|
عرار:
محمد رمضان الجبور استطاعت الرواية الأردنية أن تجعل لنفسها مكاناً مميزا في الساحة الروائية العربية والعالمية، فقد تمكن روادها من تحقيق جماليات خاصة في الشكل الروائي مكّن الرواية الأردنية من التنافس على المكانة المميزة بين الروايات العربية والعالمية وحظيت بالقبول في الأوساط الثقافية العربية. وكثيراً ما كان التراث هو العلامة البارزة والملمح الواضح في الكثير من الروايات الأردنية، فقد رأينا الكثير من الروائيين الأردنيين قد كرّس الخطاب الروائي للبحث عن التراث الأردني بكافة أشكاله، فالرواية التي بين أيدينا للروائي د. محمد عبد الكريم الزيود « فاطمة حكاية البارود والسنابل» يأخذنا فيها العنوان عنوة للبحث عن التراث الأردني في فترة زمنية حددها الروائي في بداية روايته عندما قال تحت عنوان تنويه: «جرت أحداث هذه الرواية خلال الفترة الزمنية الممتدة بين منتصف الأربعينيات وبداية الثمانينيات من القرن الماضي، وأي تشابه بين شخصيات وأحداث الرواية والواقع هو من وحي الخيال وخيال الكاتب» وإذا أمعنا النظر في عنوان الرواية لوجدنا أن العنوان بمفرداته جميعها التي تكوّن منها تحمل في نفسها الدلالة على التراث وتشير وتأخذ المتلقي إلى التراث، فمفردة فاطمة من الأسماء التي تحمل دلالة تراثية ودلالة دينية، ومفردة حكاية وبارود وسنابل مفردات توحي وتحمل في نفسها ملامح التراث بل هي من المفردات التي تأخذ المتلقي والقارئ إلى عمق التراث. وعرّف د. «جبـور عبـد النـور» في المعجم الأدبي التراث فقـال: «هـو مـا تـراكم خـلال الأزمنـة مـن تقاليـد وعـادات وتجـارب وخـبرات وفنـون وعلـوم في شـعب مـن الشـعوب وهـو جـزء أساسـي مـن قوامـه الاجتمـاعي والإنساني والسياسي والتاريخي يوثق علائقه بالأجيال الغابرة التي عملت على تكوين هذا التراث « وفي العودة إلى رواية فاطمة نرى أن الروائي د. محمد عبد الكريم الزيود قد وظّف التراث بأشكاله وصوره المتعددة، التراث الديني، والشعبي، العادات والتقاليد والمعتقدات، التراث التاريخي. المفردة التراثية: لجأ الروائي د. محمد عبد الكريم الزيود لتوظيف المفردة التراثية لإضفاء الجو المناسب لإحداث الرواية، فالرواية تتحدث عن مجموعة من الناس البسطاء، الذين يعيشون في قرية من قرى الأردن قبل أن ينطلق بعضهم للعيش في المدينة، وقد عمد الروائي إلى شرح الكثير من المفردات التراثية معتمداً في روايته هذه على الهوامش، فلا تكاد تمر صفحة إلا وقد عمد الروائي إلى الهامش شارحاً معنى مفردة من المفردات الشائعة بين الناس في ذلك المكان، فكان للهوامش التي اعتمد عليها الروائي ميزات عدة منها: إثراء الرواية بالمفردة التراثية والحفاظ عليها من الاندثار. التذكير بمعنى بعض المفردات التراثية بعد ما أصبحت قليلة الاستعمال في وقتنا الحاضر. التسهيل على المتلقي والقارئ للرجوع إلى معنى بعض المفردات بيسر وسهولة. الهوامش شكّلت معجم بسيط للكثير من المفردات التراثية. استثمر الروائي وجود الهوامش للتعريف ببعض الأسماء والأماكن، مثل: سيل الزرقاء، السحارة، طواحين عدوان، خريسان، جبل المطوّق، حابس المجالي، معركة اللطرون، عبد القادر الجيلاني ومن المفردات التي تعرّض لها الروائي بالشرح والتوضيح: منجل، العلبة، السياق، البيدر، السالول، الرصد... فقد وظف الروائي المفردة التراثية لتخدم العمل وتبرز هويته وتتناسب مع الفضاء العام للروائية التي ركز فيها الروائي على استدعاء التراث بأشكاله المختلفة والمتعددة. التراث الديني: ظهرت في الرواية الكثير من الملامح التي تشير إلى اهتمام الروائي والرواية بالتراث الديني، فكيف تجلى التراث الديني في رواية « فاطمة حكاية البارود والسنابل» وهل كانت البنية الفنية للرواية تتناسب وتوظيف التراث الديني، الرواية تحكي السيرة الغيرية للشخصية الرئيسية فاطمة، فهي تتناول بعض التفاصيل للمكان الذي تعيش فيه الشخصية الرئيسة « فاطمة « فالروائي يرسم بعض ملامح الحياة الاجتماعية والإنسانية في فترة محددة ومكان محدد، ومما كان سائداً في القرى التبرك بالأولياء الصالحين مثل الولي زيدان « ويا ما طلبت عمتي صبحا أن أرافقها إلى مقام « الولي زيدان «، نجلس في حضرته ونصلي هناك، ونتوسل إلى الله بشفاعته، ونعود قبل أن يرانا أحد. كان هذا أحد أجدادنا كما قالت لي عمتي صبحا وله كرامات، وكانت نساء القرية كلما أصابهن شيء ذهبن إلى مقامه يتبركن بالقرب منه « الرواية ص 79 ومن ملامح وأشكال توظيف التراث الديني في الرواية اللجوء إلى أصحاب البركة للعلاج، فقد وصف الروائي شخصية الخال حسين – خال فاطمة – بأن الناس يأتونه من كل حدبٍ وصوب للعلاج، فيده مباركة، ويكفي أن يمسح على رأس أحدهم ويقرأ عليه قصار سور القرآن ليعود بعد أيام وقد شافاه الله مما شكى، أو ممكن أن يمنحه شئيا من الماء الذي قرأ عليه قرآنا، رغم أنه أمي لا يعرف القراءة والكتابة....» الرواية ص 76 فلا تخلو الرواية من توظيف التراث الديني لمناسبة الجو العام لوجود مثل هذا التراث، الذي لا غنى عنه في القرى، لطبيعة الحياة الاجتماعية ولجوء الناس إلى الدين في أغلب أمورهم. الحكاية الشعبية: وكما اهتم الروائي بالمفردة التراثية فقد اهتم بتوظيف الحكاية الشعبية التي تناقلتها الألسن من جيل إلى جيل، فالحكاية الشعبية جزء من التراث، والكثير من الروائيين الأردنيين وظّف الحكاية والقصص الشعبي في الرواية، ويروي لنا الروائي د. محمد الزيود في روايته هذه قصة الرجل الذي تحدى الجميع ليذهب إلى مغارة الضبع ويدق وتداً في بطنها، وهذه الحكاية تم توظيفها في أكثر من عمل روائي وقصصي فهي من التراث الأردني، فقد وظفها القاص فخري قعوار في احدى مجموعاته القصصية، والروائي رمضان رواشدة في روايته «المهطوان» وغيرهم... « صعد صالح المرزوق قاصداً مغارة الضبع، حمل معه الوتد ومطرقة. سواد الليل يلف الوادي. حتى الأصبع لا يُرى في هذه الليلة الكئيبة، ولا يسمع فيها سوى عواء الكلاب.» الرواية ص 115 ويدق صالح الوتد في ثوبه وعندما يهم بالنهوض يعتقد أن الذي أمسك به هو الضبع فيبدأ بالصراخ وطلب النجدة... فالروائي يستثمر هذه الحكاية في وصف جزء من الحالة الاجتماعية التي يعيشها الناس في تلك القرية. الأغنية الشعبية: يظل موسم الحصاد من المواسم الهامة جداً في حياة أهل القرى، ففي هذا الموسم ينشط الجميع في جمع المحاصيل وتخزينها، ويحاولون نسيان تعبهم بالغناء، فترتفع أصواتهم بالغناء لموسم الحصاد بأغاني توارثها الآباء عن الأجداد « والفلاحون بشواعيبهم كقرون الشيطان، يغرسونها في بطون القش، ويحملونها في الهواء، ثم يقذفونها بلا رحمة في فم الماكينة الذي لا يشبع. وفي الجانب الآخر يتعالى صوت من الحقل المجاور: «منجلي ومنجلاه منجلي ومنجلاه منجلي ومنجلاه...راح للصايغ جلاه ما جلاه إلا بعلبة.. ريت هالعلبة دواه « الرواية ص 89 وتظل الأغنية الشعبية من العناصر الهامة في استلهام التراث، وتوظيفها في الرواية يكسبها عمقاً الأمثال الشعبية: الأمثال الشعبية شكل من أشكال الأدب الشعبي الذي لا غنى عنه في الأعمال الروائية التي تمتاز بقربها من المجتمع الشعبي القروي، فالفضاء العام لرواية « فاطمة حكاية البارود والسنابل» اتخذت من القرية مكاناً لها، فكان لا بد للروائي من توظيف المثل الشعبي الذي يتناسب وطبيعة العمل الروائي،فيجد القارئ والمتلقي الكثير من الأمثال الشعبية التي وظفها الروائي لخدمة العمل الأدبي، فا هي فاطمة تقول الكثير من الأمثال على لسان عمتها صبحا « أنني هنا في بيت خالي وأنا لا يلمحني « لا طير طاير ولا وحش غاير تقول عمتي صبحا « الرواية ص 149 «وأنا والبنات في قريتنا مثل الهم على القلب» «ما يعيب الرجل إلا جيبه. يظل منا، والبنت سترتها عند زوجها» الرواية ص 150 يحفظ الطريق مثل «حمار الورادات» الرواية ص 127 فالروائي د. محمد الزيود يوظف الأمثال المتداولة على السنة العامة والتي تتناسب وجو وموضوع الرواية. المعتقدات الشعبية: يظل التراث يشكّل الجزء الأكبر من تاريخ الأمم، ويظل يحظى أي مجتمع من المجتمعات برصٌد وافر من العادات والتقاليد، والمجتمع الأردني كغيره من المجتمعات، اتسم بوجود الكثير من العادات والتقاليد والمعتقدات التي توارثها الآباء عن الأجداد، ونلمح في رواية «» فاطمة حكاية البارود والسنابل» الكثير من العادات والتقاليد والمعتقدات سواء المرتبطة بالدين أو بالأساطير التي وظفها الروائي وسلّط الضوء عليها لخدمة العمل، ومن المعتقدات المرتبطة بالأساطير التي ذكرها الروائي أسطورة «فيل خريسان» «وتتحدث الأسطورة الشعبية عن كائن يسكن في مقطع صخري شديد الاختناق بالقرب من سيل الزرقاء في منطقة خريسان وله القدرة على التحول إلى إنسان أو حصان أو بقرة أو احدى هوام الأرض». الرواية ص 29 ثم يمرون من «طواحين عدوان» حارسة السيل هي و «خريسان» حيث ينام «فيل خريسان». كان حمدان يحدثني عنه فأظل مستيقظة طوال الليل وأنا أتخيل شكله وأنيابه وكيف يأكل الرجال قرب الماء « الرواية ص 29 تاريخ المكان: مرّ الروائي على الكثير من الأماكن ذاكراً شيئاً من تاريخها، وكأنه يعود بنا مستذكرا تاريخ تلك الأماكن، فقد توقف عند الكثير منها شارحا وموضحاً موظفاً الهوامش في تعريف تلك الأسماء مثل حي الغويرية، السناد، صروت، أبو خشيبة، سيل الزرقاء، طواحين عدوان، خريسان، جبل المطوّق، القنية، غريسا، السخنة، الهاشمية، العبدلي... والكثير الكثير من الأماكن، فالرواية تزخر بالكثير من المعلومات عن تلك الأماكن والمناطق، وتعتبر مرجعاً مهماً في التعريف بتلك الأماكن. ويظل هذا العمل الأدبي إضافة نوعية للمكتبة العربية. الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الجمعة 23-06-2023 10:15 مساء
الزوار: 250 التعليقات: 0
|