«زاوية الشمس» رواية «ثنائية» تتأمل تفاصيل القضية الفلسطينية عبر التاريخ
عرار:
الدكتور بلال عوني الجيوسي
اتخذ النضال من أجل فلسطين سبلا شتى، وكان له على اختلاف أنواعه شعرا، قصة، رواية، دور هام في تعزيز هذا النضال وترسيخ قيمه وبث روح المقاومة والنضال في نفوس الناس، ولعل ما نحن بصدده يؤكد هذا المفهوم، فها هي الكاتبة الفلسطينية ميّة شلبي/كفري، والكاتب التونسي الدكتور عز الدين الصغير يسطران معا رواية ثنائية نحاول الغوص في ثنايا القضية الفلسطينية عبر التاريخ لكي لا تنسى فلسطين بمرور الزمن. ولا يخبو الأمل تحت مطارق اليأس. في هذه الرواية وجوه مختلفة بعض الشيء عما ألفناه، فما إن تبدأ في قراءتها تجدها محملة بالرموز، فالكاتبة فلسطينية مقيمة في فلسطين والكاتب تونسي مقيم في تونس وهذه شهادة للوحدة والعروبة، ولا بد من الإشارة إلى أن الكاتبة امرأة والكاتب رجل وهذا توكيد للشراكة النضالية في وجهها الإبداعي، ونرى الغلاف مقدسيا رسما ومكانا من إبداع الفنان المقدسي شهاب القواسمي، وتجري أحداث الرواية في معظمها بالقدس في وقت تتعرض فيه القدس بالذات لخطر وجودي داهم. الكاتبان _ كما أظن_ لم يلتقيا، وإنما كان تواصلهما عبر وسائل التواصل الالكترونية، وكأن رسالتهما تقول أنه «مهما تقطعت السبل بأبناء هذه الأمة فسوف يبقى التواصل واللحمة والكفاح المشترك يجمعهما . تنتظم الرواية في سلك الرواية النضالية الفلسطينية العربية، تذكرنا بـ خليل بيدس، غسان كنفاني، جبرا ابراهيم جبرا إلى محمود شقير، وسحر خليفة وأنور حامد وغيرهم. إلا أن لها خصوصية تميزها كحجر كريم في عقد مرصع بالأحجار الكريمة، تختلف في ألوانها وأحجامها رغم وحدتها الإبداعية النضالية، وأول ملامح الخصوصية هي ثنائية الكتابة، فهي تنتمي إلى فئة محدودة من الروايات المشتركة التأليف، وهي إن لم تكن جديدة على الأدب العربي والعالمي على حد سواء، إلا أنها لم تقبل بشكل واسع في العرف الأدبي وبقيت موضع جدل رغم وجود تجارب لروائيين مرموقيين كعبد الرحمن منيف وجبرا إبراهيم جبرا، ولن أتطرق هنا إلى الجدل حول ثنائية الكتابة ليبقى لذوي الاختصاص في هذا المجال. تجري معظم أحداث الرواية في القدس بشوارعها وأبوابها وحاراتها ومخابزها وزواياها الصوفية التي تبعث الدفء في قلوب مريديها، ولعل كلمة زاوية تصدرت عنوان الرواية لنحلق في تلك الأجواء بحثا عن ذواتنا من أجل نضال أكثر عمقا وأصوب بوصلة للوصول. تتجلى قبة الصخرة في كل زاوية من ثنايا النص حيث يتمركز على سطحها «ريان» يواكب الأحداث ويصوب المسيرة ويحرس الشبان والشابات ليل نهار، فهو الملاك الحارس للمناضلين والمناضلات إنه شبحنا الذي سيبقى مرابطا إلى أن تحين لحظة التحرير ليمثل الإصرار والتحدي وديمومة القضية. أما بقية الشخوص فهي تنتمي إلى أجيال متفاوتة في عمر السنين، منها من رحلوا ومن استشهدوا ومن بقوا شاهدين على العصر بذاكرة متقدة، كل هؤلاء يسهمون بطرق مختلفة في حركة نضال دائمة. وهنا تحث الرواية على القراءة وتقصي الحقائق والوثائق التاريخية ليعي القارئ الحقيقة فيزداد إيمانا بقضيته وابتكار طرق نضال تليق بالقضية في وجه هجمة شرسة لطمس الحقيقة وإضاعة الحق. كما تلمس في ثنايا الرواية كيف تنتقل القضية من جيل إلى جيل تماما كما في سباق التتابع حيث يسلم العداء الراية لزميله ليكمل المسيرة. كما تلعب الشابة «يافا» دورا مركزيا في الرواية، وهذا أمر متوقع في عمل أهداه كاتباه إلى المرأة المناضلة المقاومة أينما كانت لنستنير بدربها. تنتقل الرواية بين مشاهد متنوعة في تاريخ القضية الفلسطينية من بدء المؤامرة إلى درب طويل وشاق فيه نجاحات وفيه إخفاقات ومؤامرات. لقد أفلح الكاتبان من حماية «الحكاية» من تغول النص التاريخي فيها، فجاء السرد طبيعيا مسترسلا وملائما لفحوى الرواية. ووسط زخم النضال وآلامه لا يفوت الكاتبان صنع قصة حب ناعمة هادئة تمر كنسمة وسط زخات الرصاص وهدير القنابل وهدم البيوت وغيرها من الوسائل الهمجية التي يعتمدها الاحتلال. ولن يغفل القارئ عن ملاحظة اللغة بعمق معانيها وصورها وملامح شعرية تطل بين الأسطر في الكثير من مواقع الرواية، فقد تضافرت الشعرية والرمزية والمخيال في صنع نص جميل رغم كل ما فيه من مآسٍ. يراهن الكيان الصهيوني على أن تنسى الأجيال المقبلة المتعاقبة قضيتها وسط خمول ذهني قد يعصف بها، لكنّ مناضلين مبدعين ميّة شلبي/ كفري والدكتور عز الدين الصغير يضعان عصيهما في عجلات النسيان لتبقى الذاكرة متقدة متألقة وفاعلة. تحية للمرأة الفلسطينية والعربية، وتحية إلى المواطن التونسي الذي خفق قلبه لفلسطين كما تخفق قلوب أبنائها لها. **زاوية الشمس رواية من تأليف: ميّة شلبي/كفري- الدكتور عز الدين الصغير. صدرت عن درا الفينيق للنشر والتوزيع/عمان في 320 صفحة من القطع المتوسط.
جريدة الدستور الاردنية
الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الجمعة 22-04-2022 12:36 صباحا
الزوار: 706 التعليقات: 0