|
عرار:
الناقد محمد رمضان الجبور لا شك أن الرواية العربية قد بدأت تأخذ مكانها الطبيعي بين الفنون الأدبية الأخرى، وأصبحت تتبوأ مكانة عالمية، ساعدها على ذلك ثراؤها وتنوعها ونضجها، وقد تناولتها العديد من الدراسات النقدية، وتوقفت عند الكثير من عناصرها ومكوناتها، ومنها ما يسمى بالفضاء الروائي، وهو من المصطلحات النقدية الحديثة، ولنا أن نقول أن الفضاء الروائي يشمل جميع مكونات الرواية من مكان وزمان وشخصيات وأحداث، فالفضاء الروائي كما بيّن الكثير من النقّاد مفردة شاملة وهي أعم وأشمل من مفردة المكان، وتختلط أحياناً مفردة الفضاء الروائي مع مفردات قريبة منها مثل الحيّز والمكان، ولكن الكثير من الدراسات النقدية اهتمت وعنيت بالفضاء الروائي وبيّنت أن المكان هو جزء من الفضاء الروائي. القضية الفلسطينية من الموضوعات التي اشتغل عليها العديد من الكتّاب في الوطن العربي الكبير، وتعددت وتنوعت الموضوعات التي تناولها الكتّاب في حديثهم عن القضية الفلسطينية، ومنهم كاتبنا مراد سارة وصاحب رواية (قطة فوق صفيح ساخن) الذي اجتهد في رسم صورة المخيم من خلال أحداث روايته التي بين أيدينا، فقد تعمّد الروائي على إبراز صورة المخيم بكل ما فيه من تفاصيل سواء كانت التفاصيل كبيرة أم صغيرة، وقد كان واضحاً من خلال غلاف الرواية أن الروائي قد حدد وجهته وحدد مكان أحداث روايته، فجاء على غلاف الرواية من الأعلى بخط أسود كبير (مخيم شنلر)، فالروائي قد حدد المكان بوضوح، فقد اختار الروائي شريحة من شرائح القضية الفلسطينية الكثيرة لتكون موضع دراسته. وبرمزية جميلة جداً قام باختيار الشخصية الرئيسية التي سوف يبني عليها أحداث روايته، فكانت تلك القطة التي أطلق عليها اسم (هرهورة)، والتي اتخذت بيتها في مكانٍ ارتبط بالمهاجرين واللاجئين لسنوات طويلة (مركز توزيع المؤن)، ويقارن الكاتب بأسلوب جميل مستخدماً نوعاً من أنواع المحسنات البديعية (الجناس) الكنتونات/ الكرتونات، ليقارن بين سكن القطة وسكن المهاجر الفلسطيني، «عشتُ بين أكياس الطحين والمعلبات المختلفة وبراميل السمن، أنجبتني أمي في أحدى الكنتونات، أخطأت ثانية يا مراد (في أحدى الكرتونات)» ص 13 فالفضاء الروائي الكبير هو القضية الفلسطينية، ومنها تتفرع الأمكنة الأخرى، المخيم، مركز توزيع المؤن، بيوت الصفيح، وغيرها من الأماكن، إضافة إلى ذلك، الصورة التي زينت الغلاف، صورة المرأة الفلسطينية الحزينة وأولادها الذين يقفون وقفة المهموم، المحتاج، والحزن قد ظهر على وجوههم وملابسهم الرثة. الإهداء: إحدى العتبات النصية التي تساعد المتلقي في الولوج إلى ثنايا النص ومعرفة جزء من تفاصيله الكثيرة، وقد جاء الإهداء في بداية الرواية يوضح الفضاء العام للرواية، وجاء في سطور كثيرة بل زاد حتى بلغ أربع صفحات من صفحات الرواية بدءاً: «إلى الأرض التي أخذت مسمى (مخيم شنلر)، إلى روح قطته، إلى روح والدته التي عانقت جسد أخيه في مقبرة (أبو صيّاح)، إلى الشاهد الرخامي الذي يحمل اسم والده حسب (بطاقة الإعاشة) في مقبرة الرصيفة. ويستمر الكاتب في إهدائه الذي حاول من خلاله إلقاء الضوء على مجريات أحداث روايته، فهو يذكر شيئاً من الجانب الاجتماعي للذين فرضت عليهم الظروف السكن في مخيم شنلر، «إلى جميع شوالات الخيش التي صنعت لنا من أنفسها أبواباً لتسترنا وعجزت أن تحمينا» ص 6 «إلى أرواح الذباب الذي تجمّع فوق أثداء النساء وهن يُرضعن......إلى بابور الكاز وصوته الرتيب....» ص 7 فالإهداء أخذ حيزاً من صفحات الرواية، ليحمل رسالة إلى المتلقي بأن هذه الرواية وهذا العمل الإبداعي سيكون في رسم مشاهد متعددة ومختلفة للمخيم، وليكن هذا المخيم هو مخيم شنلر. أحداث الرواية: حدد الروائي مسرح أحداث روايته عندما أختار الحديث عن مخيم شنلر، فجاءت أحداث الرواية ما بين الحقيقة والخيال، فكثير من الأحداث تم رصدها من قبل الكاتب بعين الرقيب والناقد، وربما أخفى الأسماء الحقيقية تجنباً لأسباب كثيرة، فليس للأسماء من أهمية تُذكر في السرد الروائي، فالروائي قد رسم الكثير من الأحداث الحقيقية بأسلوب ساخر جميل يبين مدى انحطاط الحياة الاجتماعية، ومدى غياب الخدمات البسيطة جداً في حياة هؤلاء الفئة من الناس، فهم محرمون من أبسط الخدمات التي يجب توافرها في أية بقعة جغرافية، مما أثر في الجانب النفسي لهذه الفئة، وقد استخدم القاص تلك القطة التي أطلق عليها (هرهورة) لتكون مركزاً للكثير من الأحداث التي تجري، فالقطة التي وظفها الكاتب أسقط عليها ومن خلالها الكثير من الأحداث التي عانى منها سكان المخيمات، فهي بلا مأوى سوى من كرتونة تقبع داخلها، وهي في جوعٍ مستمر والخوف يلازمها، « بكيتُ وهي تُخبرني كيف طُردت من موطنها، وحضرت إلى هنا، أمر قد دبر بليل وقدر حمل أمي في كرتونة « ص 13 وظّف الروائي شخصية (هرهورة) وجعل منها المراسل الصحفي الذي ينقل الأحداث رغم أنها بعين واحدة « برغم أنني قطة بعين واحدة إلا أنني الآن في قمة سعادتي وأنا أرى الناس لا يخشون ثورة أرواحهم وهم يهبون لمد يد العون وإعادة بناء سقف (الحجة خضره) وجدار (أبو أسامة)» ص40 برع الروائي في تصوير الكثير من الأحداث بأسلوب فيه الكثير من الإثارة والتشويق مما أضفى على المشهد الكثير من الحيوية والصدق، فالمشاهد التي أختارها الكاتب ترسم الحالة والوضع الاجتماعي لفئة من الناس المهمشين، فهم يعانون من أوضاع مزرية، فالكاتب يريد أن ينقل لنا صورة المخيم كما يراها، يريد أن ينقل لنا الفضاء العام لما يجري ويحدث في تلك البقعة الجغرافية التي فرضت على مجموعة من الناس المهجرين من أراضيهم وبيوتهم، حتى وصل الأمر في بعضهم لحرق زوجته بعد أن غاب عن الوعي بسبب إدمانه على الكحول « دير بالك على الأولاد يا جبر. أولادي أمانة برقبتك وما حكيت انك حرقتني، منشان ما يعيشوا أيتام الأم والأب، وما يلاقوا أولادي الأربعة سند يحميهم « ص 57 ولكن جبر يغيبه السجن بعد أن شهد عليه أحد أولاده بعد أن رأى والده يحرق أمه بكل برود. ركّز الكاتب على تصوير المخيم بكل ما فيه من ألم وحزن ومشاهد تقشعر لها الأبدان، فقد اختار الكاتب الحالة الاجتماعية التي أحيانا يرافقها الجانب السياسي في كثير من الأحداث، فالكاتب لم يغفل الجانب السياسي ولكن وصف الجانب الاجتماعي طغى على الجو العام للرواية. الشخصيات: الشخصيات التي وظفها الروائي تنقسم إلى قسمين : حقيقية وخيالية، فالروائي يتحدث عن شخصيات يعرفها حق المعرفة وإن تغيرت الأسماء، يتحدث عن أحداث الكثير منها عاشها من سكن في مخيم شنلر، فالكثير من أحداث الرواية هي من الواقع المعاش، تشعر أن الروائي قد عاش الجزء الأكبر منها، فظهرت الكثير من الشخصيات من خلال سرد الأحداث، وشعر المتلقي بمدى الصدق فيها لاقترابها من الواقع، مثل شخصية جبر الذي أحرق زوجته، شهلا، موزة، الحج نصار، مراد، حمدان.....شخصيات كثيرة تناولها الروائي في سبك أحداث روايته، وهناك في المقابل شخصيات خيالية، وظفها الروائي لتحمل رسالة أرادها الروائي، مثل الشخصية الرئيسية التي بنى عليها الروائي معظم أحداث روايته، القطة (هرهورة)، زرعها في مركز توزيع المؤن، لتكون شاهدة على ما يجري في ذلك المكان الذي يكثر فيه الناس، ليصلوا إلى لقمة العيش المغموسة بالقهر والذل. تظل هذه الرواية للروائي مراد سارة تؤرخ لفترة زمنية قد ينساها الكثيرون، ولكنها جزء كبير من حياة الشعب الفلسطيني الذي شُرد من وطنه وأرضه. يبقى أن نقول إن الكاتب وظّف بعض المشاهد الجنسية وبعض المفردات من خلال سرده لبعض الأحداث ظناً منه أنها تخدم العمل الروائي، وتقربه من الواقعية، وتزيد من قوته، إلا أنني أرى أن حذفها لا يقلل من قيمة العمل الروائي، بل قد يزيد من قوة العمل ليصل إلى شريحة أكبر في مجتمع محافظ كمجتمعنا. الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الأربعاء 20-04-2022 01:11 صباحا
الزوار: 1030 التعليقات: 0
|