صدور كتاب (قرية السّافريّة «نجمة الصباح»؛ التاريخ، الأرض، النضال، الإنسان) للمؤرخ والباحث فادي عسكر
عرار:
نضال برقان صدر عن دار المشكاة للنشر والتوزيع كتاب بعنوان (قرية السّافريّة «نجمة الصباح»؛ التاريخ، الأرض، النضال، الإنسان)، للمؤرخ والباحث أ. فادي عسكر ضمن سلسلة أعماله التأريخية لقرى الفُتُوح اليافيّة «قرى الساحل الفلسطيني الأوسط»، ويقع هذا العمل في (392) صفحة، توزعت عليها ستة فصول، وثلاثة ملاحق تشمل جداول تفصيلية لبيانات أحوال مدنية قرية السّافريّة بالفترة الممتدة (1920-1946) بناء على ما تم رصده وتحليله لـ (372) عقد زواج محفوظة في سجلات محكمة يافا الشرعية المتاحة في مركز الوثائق والمخطوطات ودراسات بلاد الشام في الجامعة الأردنيّة. يعد هذا الكتاب وثيقة محققة أثبتت في ثناياها من خلال ما تم الاستشهاد به من مئات الوثائق والحجج والمقتنيات غير المسبوقة أو المنشورة التي تم توظيفها في فصول المؤلف الستة وملاحقه الثلاثة حقيقة واقع الشعب الفلسطيني العربي الذي على الرغم من تزاحم الظروف القاسية التي عانى منها عموما والفلاح منه على وجه الخصوص إبان حكومة انتداب الاحتلال البريطاني التي صبّت جام غضبها عليه مطاردة لقمة عيشه ومقيدة حريته ومضيقة سبل حياته، إلا أنه أثبت قدرته على التحدي مستوعبا الظروف ومتكيفا مع كل ما يستجد من أحداث ومؤامرات ضاربا بذلك نموذجا في الثبات والصمود والتضحية. ومن ناحية أخرى جاءت الوثائق في تنوع مصادرها الخاصة منها والأولية مجسدة أدق تفاصيل الحياة الريفية في فلسطين بشكل موضوعي وشمولي، التي بجملتها ما هي إلا غيض من فيض يزخم من انبعاث التراث الأصيل وعنفوان الانتماء العربي اللذان بددا الحلم والادّعاء في أن الكبار سيموتون والأحفاد سينسون. وتكمن أهمية هذا العمل وتميزه كأول مبادرة جماعية ناجحة على صعيد التوثيق والتأريخ الفلسطيني العربي على مستوى مختلف النواحي (المدن، القرى، البوادي) منذ «نكبة 48» مسجلة باسم قرية السّافريّة، حيث استطاع الباحث عسكر بتظافر جهود أهالي البلدة من تجميع وتوظيف مئات الوثائق القيمة والمقتنيات التي توارثها الأحفاد عن الأجداد وما زالوا يحتفظون بها لتساهم بشكل رئيسي في سد الفراغ الأدبي في الأبحاث والمؤلفات، ليخرج المؤلف إلى حيز الوجود كنقلة نوعية في تاريخ المكتبة الفلسطينية والعربية، وبحلة فريدة من ثمار المعرفة الموثقة لإنعاش الذاكرة وتأكيد حق العودة. وقد قام المؤرخ د. عبد القادر سطيح مسؤول المركز الثقافي التركي/ رام الله بتقديم الكتاب قائلا في تقديمه: «لا تزالُ هناك أماكن وفترات في تاريخِنا المُمتد عبرَ القرون بحاجةٍ إلى مزيدٍ منَ العنايةِ والبحث، وإحدى هذه الأماكن قرى فلسطين التي هجّر الاحتلال الإسرائيلي أهلُها وطمسَ معالِمِها وغيّر أسمائها، ولعلّ صعوبةَ الكتابةِ في تاريخها وتاريخ الريف بشكل عام هو الذي أدّى إلى عُزوفِ الباحثينَ عِن الكتابةِ في هذا المجال، فالمعلومات المُتوفرة عن القُرى بِشكلٍ عام قليلة ومتناثرة في بُطون الكُتب والوثائق، لأن المؤَرخينَ عادةً ما تجاهلوا تاريخِ القُرى والبلدات ووثّقوا تاريخِ المُدنِ وما جَرى فيها من أحداثٍ سياسيةٍ، وتركوا بذلكَ فراغاً في دراسةِ مناحي الحياة المُختلفة. وفي هذا الكتابِ نَجد المُؤلف فادي عسكر يأخذُ على عاتِقِهِ عِبءَ الكَشفِ عن تاريخ قريتِهِ السافرية إحدى قُرى فِلِسطينَ المُهجرةِ. قدّم عسكر في هذا الكتاب مُحاولة تستحق الإعجاب وذلك بإبرازهِ تاريخ قريةِ السافرية ضمن التاريخ العام لفِلِسطين، وقيّد الحوادث التي وقَعتْ بها، وعرضَ التطورات التي جرت فيها، وجَسّدَ روح القرية الفِلِسطينيةِ بشكلٍ عام، وعكسَ تُراثها وثقافتِها وتحدياتِها وآمالِها، وتوقفَ طويلاً عند الحياة الاجتماعية حين قام بمعالجة بيانات (372) عقداً من عقود الزواج في سجلات المحاكم الشرعية وتحديداً في الفترة الممتدة بين الأعوام (1920- 1946م). أخرجَ عسكر هذا الكتابِ إلى النورِ بعدَ قضاءِ ساعاتٍ طُوال في البحثِ ضمنَ مصادِرَ مُتنوِعة من وثائق وسجلات ومجلات وصُحُف وكُتُب ومُقتنيات الأهالي، واستَنْطَقَ من عايَشَ أحداثِ الهجرةِ والترحيل، وميّزَ نفسَهُ باستخدامِ تقاريرَ الأمم المتحدة حول اللاجئين، ولم يَسبِقَهُ إلى ذلكَ أحَد في حدودِ عِلمِنا، ويُمكن للقارئ أن يُدركَ من غير صُعوبةٍ مدى الجُهد الذي بَذَلَهُ المُؤلف لإخراجِ هذا الكتاب. آمُلُ أن يكونَ صدورِ هذا الكتاب خطوةٌ في اتجاهِ تأسيس وعيٍ جديد، عن مدى أهمية الكتابةِ في تاريخِ الريف، وفتحِ آفاقٍ جديدةٍ في صُدورِ كُتُبٍ أخرى على هذهِ الشاكِلَةِ، كما آمُلُ أن يَسُدَ فراغاً وفجوةً كبيرةً في المكتبةِ العربيةِ، وأَوَدُ أن أغتَنِمَ الفُرصةَ لأُهَنئ المُؤلِف الذي أعَدَ هذا العمل الجاد، ودار النشر التي نَشَرَته، والجهات التي ساهمت في إخراجه إلى النور».