كايد هاشم تشكل المئوية الأولى للدولة الأردنية محطة تاريخية مهمّة في مسيرة الوطن العزيز وإنجازاته. وهذة المئة عام هي أيضاً مئوية للحياة الثقافية في الأردن بمختلِف تجلياتها الإبداعية في الفكر والأدب والفن، وإنجازاتها المؤسسية، وسيرة التطور الاجتماعي والحضاري للإنسان والمجتمع على السواء. إنَّ هذا الارتباط الوثيق في المنشأ والتطور بين قيام الدولة ومسيرتها وحياتها الثقافية، لا يقتصر فقط على قياس المقومات المادية للعمل الثقافي، ولا تكتمل الصورة عند النظر إليه عبر العقود الماضية إلا من خلال فهم طبيعة التحولات التاريخية والفكرية خلال قرن أو أكثر، سواء على المستوى العربي أو ضمن التفاعل مع المستجدات العالمية في الفضاء الإنساني العام. وللحركة الثقافية المحلية في نشأتها طبيعة فريدة نوعاً ما، فقد ظهرت وتبلورت ونضجت عبر فترات وجيزة ومتلاحقة بدأت خلال الربع الأول من القرن العشرين بجهود فردية غالباً في الإمارة الناشئة؛ تصدرها حينئذٍ الأمير - ثم الملك المؤسس -المغفور له عبدالله بن الحسين، وأسهم معه رواد المثقفين من أبناء الأردن والعرب في إطلاق شعاع الوعي ونور العلم والمعارف في البلاد، وتواصل تدرّجها في التطور بجهود العديد من المثقفين والكُتَّاب والمبدعين في الفنون على أشكالها وأجناسها .وكانت الدولة ومؤسساتها والمجتمع وفعالياته تشكل هيكلية في إطار علاقة عضوية تبادلية ضمن هذا التطور، فأصبح للحركة الثقافية إسهاماتها المعترف بها كرافد من روافد الثقافة العربية والثقافة الإنسانية المعاصرة. ورغم محدودية الموارد والإمكانات المادية بل ندرتها في أحيان كثيرة، فقد ظلت الموارد العقلية والفكرية والإبداعية متدفقة تنطوي على غنى وعمق . ولا شك أن أحد أهم بواعث الاستمرارية في المسيرة الثقافية أنها تنتمي إلى ثمرات العقل العربي النهضوي، فمنذ بداياتها لم تكن بمعزل عن دورها الطبيعي في تعزيز بناء مؤسسات الدولة، وبناء المجتمع نفسه، والالتحام بقضايا الوطن والأمة، وظلت التعبير الصادق عن الطموح الوطني الأردني المتجاوب مع الآمال والقضايا العربية وفي مقدمتها قضية فلسطين. واليوم بعد هذه المئة الأولى وما حققته الحركة الثقافية في تشكلاتها وما استجد من تحديات في المحيط العربي والعالمي، يتضاعف العبء على دور الفعل الثقافي في الحفاظ على المرتكزات وصون الهوية من انعكاسات المتغيّرات المتسارعة نتيجة التيارات العولمية وإفرازتها.ولعل المهمة الآن تكون لإعادة اكتشاف إمكانات حركتنا الثقافية ومكامن القوة فيها والمواضع القابلة للتطوير والتحديث في بنيتها، بالاستفادة من دروس التجربة الماضية، وبالتالي استنباط أولويات ضمن إطار منهجي مستقبلي لخطط استراتيجية وسياسات وبرامج للتنمية الثقافية جنباً إلى جنب مع استراتيجيات التنمية في الحقول الأخرى، مما يعزز تقوية الجسم الثقافي ليكون قادراً على تفعيل إمكاناته وتحديث قدراته، وتحمل عبء مسؤولياته في دروب المئة الثانية وتحدياتها.
*كاتب وباحث، نائب الأمين العام للشؤون الثقافية في منتدى الفكر العربي– عمّان