يا صديقي في عناق الحبر وتمرّغ اللّون فوق مساحات البياض ، رحيلك كان مؤلما وبريق عينيك هامسه النّعاس ، كم من المسافات البعيدة والقريبة جمعت بيننا ،، بين زيتونة خضراء رويتها بعشقك للوطن وبين سوسنة الكرمل الغافية على جبال الصّبر والانتظار وما وراء البحر والرّحيل والغربة والسّفر .
هل فاتك أن تدرك ما خلف الحدود وما دون الحدود ، هل أقفرت تلك الدّروب من عابريها وسقطت بيوت المدينة تحت نعال الغرباء؟ رقصت الرّيح وصلب الحقّ على موائد السّفهاء ، وزهرة الخميلة تنفض الآن غبارا تراكم فوق الرّفوف المنسيّة هناك تركت محبرة ..ريشة ..منفضة ..وغصنا فسكن الحلم وأطبقت الكتب أجفانها ، سقط الغصن من فم الحمام لتحمل عمرين على كفن ،، تعود الى العشرين وتغنّي "عمري عشرون / رجل في عرف الأيام كأبيه/بشراك أبي/ نادت بالفرحة أمّي/عزمت من حولي الأصحاب / عشرين أضاءت لي أمّي/خلفي أغلقت الباب / ومشيت بدربي دون طعام / فهنالك مائدة ونبيذ/ وسرير في ظلّ الأشجار/ أستلقي أقرأ بعض كتاب/ وتصفّف في دربي الأحجار/ وتجيء لتسجد لي الحزمات/سجدت كلّ النجمات/ وقميص مزّقه ذئب لم يولد / ذئب تعرفه التّجار/ عشرين أضاءت لي أمّي والشّمس أضاءت لي الأعوام/ لم أعرف فيها طعم طعام/ وطعامي ملح ،،اسفنج مغموس بالخلّ/ وكتابي فوق الرّف ينام/ لا تقفل في وجهي الباب/ عمري عشرون/والشّمس ستولد خلف الباب / لا تفتح ان شئت الباب"
يا سيّد النّدى والصّدى ، هي الأيام حملتك على ريش النّوارس ، حلّق هناك كما تشاء، واقرع الأبواب كما تشاء، هناك يحتفلون بلذّة الصّمت وبالانسان ، يزفونه برقصة في عرس الدم وبالحنّاءيغسلون صمت العار والنّار ، هناك تحتضنك الملائكة فتبصر موطن قدميك ، تتناثر الحروف وتلتحف بثوب من بياض ، دون رقيب ولا عين حارس للعشق ، سوف يتجمّل الوقت احتفاء بقدومك ألست القائل:"كضيف يريدونك غير ثقيل / سترحل لا شك وبعد قليل/ فأهلا بك في بيت أهلك والخلاّن/ ومع السّلامة يتهلّل عند رحيلك كلّ لسان/ أنت وحدك/ أنت وحدك والغربة والزّمان/ خذ الرسائل لا تنسى ذاك العنوان" .
سافر يا صديق القوافي واللون والرّيشة ، ضاجع الأحلام وافرغ الكاسات نخبا للعودة ، سئمنا الغاب والقيء والسّباب وقصة الذّئب على موائد الشّراب ، سئمنا وتمنينا لو مرة يعود السندباد من رحلة العذاب ، يحطّم المجذاف والأمواج في العباب ،، لو مرة واحدة لا يخدعنا السّراب ...!!!