د. مهند غازي الزامل مرّ الفِكْرِ الثقافي العربي المعاصر، بتجاربَ عديدة، على صعيدِ الواقعِ كما على صعيدِ النَّظرِ والفِكْرِ، وهذه التجاربُ كلّها – ومِن غير مبالغة – كانت نتيجتها لصالحِ الفكر الثقافيّ المعاصر، وبصورةٍ ساطعةِ الوضوح، وحاسمة الدّلالة. خُذ مثلاً لذلك؛ حركة التغريب القاسية التي واجهها الفِكرُ الثقافيّ المستكين في تاريخه الحديث؛ وهي حركة قاسية عاتية، لم تتورَّع عن استخدام كُلّ وسائل الإرهاب الفِكري والإعلامي... وإذا كان الواقع الاجتماعي قد أذعنَ وسَكَنَ لهذه الموجة العاتية – مع استثناءاتٍ قليلة – إلا أنّ الفكر الثقافي الأصيل، لم يُذعِن لهذه الموجة، ولم يَسْتكِنُّ لها.. لقد واجَهَ « الفكر الثقافي» لهذه الأمة موجاتَ الإرهاب المتغرِّب، والتي رَفعَتْ – زورًا- شارات التنوير والتقدّم والحداثة والمعاصرة، واجه مُثقفينا؛ بعُروبتهم وثقافتهم وأصالتهم؛ ذلك كلّه بصمودٍ وإباءٍ، يُسَجَّلُ لهم في تاريخ الشّرفِ، ناعِيةً على جبروتِ المفسدين، وضلالاتِ ثقافاتِ الاغتراب، وإرهابِ الأفكار المستوردة، وما فعلته في هذه الأمة، وما أهدرته من قيَمٍ وحقوق، وما أورثته من جراحاتٍ وفتنٍ وثارات... لقد كانت أصالةُ فكرنا الثقافيّ شامخةً، عنيدةً، حاملة ً رايات الرّفضِ وشاراتِ الغضب؛ لكُلِّ دخيلٍ يقتلُ تراثها، ويستهزئ بأمجادِ حضارتها... وحديثنا هذا أبعدَ شيْءٍ عن النظريات والتقديرات والتهوينات الكلاميّة؛ لأننا – في أصالتنا – أمام تجربةٍ تاريخيةٍ حضاريةٍ كبيرة، لم تعرف البشرية مثيلًا لها مِنْ قبلُ ولا مِنْ بَعْدُ؛ مِن حيثُ الإنجاز القياسي لبناءٍ اجتماعِيٍّ رشيدٍ متفوِّقٍ؛ مادِّيا وروحيّا وفِكريّا، في زمنٍ قصيرٍ بالنسبة لتاريخ التّحولات الكبرى في مسيرة الإنسانية إضافة إلى تميُّزِ المشروع الثقافي العربي والإسلاميّ – بحُكم ربانية مصادره وينابيعه – بالتوازن الرائع، الذي تنمو فيه الحضارة، بشقيها المادي والروحي، نموّاً متوازنا، بل نموا عضويّا يمتزجُ بعضه ببعضٍ فيه... إنّ مشروع ثقافتنا الأصيل؛ كان أوّلَ تجربة إنسانية كبرى في التاريخ تُؤسس علاقاتها وامتداداتها الخارجية على أسسٍ أخلاقية مثالية... ثقافتنا وأصالتنا ليس لها مثيل.... ودُمتم