عمان – يرى كتّاب أن التعديل الذي حصل على نظام دعم وزارة الثقافة للكتب، أثقل كاهلهم؛ إذ أصبح لزاما عليهم طباعة ألف نسخة في ظل إغلاق سوق الكتب، وانتشار منصات الكتب الإلكترونية، فيما اعتبر آخرون أن دعم وزارة الثقافة للكتب والكاتب أتاح لهم طباعة مؤلفاتهم دون أن يتكبد المؤلف مبالغ مالية طائلة، كما أن الدعم فرصة مهمة لكي يجد الكتّاب من يقوم بطباعة كتبهم والترويج لمؤلفاتهم، خصوصاً الجيل الجديد من الكتّاب الذين لا يملكون المال.
وأوضح كتّاب أن الاتفاقية لا تفيد صاحب الكتاب بالقدر الذي تستفيد منه دار النشر التي ستغصّ مستودعاتها لاحقًا بالكتب المطبوعة، مطالبين وزارة الثقافة برفع قيمة الدعم مقابل حصولها على عدد أقل من النسخ المطبوعة، خصوصا في ظل إغلاق الأسواق وعزوف القارئ عن الشراء، وانتشار منصات الكتب الإلكترونية، أصبح ذلك “حملا زائدا وتراكمت الكتب على الرفوف”.
مدير مديرية الدراسات والنشر في وزارة الثقافة د.مخلد بركات، يوضح اللغط الذي حصل من قبل بعض الكتّاب حول طلب الوزارة طباعة “1000”، نسخة من المخطوط الحاصل على الدعم. ويقول بركات: “شرط طباعة الألف نسخة هو أحد شروط الدعم الذي تقدمه الوزارة للمؤلف وهو معمول به سابقاً، وإنما الجديد هو ضرورة التسليم الكامل للوزارة من أجل المطابقة والالتزام بالشروط”، وينوه إلى أن البعض يرى أن هذا الأمر غير مناسب، ويكلفهم زيادة على نفقة الطباعة، ولكن الوزارة درست موضوع الكلف جيداً، وهي تعطي دعماً بحسب عدد الملازم المطبوعة، بما يتوافق مع السعر المطبعي في السوق، وبما لا يكلف المؤلف نفقات إضافية.
ويوضح بركات أن الوزارة قامت باستحداث صيغة جديدة في موضوع الدعم، وهي التعاون مع المؤلفين ودور النشر عن طريق اتفاقية تتضمن العديد من البنود والشروط توقع بين الوزارة والمؤلف، تضمن هذه الشروط أن يتم طباعة المخطوطات على سوية عالية من حيث الشكل والإخراج الفني في دار نشر يختارها المؤلف، والالتزام بطباعة ألف نسخة وتسليمها للوزارة للتأكد من مطابقتها الشروط، ثم يأخذ المؤلف حصته منها.
ويتابع بركات أن الالتزام بطباعة النسخ الألف هو من أجل نشر الكتاب المدعوم على نطاق واسع، وإتاحته لأكبر عدد ممكن من القراء والباحثين والمهتمين، وأن يكون متاحاً في مختلف مكتبات الجامعات، والمكتبات العامة والخاصة داخل الأردن، وخارجه.
ويؤكد بركات أن الهدف من دعم الوزارة للمؤلفين وهو التعريف بالمنجز الفكري والأدبي الإبداعي للمبدع الأردني في مختلف أنواع الابداع، ويقدم هذا الإبداع للقارئ بطريقة إهداء أو البيع بأسعار زهيدة، وتشجيعاً للقراءة وتأسيس مكتبة في كل بيت، فضلاً عن تقديم الدعم للمبدعين والباحثين الأردنيين والعرب في مجال الكتابة عن الأردن، مع شرط توافر هذه المخطوطات على السوية العالية وعلى الجهد البارز وعلى الإبداعية والتميز.
وحول الاعتذار عن بعض المخطوطات، يبين بركات أن المخطوطات التي يتم الاعتذار عنها تكون غير كاملة من الناحيتين الفنية والتقنية، وتحتاج إلى التعديلات التي تضعها لجنة النشر ضمن تقييمها، لافتا الى أن المؤلف يستطيع بعد ثلاثة أشهر من الاعتذار أن يتقدم بطلب لدعم مخطوط جديد، فإذا حصل على موافقة من لجنة النشر سيحصل على الدعم.
ويؤكد بركات أن الاعتذار يأتي لأسباب عدة، ومن أهمها جودة المنجز الإبداعي الأردني واكتشاف الموهبة وتطويرها، خصوصاً جيل الشباب المبدعين الذين يكونون بحاجة إلى توجيه.
بينما الشاعر محمد خضير الذي تقدّم للدعم بعد التعديلات التي حصلت على آلية الدعم، فيقول: “كنتُ أوّل من وقّع اتفاقية دعم الكتاب -بصيغتها الجديدة- مع وزارة الثقافة الأردنية، والاتفاقية لا تفيد صاحب الكتاب بالقدر الذي تستفيد منه دار النشر التي ستغصّ مستودعاتها -لاحقًا- بالكتب المطبوعة بعد أن تضخّمت حصتها الورقية والنقدية، وذلك بسبب إلزام الكاتب بطباعة ألف نسخة من مخطوطه في ظل إغلاق الأسواق وعزوف القارئ عن الشراء، وانتشار منصات الكتب الإلكترونية”، وفي هذا كما يرى خضير “حمل زائد وتراكم كتب على الرفوف”، لافتاً إلى أنه إذا كان الهدف من هذه الاتفاقية دعم الكاتب الأردني، فعلى وزارة الثقافة مراجعتها لأن الفكرة غادرت هدفها، وأصبحت عبئاً على الكاتب، بدل المساعدة.
ويقول خضير إن تجربته مع هذه الاتفاقية كلفته ما يفوق المائتي دينار، وذلك بسبب الفرق في سعر طباعة الملزمة الواحدة، وأجور نقل ألف كتاب ورقي من المطبعة إلى مقر الوزارة، والعودة بحصتي الكاتب ودار النشر بعد إحصاء ومقاربة من قبل اللجنة هناك، ناهيك عن أجور الإخراج الفني لمطابقة المواصفات المفروضة على حجم الورق، ونوع الخطوط المستعملة، والهوامش المسموحة، وعدد الأسطر في الصفحة الواحدة.
خضير يدعو وزارة الثقافة إلى رفع قيمة الدعم من “1000”، إلى “1500”، مقابل حصولها على مائتي نسخة من المطبوع، ويبقى للكاتب الاختيار في استهلاك باقي المبلغ بطباعة نسخ إضافية، أو الاحتفاظ به كدعم مستحق من الوزارة.
الروائية ديما الرجبي، وهي من جيل الشباب، لها تجربة مختلفة مع دعم وزارة الثقافة، تعدها تجربة غنية وثرية بالنسبة لها، لأنها استفادت معنوياً من لجنة الدعم التي قيمت المخطوط.
تقول الرجبي: “تجربتي الأولى مع الدعم كانت عندما تقدمت لدعم مخطوطة في العام 2018، وتم الاعتذار من قبل لجنة النشر في الوزارة بعد الاطلاع على المخطوطة، ووضع ملاحظات حول نقاط الضعف فيها، وكان لهذه الملاحظات الكثير من الفائدة لي، وقمت بالعمل بكل ملاحظاتهم”.
وفي العام 2020، أعادت الرجبي الكرة مرة أخرى مع دعم الوزارة؛ حيث قدّمت المخطوط بعد التعديلات التي أشارت لها لجنة التقييم، فجاءت الموافقة بسهولة، ولذا فهي ترى أن “دعم الوزارة يعد فرصة لجميع الكتّاب؛ حيث يتيح للكاتب أن يطبع نصوصه دون أن يتكبد أي مبلغ مالي”، مشيرة إلى أن شروط القبول وإجراءات التقدم للدعم منصفة للجميع؛ حيث إن الوزارة لا تشترط لقبول الدعم إلا موافقة اللجنة المتخصصة في تقييم المخطوطات والاطلاع عليها إذا كان المخطوط يصلح للنشر أم لا.
المدير العام لدار الآن ناشرون وموزعون د.باسم الزعبي، يرى أن التعديلات التي قامت بها وزارة الثقافة على تعليمات دعم المؤلف تعيد العجلة إلى الوراء، من خلال طلبها زيادة عدد النسخ العائدة لها والتي توزع مجانا، وهذا السياسة تعد انقلابا على سياسة تشجيع القارئ الحقيقي على اقتناء الكتاب، وإعطائه القيمة الحقيقية، أضف إلى أن هذه السياسة ستضر بدور النشر، التي لن تستفيد كثيرا من توزيع الكتاب في الوقت الذي يوزع فيه الكتاب مجانا، سواء من قبل وزارة الثقافة التي ستحوز على (300) نسخة من الكتاب المنشور من أصل ألف نسخة، أو من قبل المؤلف الذي سيحوز على (350) نسخة من الكتاب.
ويشير الزعبي إلى بعض الإشكالات التي وردت في التعديلات، وهي: ماذا لو أراد الكاتب أن ينشر كتابه خارج الأردن، فكيف سينفذ شروط الوزارة للحصول على الدعم، والمقصود تسليم الوزارة كامل النسخ المطبوعة؟ وهذا الأمر ينطبق على الكتاب العرب الذين يمكن أن يحصلوا على دعم لمؤلفاتهم “نظام النشر يجيز ذلك، خاصة إذا كان الكتاب في موضوع أردني”، وينطبق على الكاتب الأردني الذي ربما يرغب بنشر كتابه في دار نشر عربية.
أيضا هناك بعض الكتب ذات الطابع المحلي الصرف، وربما تكون جيدة، وتجيزها لجان التقييم ضمن سياسة النشر المعمول بها، لكنها غير قابلة للتسويق الواسع، سواء خارج الأردن، أو حتى داخله. فما جدوى طباعة كمية كبيرة منها؟، فإذا كانت ثلاثة أرباع الكتاب المطبوع ستذهب إهداء، عبر الوزارة والمؤلف، فماذا يتبقى للناشر، أليس الأجدى إحالة طباعة هذه الكتب على مطابع وليس على دور نشر؟
ووفق الزعبي “إذا ما سلمنا أن الوزارة من خلال لجانها تهتم بالمضامين، والمستوى الفني، لكنها غير قادرة بإمكانياتها على متابعة المحتوى من سلامة اللغة والتحرير. وعلينا أن لا نتجاهل مسألة تطوير المحتوى وتقدير قيمة هذه العملية، ولا نكتفي بالنظر إلى عملية النشر على أنها هي طباعة وحسب، علما بأن الدعم الذي تقدمه الوزارة لنشر الكتاب لا يكاد يغطي كلف الطباعة الحقيقية للنسخ المطلوبة”.
ويخلص الزعبي الى أن صناعة النشر لا تعنى فقط بالطباعة لكنها أيضا تعنى بالمحتوى والتسويق، داعيا الوزارة الى مراجعة هذه التعليمات.