|
عرار:
* د. محمد عبدالله القواسمة يقال إن زرقاء اليمامة امرأة من نجد بأرض اليمامة.كانت متزوجة في قبيلة جديس إحدى قبائل العرب البائدة،وسميت زرقاء اليمامة لزرقة عينيها. وكان يضرب بها المثل في قوة بصرها، فيقال» أبصر من زرقاء». وقيل إنها كانت ترى على مسافة يوم وليلة. وذات يوم حذرت قومها من قبيلة طسم التي كانت في طريقها لغزوهم، بزعامة حسان بن تبع، وكانوايسيرون وهم يحملون الشجر على أكتافهم حتى لا تراهم زرقاء اليمامة. لكن قومها لم يصدقوها وكانت النتيجة هلاكهم، وجاء زعيم القبيلة حسان واقتلع عينيها. من المعروف أن نموذج زرقاء اليمامة لم يوظف كثيرًا في الرواية العربية بخلاف الشعر، فقد حضرت لدى شعراء كثيرين بدءًا من النابغة في العصر الجاهلي، ومرورًا بالمتنبي في العصر العباسي، وانتهاء بالعصر الحديث حيث ظهر في قصائد كثيرة، منها على سبيل المثال: قصيدة أمل دنقل «البكاء بين يدي زرقاء اليمامة»، وقصيدة الشاعر عز الدين المناصرة»زرقاء اليمامة»، وقصيدة الشاعر خالد محيي الدين البرادعي «رحلة في عيني زرقاء اليمامة». من الروايات التي حضر فيها نموذج زرقاء اليمامة رواية «الريح في الأرض البعيدة» (عمان: دار البيروني، 2021) التي نهضت بها عائشة السالم المشهورة باسم سلام عبد العزيز الروائية السعودية، وهي الرواية الثالثة لها بعد روايتيها: «العتمة» 2009، و»دحرجة الغبار» 2014م.يأتي هذا الحضور في افتتاحية الرواية ليحدث تغيرًا في حركة الشخوص، وارتجاج في المكان المغلق، في ناحية من مدينة الوفرة التي تقع على الحدود الكويتية السعودية. والمكان المغلق ما هو إلا صالة واسعة كانت تجري فيها مراسم حفل عقد قران مريم ابنة أحمد المرزوق على عواد الشمري. على صوت غريب ترتج الصالة التي اجتمعت فيها عائلة المرزوق وجيرانها، ويتوقف رقص الدحة أو رقصة أنفاس الفرسان، ويتبادل الجميع نظرات الخوف. يخرج المرزوق ليرى المرأة العجوز دماث» يبرق في عينيها وميض كأنما صادر عن عيني نمر!»كانت تخبر الناس بأنهم سيرحلون، وتتبعهم رائحة الأرض الطيبة،وأن هناك أمانًا زائفًا وأنهم قادمون. وعندما طُلب منها الإفصاح عن هؤلاء القادمين أجابت بأن»الجراد الأسود سيلتهم الأخضر واليابس. أكاد أشم رائحته من هنا. هذه هي مقبرته. ومقبرتنا معهم!»(ص8-9) ولم تفصح أكثر ومضت. يتبين لنا بأن دماث التي عرفت بصدقها فيما تقول، وعلمها بمواقع النجوم تمثل نموذج زرقاء اليمامة في الرواية، حين تتحقق، بعد أسبوع، نبوءتها بغزو القوات العراقية للكويت في اليوم، الذي كان مقررًا فيه زواج العروسين مريم وعواد.كانت تسير دماث في المدينة وهي تصيح:»إنهم قادمون.. إنهم هناك»(ص11)، هكذا تبدأ المأساة ليلة العرس في الثاني من آب من عام 1990م، وتنقلب حياة العروسين، وتنقطع وسائل الاتصال بينهما، ويبدأ كثير من السكان بالرحيل عن المكان.وكانت دماث تراقبهم وهي تهمس بنبوءة جديدة: «ستتبعكم رائحة الأرض الطيبة، ستعودون للبحث عنها»0(ص17) ونقرأ بعد ذلك أن عواد يعتقله الجيش العراقي ويزج في سجن الرشيد في بغداد، ثم يقتل بعد ذلك، وتتزوج مريم في نهاية الرواية من رجل آخر يدعى عادل. أما دماث فلا تظهر بعد ذلك إلا في مشهد واحد في بيت من البيوت التي هجرها أهلها. كان ذلك حضور شخصية دماث التي تمثل نموذجًا لزرقاء اليمامة في رواية «الريح في الأرض البعيدة». ويلاحظ أن هذا الحضور كان باهتًا وهامشيًا، فلم يؤثر في أحداث الرواية وشخصياتها، وانطفأ بلمح البرق وسط ضجيج العالم الروائي الذي اتسعت بنيته الزمانية،ليشمل أحداثا كثيرة مهمةبدأت من غزو الكويت إلى إخراج القوات العراقية، ثم سقوط بغداد على أيدي القوات الأمريكية، ثم ما تبع ذلك من أحداث الربيع العربي والحرب في اليمن، كما اتسعت رقعة الرواية المكانية لتتعدى الكويت إلى السعودية والعراق وغيرها، وتتوزع الأحداث على فضاءات مكانية كثيرة، مفتوحة ومعلقة. لعل المتلقي كان يتوقع أن يكون لهذا النموذج، أي نموذج زرقاء اليمامة دوره في بناء رواية «الريح في الأرض البعيدة»، وتعميق رؤيتها لما جاء فيها من أحداث. لكن المفاجأة أن النموذج لم يساهم في تمركز الرواية حول حدث تاريخي ما، وانفلت زمام السرد، وتشتتفي اتجاهات كثيرة. ربما كان لواقعية العالم الروائي الدور المهم في ذلك؛ لأن مثل هذا النموذج لا تلائمه عوالم الواقع بل عوالم الغرائب والعجائب، كما في رواية مؤنس الرزاز «سلطان النوم وزرقاء اليمامة» 1997م. لكن مع ذلك، لابد من الاعتراف بقدرة الروائية سلام عبد العزيز على خلق عالم تخييلي يمتح من الواقع، بلغة واضحة وجميلة. حتى إن استخدامها اللغة العامية كان رقيقًا، لم يمنع تدفق السرد. كان ضمن إطار السهل الممتنع الذي لا يرهق المتلقي، كما وصفه الشاعر والإعلامي نضال برقان في كلمته على صفحة الغلاف الخارجي للرواية. المصدر: جريدة الدستور الاردنية الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الإثنين 24-05-2021 11:16 مساء
الزوار: 1276 التعليقات: 0
|