|
عرار:
أحمد الكواملة عنوان يفضي إلى احتمالين ...أتاحت له ولوج بحرها... وحجبت عنه سبيل الإرساء إلى الشاطئ حيث لا يهتدي إلى ساحل يريحه من موج البحر ورياحه القاسية أو أنها أهدته بحرا بلا ساحل... فلا سبيل إلى ولوجه وفي الحالين هو عاجز عن الفكاك من هذا الشرك الجميل القاتل. فإذا تجاوزنا عتبة العنوان الذي يشير فيه إليها، اطل علينا الإهداء، وهو يشير إليها مع اعتذار متأخر لصمته الطويل. هاهو يثقل روحة بالملامة، وحق من يخاطبها أن تُلام. وكيف له أن يبوح وحاله معها كمن ألقته في اليم موثقا وقالت له إياك أن تبتل بالماء. دفعني العنوان أن ابحث عن أثره في قصائد المجموعة، فلكل مجموعة من مسماها نصيب. فكانت قصيدته الأولى (فاتحة) أول من باح بما في عنوان المجموعة من رؤى ودلالات....فهو يعيش فعل قد.. وربما. صياغات: قد... سوف.. وربما.. خافي على عسل العين مني فقد... ارشف الشهد واللون والرائحة كأنه ما زال يعيش توقه إلى ولوج البحر أو الفكاك من لجته... فلا هو ولج.. ولا هو خلص إلى بر، انه يعيش أحلام وسكينة الماضي وفق صياغات سوف وربما.. «إنا ألان ابحث بين الدقائق عني ولا شيء مني ولا شيء إلا ظلال تخيم فوقي سأغمض عيني عليها لكي لا أراني على لون عينيك غير الشهيد الذي قرأوا فوقه الفاتحة». فإذا ولجت قصيدته (تعال بعطرك يا ورد) فما هي إلا أحلام سالفة يتحدث عن أنثاه أو قل عن وطن الصبا الذي يحن... أنها مجرد أحلام (ليت) لا قدرة تكوين لديه فيقول كن فيكون: ليتني في الكلام المريح ابتني للصبا موطنا كي أعيد الذي قد جناه الفتى المطمئن بأحلامه السالفة ليتني بين كاف ونون أكون الفراشة بيني وبين الحبيبة تصغي لأحلامنا الوارفة وتتكرر لفظة (حلم) في قصيدته هذه وحدها أربع مرات ومرتين بصيغ دالة هو في حالة من السبات والحلم/ الصحو وحلم اليقظة، حنينه دائما إلى ما انقضى من وقت، يحول استرجاع ذلك الضوء الجميل، وعطر أمسه البريء: احتاج أن أصحو من اللهب البريء على مسام دمي وانشق وردة الأمس أوزع في رذاذ الليل أضواء المصابيح القديمة ... ثم استدعي مساء الخير يا عرسي... رؤى ليلية... كل تجلياته وأحلامه، أشواقه ورؤاه ليلية... كأنه كائن يعشق ليله الخاص الأثير، ولعل مقطوعته المثبتة على الغلاف الأخير، تشير إلى ذلك بوضوح : أفيقي على موبقات النعاس... (إشارة إلى الليل) فان الليالي تخوم لأوجاعنا في المنام...(إشارة إلى الليل) جميع الشهور نراها كما يشتهي قمر ظله في الخسوف... (قمر إشارة إلى الليل) وهو مزمع أن يطل بأحلامه على واقع حبه المستحيل، الذي إن نجا فيه من مأساة، حل في أخرى، وكائن قدره سيناريو متكرر من الخيبات، وفي دلالة كربلاء والنجف ما يحيلنا إلى الوجع ألممض: وابقي على حلمي عروس البحر حتى انتهي من رسم ذاكرتي واعرف كربلائي ٌ إنا أم في الهوى نجفي موسيقى.. وإيقاعات ان اغلب قصائد مجموعة الصديق الشاعر سعد الدين شاهين، تأسرنا بموسيقاها وإيقاعاتها التي تغازل السمع والقلب، حيث تأخذنا قصيدته (مرّي) في رحلة وجدانية وارفة الإيقاع والأثر،بما يذكرنا على استحياء بنزار قباني وأغاني كاظم الساهر: مرّي في طيف جنوني أو مرّي عبر المرآة بددت قليلا وكثيرا من عمري الماضي والآتي احلم في حب يحرقني ما بين ركامي وفتاتي أحلامي سوف أبعثرها وأقول لك التقطي ذاتي اللغة... العطر وللعطر في مجموعته (أهدتني البحر وخبأت الشاطئ) مكان ظاهر. واغرورقت لغتي وسال العطر من فيها العطر... القادم المعشوق لا تخف من سبات الورود على شجن القبرات ... وإن جئت هيئ لنا من اريجك عطرا ... تعال بعطرك واحمل إلينا الزمان العطر... الخمر عبقا عطريا بسكرني وأنا غجري... تسكرني ثرثرة العطر العطر... النذر اهييء عطر القناني لمن يوف نذر الحبيبة عند التقاء الشفاه على عنب من مزايا القطوف... العطر... المعلم ... وعلمتني قناني العطر كيف تفوح من شغف وكيف إن فاحت عطور النرجسات إنا اسميها... تناص... إن إطلالة سريعة على مجموعة الصديق الشاعر سعد الدين تشي بما تختزن ثقافته من وافر الاطلاع على موروثنا الديني والإنساني التاريخي والأسطوري. يظهر هذا جليا في الكثير من مواضع التناص الديني الإسلامي والمسيحي وكذلك الأسطوري والتناص لا يكون ميزة في ما يُكتب إلا إذا عمق الرؤيا وأضاف إلى النص ما يجعله أكثر عمقا وتأثيرا، وهذا ما نلمسه بوضوح. ففي تناص ديني يقول من قصيدة وردة الليل فانا القصيدة هيت لك (بما يحيلنا إلى بعض قصة يوسف علي السلام) وبما يحيلنا إلى ذات القصة يقول من قصيدة قاربنا شفتان من امرأة خلعت لهواي قميص قصائدها ومضت كالعين الحور وفي تناص ديني مسيحي يقول من قصيدة امرأة إلى امرأة عبأت ظلها في زجاج المسرة افشي السلام... وفي تناص أسطوري يحيلنا إلى إلف ليلة وليلة ومن قصيدة موانئ الكلام يقول: سكتت عن القول المباح قريحتي كي يبين الصبح عن صوت المؤذن أو صياح الديك أو يأتي النعاس على الأمير لكي تحدق بالحياة...أو ترد السيف أو ضرب القنا... ولو ترك لقلمي أن يستمر في ذكر ما في المجموعة من تناص لضاقت عن ذلك إطلالتي السريعة هذه. صور ولغة عالية الدلالة... كثيرة هي في هذه المجموعة، غير أني انثر بعضها، واثقا أنها ستلفت انتباهكم... ... واغرورقت لغتي وسال العطر من فيها... .... ... وترخي للموج أصابعها كي يبتل الماء و يشرب... .... ... وجاءتنا بأرجلها الموانئ والحياة مكبلين بها... .... ... تعالي نفك طلاسم أزرارنا.. .... ...فقد يغرق البحر كل السفائن إلا جنون النساء إذا ما عشقن فان الذي سوف يغرق ماء المحيط... .... ... فابتعد عنا وراع الشيب قلت الشيب مثل الحب اعمى... .... ... واشد سرج عقارب الوقت الجميل .... .... نكهة الكلمات في فنجان شاي .... ... قمر يسيل على خطاك .... هذا غيض من فيض يكفي لتلمس ما في المجموعة من صور تفضي إلى صور ودلالات تسلمنا إلى دلالات دون أن نضيع ذاك الخيط الناظم الذي يحول بيننا والخروج إلى دائرة الإبهام الذي يفقنا وهج التواصل الثري المحلق. ألفاظ محكية... كثيرة هي تلك الألفاظ التي مال إليها شاعرنا بوعي واضح غايته تعميق الصورة وتوسيع الدلالة، من ذلك: على قشب الماء... وهو هنا لم يذهب إلى ثبج البحر أو الماء إنما أراد معنى ما يطفو على سطحه مما لا قيمة له، ومن ذلك معنى القشب الذي نراه على ظاهر يد من لا يحافظ على نظافته. أغنيات عربشت بين المسافة.... نقول عربشت الكرمة على الأسلاك أي تسلقت وتمسكت بها وهنا أراد الشاعر الإشارة إلى شدة التمسك والاندغام وفمي يعربش ناره.. أي يطلقه دون اتجاه إشارة إلى حالة انفعال أو غضب. وطفقت ابحث فيك عن نتفي... نتف الشعر أي اقتلعه، والشاعر هنا يشير إلى شدة تمزقه إلى نتف/ قطع صغيرة تناثرت منه وربما حلت في الحبيبة/ الوطن/ التي/ الذي/ يخاطب. كعب الغزال يا المحنى بدم الغزال.. فلكلور محكي يبدي فيه مدى إعجابه وهيامه بها.. والوقوف عند كل كلمة أمر يطول... قديم المجموعة... وجديدها إن ما يجمع قديم المجموعة وجديدها هو الاحتفاء بالإيقاع، فكل قصائدها إما عمودية أو تفعيلية تزخر بالصور المعبرة التي تلامس العقل والإحساس معا. ولعل الفرق بين القصائد التي كتبت في العقد الأخير من القرن المنصرم والعقد الأول إلى قرب منتصف العقد الثاني من القرن الحالي، أن بحور الخليل في القصائد الأقدم تميل إلى المجزوءات والبحور الخفيفة، في حين لمسنا حضورا جيدا للأبحر الثقيلة إن جاز التعبير، إضافة إلى بروز اثر تعمق تجربة شاعرنا إيقاعا ولغة ودلالة ورسوخا ثقافيا متركما، أتاح لمجموعته (أهدتني البحر... وخبأت الشاطئ) أن تمثل إضافة نوعية لتجربة الشاعر الصديق سعد الدين شاهين، تشي أن قادمه أجمل. مجموعة: «أهدتني البحر... وخبأت الشاطئ»، شعر سعد الدين شاهين، بدعم من وزارة الثقافة الأردنية/ صدرت عن دار فضاءات للنشر والتوزيع/ عمان/ 2015 م. الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الجمعة 04-06-2021 09:30 صباحا
الزوار: 1008 التعليقات: 0
|