زيارة إلى المسرح الوطني و(شارع المتنبي) والعتبة الكاظمية، ومعرض الكتاب، تعطي فكرةً أوّليةً عن الفعل الثقافي الذي يسعى هو الآخر للاستفادة من مسعى الدولة في التعبير والنقد.
لا يكاد يخلو حفل ثقافي أو مهرجان في بغداد من كونها (مدينة السلام)، و(جامعة العرب)، التي تحتفي هذا العام عاصمةً للثقافة العربية، وهي مفرداتٌ تنشد خطاباً جديداً، يشترك الجميع في صوغه، مهما تباينت أشكال التعبير ومنطلقات هذا التعبير.
 وهو ما حملته وزارة الثقافة العراقية في ترحيبها بالأسبوع الثقافي الأردني في بغداد، الأسبوع الذي تستعدّ لإقامة مثيله في الأردن، في اتفاقية يجددها مسؤول العلاقات العامة والإعلام في الوزارة عقيل المندلاوي، في لقاء يجمعه بوزير الثقافة بعمان.
الحضور النخبوي الجاد، لأنشطة مسرحية سابقة لحفل افتتاح (الأسبوع الثقافي) وتالية له، قدّم عينةً على مستوى النقاش في ردهات المسرح وتداول تفاصيل التفاصيل.
 وهو النقاش ذاته الذي يتداوله (الناس) في المطعم والمقهى والسوق، ويحفز على المقارنات واستدعاء التاريخ، استناداً إلى جمهور يسعى لترسيخ خطاب الثقافة باستثمار المتاح من المناخ، خصوصاً بعد إعلان رئيس الحكومة قبل أسابيع أنّ الثقافة من الوزارات التي ينبغي لها أن تكون (سياديّة). 
 ولعلّ هذا هو ما أشاع لدى المثقف العراقي شهوة أصيلةً في القراءة الواعية، والجهر بهذا الوعي؛ بانتشار مخطوطات ونوادر كان ينظر إليها من (الممنوعات)؛ في حين أنّها نفائس، الإقبال عليها اليوم يرضي غرور المثقفين ويلبي الحاجة بالاطلاع والتنوع.
في الأسبوع الثقافي الأردني في العراق، أوّلِ الأسابيع العربية هناك عقب ألفين وثلاثة، دلّت الحفاوة الشديدة على تأكيد رسالة المثقف وخطابه الإنسانيّ، وهي الرسالة ذاتها التي يحملها الشعار العريض (إنما المؤمنون أخوة)، للتقريب بين المذاهب باعتماد الحوار الهادف البناء وتبادل الرأي، في مؤتمر يقام في بغداد ويحمل مسمى التقريب.
(أنتم الأقرب إلى عقول العراقيين وقلوبهم)؛ تلك كانت كلمة وزارة الثقافة العراقية، ومتابعتها هذه الأيام لتشترك الفرقة الوطنية العراقية في مهرجان جرش. 
المثقف العراقي في الداخل وفي المنافي يمكن أن يصنع المشروع الثقافي المحلي ويؤثر في المشروع الثقافي العربي، ويمكن لوهج الثقافة على الأقل أن يقاوم ظلام ما تخلقه السياسة من تقلبات.
الأسبوع الثقافي الأردني، ومع أنه تقلّص كثيرٌ من فقراته، إلا أنّه لقي حضوراً محترماً، ورعايةً بروتوكوليّة، بحضور وكيل الوزارة فوزي الأتروشي وبرلمانيين، شاركهم السفير الأردني في العراق محمد القرعان. 
حمل الأسبوع كلمة وزارة الثقافة الأردنية التي ألقاها عيسى الشبول في تأكيد العلاقات وأهمية التبادل، وهي الكلمة التي تضمنت فقرات ترحيب وزارة الثقافة العراقية، التي ألقاها رئيس لجنة بغداد في احتفالية عاصمة الثقافة د.أحمد الجبوري.
وكلّ هذا عبرت عنه اللوحة الفلكلورية التشاركية بين الفرقة الوطنية العراقية وفرقة عمون للفنون، بحضور إعلامي وشعراء وفنانين ومهتمين، وتغطية إعلامية، فضائية على وجه التحديد.
لاقى الفيلم الوثائقي الذي عرّف بالأردن إمارةً ومملكة،.. تفاعلاً وانسجاماً، مثلما شاطر الكتاب العراقيون كلمة المشاركين، التي ألقاها كاتب السطور، وأكّدت قيمة الخطاب الثقافي وتأثيره الذي يدوم.