إن كان الأمر مصادفة ففعل فيه صورة جميلة مـــن صور التوفيق، إذ يغدو هذا اليوم بؤرة للاحتفاء بعناصر الوجود الإنسانية الحية: الربيع بما يمثله من تجدد الحياة الكونية ، والأم الرمز الإنساني المطلق للوجود،ثم الشعر الكلمات التي تشخص صور الحياة في ايقونات تعبر الزمان والمكان ،وتحيل ميتافيزيقيا على انبثاق الوجود من الفعل « كن «.
وأكد د. الزعبي ليست مصادفة أن يقول أحد الشعراء:(عاد الربيع الأرض كطفل يعرف الشعر) لأنه يملك حسا فائقا بعناصر الحياة منفردة ومجتمعه ، حسا يمكنه من رؤيتها في صورة واحدة تمثل حالة انبثاق الحياة وعنفوانها المتجلي في عودة الربيع، التجدد الكوني الذي يعيد للارض طفولتها ، والطفـــولة براعم الحياة، وهــي لا تنفصل عن الأمومة أمومة الأرض ، وأمومة المرأة وهي جميعها تصب في نهر الحياة الخالد الجريان.
واستهل في المحاضرة التي نظمتها المكتبة الوطنية بمناسبة اليوم العالمي للشعر بالحديث عن نمر بن عدوان الشاعر الذي ذاع صيته بشعره البدوي الذي يرسم ملامح لقصة حب خارجه على المألوف في ذلك الزمان وفي ذلك المجتمع البدوي الذي الذي لم يكن يألف الإعلاء من قيمة المرأة والتغني بها، وهذا ما جعل « نمر « نموذجا لشاعر ورجل متميز ، وهو الامر الذي استأثر باهتمام الرحالة والمستشرقين منذ بدايات القرن التاسع عشر.
وتوقف المحاضر عند الشعر في الأردن الذي حصره زمنيا ومكانيا بتأسيس الدولة الأردنية منذ بداية العشرينات من القرن الماضي، فقد تشكلت آنذاك حركة شعرية مركزها بلاط الأمير ( الملك المؤسس ) ، وكانت قومية عربية في شخوصها ورؤاها فقد ضمت مجموعة من الشعراء العرب من مشرق العالم ومغربه، عبر كثير منهم عن قضايا المرحلة التي تمحورت ابتداء حول فكرة الدولة العربية الحلم التي سعت الثورة العربية الكبرى إلى تحقيقها والتي وأدها المستعمرون قبل ولادتها، ثم راوحت بعد ذلك بين تأمل الواقع الخارجي ومحاورته، كما هي الحال في الصراع مع الآخر المستعمر ومع القضايا الاجتماعية والوطنية ، وتأمل الذات الانسانية وعوالمها الداخلية . وهو ما تمثله اشعار الرعيل الأول من الشعراء الأردنيين وعلى رأسهم مصطفى وهبي التل (عرار ) الذي مثل شعره نموذجا متقدما في محاوره الجانبين السابقين فنيا وموضوعيا ، فقد اسهم بشعره في تكوين هوية و طنية جسدها شعره ذو الطوابع المحلية في لغته ورؤاه وقضاياه، كما مثل في الوقت نفسه خروجا واضحا على نمط الكتابة الشعرية التقليدية السائدة آنذاك ، وهذا ما منحه تفردا بين أقرانه .
وقال إن اهم ما ينبغي التوقف عنده في ما أظن هو الدور الذي يقوم به الشعر جماليا وفكريا، ولعل المرحلة التي نعيشها اليوم تبين عن الدور الذي يؤديه الفن والشعر بخاصة في محاورة سؤال الحرية الذي يمثل اليوم هاجس الناس ( الشعب في العالم العربي ) .
وأشار الى أن استعارة بيت الشعر أو جزء منه ليكون لأزمة الثورات العربية يفسح عن مدى حضور الشعر في الوجدان الجمعي ، فعبارة « الشعب يريد « والبيت :
إذا الشعب يوماً أراد الحيـــاة فلا بـــد ان يستــجيب القــــدر
كان قدم المحاضر مدير عام دائرة المكتبة الوطنية محمد يونس العبادي التي قامت بتوزيع (الأعمال الشعرية لطاهر رياض) و(أغاريد روح للشاعر خالد فوزي عبده).