مصطفى القرنة ما الذي بقي منك يا صديقي سوى شجرة عجوز تواصل رحلتها في السماء وبضع حروف تعلق في سفوح رام الله على وريقات المريمية ونشيج رعاة في سهول عرابة؟ هكذا أنت تواصل إصرارك في رسم هذه اللوحة الجميلة في شعرك العذب، وتسلك الجبال الصعبة في بلادنا الجميلة لتصل إلى نبعة الشعر الصافية وتغفو على حداء الحمام وأناشيد الرعاة الذين يعيشون في عروق قصيدتك ويحيون ذلك الأمل الذي يراودهم ببساط أخضر قريب. ما الذي بقي منك يا صديقي وأنت تعيد إلينا ما فقدناه من نسغ هذه الحياة المهددة بالموت ولكنها لا تموت وتنقل في شرايين القصيدة بعض الوجع؟ عندما اقرأ نصا من نصوص العطاري تستفيق الأرض من حولي وارى البراعم تتفتح وتستأذن الخبيزة ما حولها وتحتفل القبرات في وديان القدس وتهتز الأرض بما حملت من وردها. نعم عندما أقرأ هذا النشيد الأزلي كأنني اقلّب صفحات التاريخ الكنعاني صفحة صفحة وأفتش في صخور البحر الميت عن حكاية لم تمتد إليها يد المؤرخين. ما الذي بقي منك يا صديقي وأنت تفتش في خابية الشعر ليلا لتبحث عن غد لا يأتي ويسكنك الليل القادم من وجع الذكريات على ما ظل فتشعر بالغربة المبهمة التي تسافر في حروفك قسرا؟ ما الذي بقي منك يا عبد السلام وأنت يقتلك الوجع في امتداد الجراحات التي تغزو حكاياك وتلتهم السطور سطرا فآخر. هكذا أنت يا عبد السلام، لا تكتب شعرا أنت تستدعي كل تلك الروائح التي فقدناها من عشب الأرض إلى تينة في الأعالي لا تهزها الريح وتحتفل بأصوات غابت ولكنها تعود على وقع صدى كلماتك الجميلة. هكذا إذن يا عبد السلام، حروفك لا تترك مكانا من فلسطين إلا ومسته تماما كما يفعل الشيح والقيصوم والفرفحينة وهي تشق حتى الصخور في رحلتها المثقلة بقلة الماء حينا وبخيانة الشمس حينا آخر. ما بقي منك سوى الأمل وشاعر يواصل ترويدته التي لا تنتهي في تلك الربوع الجميلة أو سمها ما شئت القصيدة أو حكاية زمن لا يجيء أو نصوص كنعان الذي لا يختفي فهو كالشمس لا يستطيع الغياب.