابنته رشأ وحفيدته ياسمين التي حرمته الأقدار أن يحفظ اسمها ولم يظفر برؤيتها والتمتّع بروحها وبوحها في عقله وفي مجال عينيه هو اليوسف المشحون بالحنان والعوطف كما عرفناه وكانت رشأرفيقة عمره يفخر بموهبتها في الرسم وممارستها للصحافة ويعتز بحفيدته " سيرين" التي أهدتها إياه رشا وكأنها متعة أخرى تضاف إلى ولعه بالشعر .... كانت رشأ تلك القصيدة التي لم تكتمل أبدا يضيف إليها الشاعر كل يوم تفاصيل جديدة يمنحها من فيض روحه وقلبه ويقدّم لها عصارة السنين. كانت بمثابة الأيقونة التي يعشقها ويحميها كما يحمي بؤبؤ عينيه...وكما اختارت رشأ أن تلج الحياة العملية مبكرا، وأن تتزوج مبكرا، وأن تعيش الأمومة مبكرا، رحلت أيضا مبكّرا يختطف الموت رشا يوسف وهي تستعد لتهب الحياة لطفلة اختارت لها اسم " ياسمين" حتى تزهر في هذا الربيع، لكن الموت اقتطف الصغيرة ووالدتها من حديقة الحياة فما أقسى الرحيل في الربيع! تنتظر الصغيرة " سيرين" في مدخل المصحة شقيقتها " ياسمين" التي ستكون هدية أمها لها في هذا الربيع فتفوح رائحة الموت على جثة زهرة الياسمين التي لن ترى النور ولن ترفل بالحياة فما أقسى الرحيل في الربيع! أي " بورتريه " قادر على احتواء أحزان الشاعر الطفل في فاجعته الكبرى؟ وداعا غزالة الروح أمّا يوسف رزوقة، أبوها الذي صدمته الفاجعة فقد عاد إليه بعد أسبوع من رحيل ابنته رشأ ليكتب " وداعا غزالة الروح " يقول فيها حيْثُ الْتَفَتُّ، رأَيْتُهَا صَعْبٌ عَلَيَّ فِرَاقُهَا ماذا سأفعل بعدها ؟ صبرا، يقول رفاقها ماتت رشأ وظلّت ذكراها قصائد موجعة احتواها هذا الديوان المشحون بطاقة عجيبة من الأحاسيس الجيّاشة والتعابير الحارقة دون أن يتخلى الشاعر يوسف رزوقة عن عمق التفكير باللغة وعدم السقوط في التقريرية والمباشرتية وظلّ واثقا من تأسيس الدراما الباكية في داخل المعنى وتأكيد الحوار المتين بين الموت والحياة وبين الألم والصبر ، وبين القراءة والكتابة ، ويوسف رزوقة من الشعراء الذين يقررون القراءة قبل الكتابة ، يستفيد من النظر في أوراقها وإلى ما يكتب قبل أن تثبت لديه مؤشرات النشر والتوزيع وهو المتمكّن نحوا وصرفا وإعرابا وهو المتمكّن من عيون الشعر قديما وحديثا : يقول يوسف في " ثاني أوكسيد الكربون " طلع الكلام الواو، ويل الهاربين من السؤال إلى الجبال الجيم، " جيناتُ " الجدود الضائعين الدال ، دولة شاعرٍ ذهبت سيادته وما ذهب الوطن هنا بعاصمة المكان وذات يوم أسقطته الذاكرات فلم يعد إلا مجرد نقطة سوداء من " عام الجراد" وتحت عصف الطائرات وقصفها ولد المكنى بـ" البراق" وبعد عنقودين من عنب الزمان أحس بالدنيا تدور وبالمرايا كلها مشروخة فرأى الرحيل ولم يقل حتى (وداعا) للمكان طارت قلنسوة الشاعر الفوضوي رماها إلى البحر ذات انقلاب على نفسه وعلى الآخرين. وما عاد من يومها يتأبط أيا من الأخوة الحمر: ماركس ولينين والناقصين حنانا! وطارت قلنسوة الشاعر الفوضوي إلى ما وراء المكان وطارت مع الريح أوراق روزنامة، وتواريخ أهملها اليوم أحفاد هذا الزمان. ـ ما اسم الغريب، يمر من شفة إلى شفةٍ ويصمت حين يدعى للكلام؟ - هو آخر العلماء وهو أقلهم زهوا وأكثرهم جنونا والتصاقا بالتراب يجيء مفروقا ليفصل علتين ينام بينهما بآخر علة وبنصف عين يجيء مقرونا ومن كتفيه يفسح بعض متكأ لأروع جارتين وينحني لحنان ما بين اليدين يجيء ملفوفاً بمعطفه الشتائي السميك يضيء ليل المبحرين مع الجراح يجيء في النور الضعيف يلف سوق السنبلات الخضر والقصب الذي ارتجف ارتجافا تحت سيقان النساء الهاربات مع الرياح، إلى السماء يجيء وهو أليف كل العاطلين أتوا لفيفا في يديه فبث ما بيديه فانقلبوا - وما كان المشعوذ- عامِلينَ يجيء في الأفق البعيد وعكس ما قال الرواة يلف طوفان الحكاية - وهو يسرُدُ ما رأى- باللاّ كلام لم أكن في البداية - يكتب ياقوت- إلا لأكتب- ذا قدرُ الذئب في مثل هذا الخلاء تتطاير من جسدي انصع الصفحات إلى مستقراتها في السماء يضج البياض المهيمن في قلعتي المطمئنة يفقس بيضاته ويفرخُ حولي. ولكي أميّز بين الفعل وردّة الفعل أخلص إلى حقيقة شاعرية يوسف رزوقة منبهرا بقيمته بين الشعراء وإن كنت لم أطلع على تجربته الروائية بسبب أحوال النشر والتوزيع عندنا وانقطاعي عن صديقي يوسف لمدة طويلة زادتها سنوات ما بعد الثورة طولا وشكّا وخيبات في نفوسنا لأننا كنا نلتقي وكان يهديني أعماله ولأننا في غمرة أحوال أبعدت وما قرّبت ولأننا نرى الغريب ونألم ونصطدم بالواقع ونكتم وقد غلبت على المشهد الثقافي والإعلامي بالخصوص الميزاجية والانتقائية ولسائل أن يسأل : أين يوسف رزوقة في الندوات والملتقيات الأدبية ّ ؟وأينه في المنابر الإعلامية والحوارية التي تعنى بالشأن الثقافي والأدبي ؟ ولماذا لا يكون في منتهى الضوء وفي روح الخلاصة قيمة ثابتة في مجال التأسيس لبرامج ومنجزات لهذا البلد وللأجيال ... لقد تجاوز يوسف رزوقة محنه الصادمة وغادر الضيق للعالمية من خلال رحلاته الكثيرة للتعريف بالشعر التونسي وقد حقّق بنفسه صفته كسفير لتونس في كثير من المؤتمرات الشعرية وله رصيد عظيم من الأصدقاء في العالم والأكثر أهمية رواج أعماله الشعرية في العالم مترجمة إلى لغات كثيرة وقد حقّق كل هذا المنجر بنفسه وبإرادته وله مني في الختام كلّ التحية والتقدير ومسك الختام منه قصيدة : رشائيّة ــ / قصيدة مفتوحة لأحبّتي، من حاملي همّي فقط أروي لكم أسطورة الإنسان في نقصانه هي أنت في عزّ الشّباب تخيّل الرّوح التي صعدت إلى عليائها هي روحك، الآن اضمحلّت، تسبق الغزلان نحو فنائها هي قصّة امرأة سأرويها كما عايشتها في الأصل ، من ألف الحكاية، كان يا ما كان، حتّى يائها في ذلك الصّيف الّذي هو صيفها سمّيتها، وأنا أناغيها، رشا وفتحت نافذة لها وأنا أراها في غدي: هيّا اكبري سرعان ما كبرت رشا ورأيتها أمّا بكلّ أمومة الينبوع في امرأة أسمّيها رشا لكنّها رفعت وما رفعت كما رفع المسيح وإنّما رفعت على الأيدي إلى حيث استقرّ بها المقام وياسمين بحضنها هي خير قنديل لها في ركنها النّائي بمقبرة المكان ...... هي لم تمت هي ملح ذاكرتي وياء قصيدتي وأنا بحكم قصيدتي العمياء لم أرها بعين أب فقط كبرت معي من حيث لم أشعر ولم أشعر بأنّي كنت، في يوم ، أبا لها كانت فراشة عصرها سرعان ما كبرت معي لكنّها سرعان ما رحلت عن البستان تاركة رحيق حياتها للنّاطقين بحبّها سيرين صورتها الّتي... سيرين فائض حبّها لا، لست أرثيها وهل ترثى رشا؟ لكنّني أبكي مع الغزلان في الصّحراء تنقصنا رشا لنسابق الأحلام في ميعاد ماراطونها صيدة انسيابية إلى آخرها ولا يسع المجال هنا لنشرها كاملة الكاتب:
إدارة النشر والتحرير بتاريخ: الجمعة 22-05-2020 09:50 مساء
الزوار: 1487 التعليقات: 0
|