وجاء تنظيم المهرجان في سياق الاحتفالات باليوم العالمي للكتاب، حيث أقيمت فعاليات متنوعة لتشجيع القراءة والاطلاع على المعارف المختلفة التي تعود بالمنفعة على الفرد والمؤسسة والمجتمع.
وأُعلنت خلال المهرجان جوائز كتاب الطفل، إذ فاز في فئة 3-5 سنوات، كتاب "أحرفي" للكاتبة عبير بلان، وفئة 6-8 سنوات: كتاب "ماذا قررت يا مالك؟" للكاتبة سناء شباني، وفئة 9-13 سنة كتاب "زمردة في دمشق" للكاتبة شرين إبيش.
وتضمنت فعاليات المهرجان، جلسات المقهى الثقافي التي ناقشت إحداها مشكلات القراءة واللغة في أدب الأطفال. وقال د.هيثم الخواجة في الجلسة التي أدارها الكاتب عبدالفتاح صبري، إن "القراءة" هي أهم اختراعات الإنسان، وإنها تعدّ من المهارات الأساسية لإتقان اللغة، وهي بمثابة الوعاء الذي يحتوي ثقافة الطفل، وينمي الإبداع والابتكار لديه، فضلاً عن أنه من أهم مصادر المعرفة.
وأضاف أن اقتناء كتب الأطفال، يستدعي "اختيار ما هو لائق شكله وغني محتواه"، والاطلاع على اسم الكاتب، ومعرفة هل هو من النوع المتقيد بالمعايير الفنية والأدبية والتقنية لأدب الأطفال أم لا.
وتابع الخواجة أن القراءة تعني أن يعرف الطفل المعنى المقصود من وراء الكلام، وليس نطق الحروف نطقا سليما كما يعتقد بعضهم. وأشار إلى أهمية القراءة الصامتة التي تهملها الأسرة والمدرسة في هذه الأيام، وتتحمل الأخيرة مسؤولية ضعف القراءة لدى الطفل. ودعا الخواجة المدرسة للاهتمام أكثر بالحصص اللاصفّية، والتي يجب أن يقضي الأطفال الجزء الأكبر منها في المكتبة.
وناقشت جلسة أخرى أدارتها د.صالحة عبيد، أثر الشكل في تلقي كتاب الطفل، وتحدثت الكاتبة بلسم سعد عن أهمية الشكل الخارجي للقصة في جذب الطفل للقراءة، موضحةً أن بعض دور النشر تهمل هذا الجانب، وتغفل أن المعايير الفنية لكتاب الطفل يجب أن تراعي الشكل والحجم والتصميم ونوعية الورق.
وعرضت سعد بعض النماذج التي تعدّها ناجحة في ما يتعلق بشكل القصة الجاذب للطفل، فبعض الكتب تراعي احتياجات الأطفال المكفوفين وقد طُبعت كلماتها على طريقة "بريل"، وصورها مجسمة وبارزة للخارج ليستطيع الطفل المكفوف تحسسها. وهناك كتب أخرى نجحت في رسم واختيار نوع الورق المستخدم للغلاف، وأخرى رُسمت رسومها بطريقة بسيطة جدا وجاذبة للطفل.
كما نُظمت جلسة ضمن المقاهي الثقافية ناقشت "المحتوى القيمي للقصة الموجهة للطفل"، وأدارها هشام الدمرجي، وتحدث فيها د.هيثم الخواجة عن مدى تأثير القصة على الطفل وثقافته، رغم المتغيرات الكثيرة التي يشهدها العصر الحالي. فالحكاية من وجهة نظر الخواجة تقوِّم سلوك الطفل، وتعلّمه العبر والأخلاق التربوية السليمة. ثم انتقل المحاضر للحديث عن نوع القصة التي تثري خيال الطفل، وبهذا لا يمكن للكاتب الابتعاد عن بعض الشروط الفنية للقصة، فقصص الصغار يجب أن تكون متكاملة الشروط والعناصر الفنية.
وأضاف الخواجة: "الكاتب في قصص الصغار ليس مُصلحا اجتماعياً، ويجب أن يكتب بعيدا عن أسلوب الفجاجة والتعنيف، وعليه أن يكتب أولاً بهدف الإبداع وبناء السلوك والثقافة، والفكر والإثراء اللغوي، ثم تأتي في المرتبة الثانية الأخلاق التربوية".
كما نُظمت جلسة بعنوان "كتاب الطفل صناعة متجددة"، أدارت الحوار فيها رانيا زغير، وتحدثت فيها د.هويدا عبدالقادر عن صناعة كتب الأطفال وتجددها عبر العصور، وكيفية تطورها منذ أن كانت تلقيها الجدات والأمهات على الصغار، فبالرغم من أنهن لم يكن يملكن أي كتب أو قصص ورقية في الزمان البعيد، إلا أن هذا النوع من القص يعدّ كتابة أدبية.
وأشارت عبد القادر إلى أننا عندما نتحدث عن أدب الأطفال، فإننا نتحدث عن أدب يكتبه الكبار، وهذه الكتابة تتطلب جرأة حقيقية، فهي رهان وتحدٍّ صعب. وعلى الكاتب أن يوصل فكرة معينة بتفاصيل وأحداث ووقائع معينة بلغة سلسلة وبسيطة وواضحة. كما أن القصة ليست مجرد أحداث وشخصيات تقوم بالدور، وإنما هي قيم يجب أن تُغرس بالطفل. ومن المهم أن يكتب الكاتب بروح الطفل، ويعيش طفولته من خلال قلمه، ويحاول أن يفكر بعقلية الصغار.
ولفتت المحاضرة إلى آخر دراسات علم النفس التي تشير إلى أهمية قراءة الأم لطفلها، بما يجعله يكبر ليصبح مواطنا سويا نفسيا، خاليا من العقد ومخاوف الطفولة.
كما نُظمت محاضرة بعنوان "كتاب الطفل.. صناعة المستقبل" شارك فيها كل من نبيهة محيدلي ورانيا زغير وبلسم سعد، وقدمت المحاضرة وأدارت الحوار منية برناط. حيبث قدمت محيدلي تصورها عن الكتابة للطفل بحكم أنها كاتبة ولها أكثر من 50 إصداراً، وقالت أنه لا يجب ظلم كتاب الطفل، فهو ذو دور رئيسي في تطور مستقبل الطفل، إلى جانب عوامل أخرى مؤثرة منها التلفاز والتكنولوجيا، ودور الأسرة والمدرسة.
وأشارت إلى كثرة الكتب المنشورة للطفل، وصعوبة الاختيار بما يتوافق مع الدين وقيم المجتمع، موضحة أن دور الأسرة في هذا الجانب مهم لاختيار ما يناسب المرحلة العمرية للطفل.
واستعرضت بلسم سعد الصعوبات التي تواجهها كناشرة، ومنها كثرة النصوص، وصعوبة فرز واختيار أفضل الكتب، وخطر القرصنة التي لها تأثير سلبي في نشر الكتاب وتوزيعه.
إلى جانب ذلك، أقيمت ندوة فكرية تضمنت محورين هما "تعانق الإبداع والإعلام"، و"الكتابة للطفل وثقافات الشعوب"، إذ تحدثت الكاتبتان منى صابر وريّ عبدالعال في المحور الأول، بينما تحدث في المحور الثاني كاتب الأطفال عبدالتواب يوسف، والناقد د.محمد حسن عبد الحافظ، وأدارت الندوة د.الناقدة هويدا صالح، التي قالت إن المحورين يصبان في الوعي الجمعي، ويتكاملان في طروحاتهما المتعلقة بتأثير الإبداع عموماً، وبأشكاله المتعددة والمتنوعة، التي تمتد من الكتاب إلى أشكال الميديا كافة.
وقالت صابر إن "تعانق الإبداع والإعلام" شكل من أشكال الحلم والطموح، إذ قلما نجد اهتماماً كبيراً من القنوات الفضائية بالاهتمام بالكتاب أو الكاتب، أو بالشؤون الثقافية، ورأت أن تلك الفضائيات "تقوم بتسويق الفنانين واللاعبين، وتتغافل عن المبدعين، تُستثنى من ذلك بعض القنوات التي اتخذت من الثقافة عنواناً لها، مثل (النيل الثقافية)". وأضافت: "لم يعد الكتاب خير جليس في هذا الزمان، بل أصبح التلفزيون كذلك"، وقالت إن هذا الواقع انعكس على أطفال اليوم، حيث أصبح التلفزيون "أماً بديلة".
ورأت صابر أن انصراف الناس عن القراءة يعود لا إلى انشغالهم بمتابعة التلفزيون عوضاً عن القراءة فقط، وإنما إلى أسباب اجتماعية وثقافية، وإلى ميل الثقافة العربية إلى الشفاهية عموماً، وليس إلى التدوين والقراءة.
أما عبدالعال فقد بينت أن العلاقة بين الكتاب والإعلام تنطوي على الكثير من الإيجابيات، وأشارت إلى دور بعض قنوات الأطفال العربية التي طورت الكثير من برامجها، لتقدم المعلومة بلغة عربية سلسة وجميلة، وعبر جماليات بصرية قادرة على جذب جمهور الأطفال إلى المعرفة.
ولفتت عبد العال إلى دور وسائل الاتصال والأجهزة الجديدة في نشر المعرفة لدى الأطفال، ومنها جهاز "الآي باد"، وقالت: "إن كتب الأطفال يجب أن تحقق المتعة للأطفال بالدرجة الأولى، وأن تشدهم إلى القراءة، لا أن تكتفي فقط بتوصيل الحكم والعبر فقط".
أما المحور الثاني فقد تحدث فيه عبد التواب يوسف عن خلاصة مسيرته الطويلة في الكتابة للأطفال، وتوقف عند علاقة أدب الأطفال بثقافات الشعوب، موضحاً أن حكايات الشعوب تعكس تقارباً كبيراً في ما بينها، حيث يمكن أن توجد الشخصية الشعبية أو القصصية في غير ثقافة وبأكثر من شكل. واستشهد بشخصية "سندريلا"، كاشفاً أن هناك نحو 350 "سندريلا" في حكايات الشعوب، أقدمها "رادوبيس" المصرية، التي تناولها الروائي نجيب محفوظ في أحد أعماله. ورأى يوسف أن كتّاب الأطفال معنيون اليوم بتقديم إضافات جديدة إلى تلك الحكايات، ووجهات نظر غير تقليدية عنها.
أما محمد حسن عبدالحافظ فقال إن الأدب الشعبي يبين أن الشعوب تمتلك الكثير من المشتركات بينها، رغم الخصوصية الثقافية لكل شعب، كما أنه يؤكد أن الحكي غريزة إنسانية. ورأى عبدالحافظ أن تاريخ الحكايات الشعبية يؤكد وجود تأثيرات مختلفة قدمتها الشعوب المختلفة على الحكاية الواحدة. وشدد على أهمية التكامل بين الأدوات التي تعزز المعرفة لدى الأجيال، والاستفادة من إمكانات كل وسيلة من الوسائل، عوضاً عن التركيز على عوامل الاختلاف.