|
عرار: الاسم طارق محمود فراج محمد • اسم الشهرة / طارق فرا ليسانس آداب – جامعة عين شمس 1992م • عضو عامل باتحاد كتاب مصر رقم2551 رئيس تحرير مجلة " الواحة " التي يصدرها فرع ثقافة الوادي الجديد – إقليم وسط الصعيد الثقافي- الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة • عضو فخري بدار ناجي نعمان للثقافة . لبنان شرف صفحة الأدب بجريدة أخبار الوادي الجديد • العنوان / جمهورية مصر العربية- محافظة الوادي الجديد- مركز الداخلة – عين القضاة • حاصل على ليسانس الآداب – جامعة عين شمس 1992 م / قسم الجغرافيا • الأعمال المنشورة : • الشقوق ( رواية ) سلسلة إبداعات الداخلة 2003 م " طبعة محدودة " • البنات؛ ديوان شعر ( إقليم وسط وجنوب الصعيد الثقافي 2002 م ) • باب للخروج. رواية عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر. لبنان 2010 م • صحراء العابرين. ديوان شعر منشور إليكترونيا على موقع الشاعرة "مروة رخا"ومدونة " سيناء حيث أنا " أعمال متفرقة في المجلات والدوريات الأدبية مثل : مجلة الثقافة الجديدة المصرية ، أخبار الأدب ، مجلة الجوبة السعودية ، مجلة أوغاريت السورية ، مجلة الشعر المصرية،أقلام جديدة الأردنية – كتاب الجوائز السنوي الصادر عن دار نعمان للثقافة بلبنان - الأمثال الشغبية في الواحات ، دراسة ميدانية . مجلة الفنون الشعبية ، مارس 2008 م ........................ تنفتح الأبواب 1- كثيرة هي السنوات التي قضيتُها على دروب الصحراء جيئة وذهابا.. كل الصباحات التي مرت من هنا أعرفها، كل الطيور العائدة إلى أعشاشها في المساء حطت أولا على كتفيّ...، اتركوني هنا أفتح قلبي كما أشاء .. هنا السماء صافية كوجه نبي لا ضجيج يغلف ليل البائسين، ولا سهرات بالفنادق الكبيرة، ولا أصدقاء تلهيهم الأيام عني 2- طفلتي تعلمت المشي والحلم في يوم واحد.. تعد الأشجار على أصابعها والطيور إذ تمر، تبني قبابا بيضاء في السحاب، وتخط في الرمال أحلاما خضراء ، وتبكي كلما هبت الريحُ فضيعت القباب ومسحت الأحلام. 3- يهبط المساءُ كزائرِ غريب لا يملك إلا ابتسامته فتأوي الأحلام إلى أعشاشها، وتختبئ الأغنيات بين ثنايا العشب ألم الأغنيات التي رويتها من دمي وأعود الأغنيات التي كبرت كشجرة وحيدة عرّشت على دروب الصحراء.. ثغاء الماعز يذكرني بمرارة في الحلق كنت قد نسيتها ، وذكريات هزيلة تموء في الضلوع 4- الأحلام سفينة ضخمة ترسو على شاطئ الأيام ولا تقلع أبدا. 5- كثيرة هي الدروب التي انزلقت من تحت أقدامنا وتركتنا للفراغ فتحنا صدورنا للريح وقلنا لا بأس طالما هناك سقف يحرس الأيام القادمة. 6- الأمل يظل أملا حتى لو صار شجرة تشتبك جذورها الواهنة مع حافة الهاوية. 7- في كل صباح أفرد ذراعيّ لأقصى ما أستطيع منتظرا أن تنبت لي أجنحة. 8- هديل الحمام في عشه الدفيء يجر أمام ناظريّ شريط الذكريات .. ، وحده القلب يبكي بلا دموع. 9- أية حيرة تلك في ليل شفيف صامت مرصع بالنجوم بينما الروح حبلى بالسؤالات !! 10- بدلا من صنع أسلحة للخراب لم لا يهتم البشر بصنع مجارير للهموم أو آلات ذكية لتنقية الصدور من الغدر والزيف ، لتقليم أظافر القبح والنفاق، لردم الدسائس، لتطهير الهواء من التلصص ....، خارت قواي أيها العالم وتفتقت براعم شجرتي عن ورود سوداء. 11- صوت الحادي يملأ الفراغ فتسيل أودية من حنين قطعت القافلة شوطا مجهدا للأمام وقلوب الرجال ترنو للخلف نحو نقطة الابتداء . 12- رحماك أيتها الوحدة ما هذه القسوة التي تعاملينني بها تضربين حولي جدارا شاهقا من الفراغ !! 13- الظلمة لا عيون لها.. لها قلب يحمل في أعماقه حقلا واسعا من الضياء . 14- لن أخفي عليك يا أخي لقد نجوت بمعجزة بالأمس فقط اصطدم قلبي بآهة واهنة لعجوز آهة قذفتها الريح صدفة باتجاهي. 15- من أعماق السحاب نظر الماء في قلق للأسفل وحين رأى اتساع الشقوق في الصحراء تملكه الخوف وفي الأسفل تطلعت الصحراء للسحاب، تقافزت في فرح طفولي ، ابتسمت .. فزادت شقوقها اتساعا !! 16- كلما تحدرت دمعة من عين طفل انغرست راية سوداء جديدة في قلب العالم . 17- الصحراء ليس لها جدرانا حرة كالطير، لانهائية كالروح، دروبها مفتوحة أبدا بلا إشارات مرور .. الصحراء امرأة ولود تنجب تربتها كل صباح ألف سؤال. 18- رغم أنه كان يحترق إلا أنه لم يصرخ.. تلك كانت المرة الأولى التي تخترقه فيها نظرة صافية بلون المطر. 19- صوتك ذاك المسكون بالعبير واحة خضراء عامرة بالنخيل، صوتك ذاك عش تأوي إليه الطيور في المساء .. صوتك الذي غاب يا أمي 20- كلما أشرقت شمس أستند إلى جذع نخلتي التي تحرس البيت ، أحتسي شايا مرا ، أنظر في عيني طفلتي التي تجلس قبالتي تنظر لي .. وتبتسم وخلفها الصحراء شاسعة بلا حدود. 21- لم يكترث لي رغم أني حذرته دخل القلب دون أن يطرق الباب أغلق النوافذ وأرخى ستائره السوداء انتزع صورتها من الإطار ووضع صورته ثم أطفأ المصباح ... أية جسارة تلك التي تمتلكها أيها الحزن !! 22- كان عليّ أن أخرج من ذلك الباب نفسه الذي دخلت منه ذات يوم أذكر أني حين دخلت لم أجد إلا الفراغ وحين استدرت راجعا لم أجد الباب !! 23- استهلكتني السنون وخذلتني ذراعاي.. احفر لي قبرا يا حفّار القبور، اجعله عميقا غائرا شبيها بجرح الوطن، بعيدا عن أعين الناس لا يأبه بدموع الآخرين كعيني حبيبتي احفر لي قبرا يا حفار القبور وحين تنتهي اغرس لي شجرة ورد قرب شاهدي . 24- كلما أغمض عيني تنفتح الأبواب . ألم خف الحزن ( أ ) يبدو أنه وجد ملاذا طريا في أعماقي فلجأ إليه متوسدا ذراعه وكلما أفاق من غفوة أتخبط في الحوائط كالمجنون أتجول في محيط الحجرة ولا أشعر بالمسامير التي تنغرس في أقدامي ثمة دموع ساخنة تسيل فأشم رائحة الطين في أنفي ثمة دموع تسيل داخلي فتروي جذورا ذابلة لعلامات استفهام كثيرة علامات استفهام أورقت ولم تثمر يوما.. ظمأى هي السؤالات في الأعماق وليس أمامها سوى نبع من سراب . (ب) نظر الحزن إلي ضحك حتى استلقى على ظهره تفقدت ملابسي ، ملامحي ، فتشت في أعضاء جسدي لم أجد ما يدعو للضحك نظرت مليا في المرآة عجبا !! ثمة قبلة عالقة بشفتي صحت في فزع : تلك القبلة ليست لي ترى من أين أتت وأنا ما قبلت امرأة منذ سنوات ؟! 2- الخيبة: قضيت وطرا من العمر في معالجة الخيبات التي طوقت رقبتي بالسلاسل، في محاولة انتزاع قدمي من مستنقعات الانتظار المرير ...، من أين لي ببلطة أجتث بها شجرة الحلم التي تطاولت داخلي وعكرت صفو ركودي وخنوعي في مواجهة الأيام من أين لي بشفرة حادة أقطع بها أصابعي التي أدمنت الحبر والورق ؟؟ إيه أيتها الصحراء لم تتركي لي سوى الرمل والدموع . 3- الشاعر: في واحتك النائية أنت تحتاج فعلا إلى تمشية كهذه في الثلث الأخير من الليل تمشي في تؤدة تترك آثار خطواتك على تراب شوارعها غير عابئ بالبرد ومبتهجا بقطرات المطر التي تسقط على استحياء تعرف أنه لن يقابلك في تلك الشوارع النائمة سوى ظلك الحميم تشعر أخيرا أن العالم أصبح في قبضتك ستتقافز قليلا وربما تلقي التحية على الكلاب المتكومة لصق الجدار وحدك في براح هذا الليل العميق تدندن أغنية قديمة لكن لماذا يبدو صوتك ضائعا وحزينا أيها الشاعر ؟؟ 4- يوم آخر: أقبل ظاهر يدي وباطنها بعد أن أضع فتات الأمنيات بجانب الجدار قررت منذ هذه اللحظة - وربما أستطيع - ألا ألتفت.. إن نظرة واحدة للأمام خير من نظرات عديدة للخلف فقط أمهلني يوما آخر ألوّن فيه ابتساماتي الباهتة أبعثر بعضها على المارة وأعلق بعضها كالرايات على أعمدة الشوارع أمهلني يوما آخر ألملم فيه أحزاني أضعها في صرة وأعلقها كتميمة على صفصافة شارعنا وعندما تهزها الريح ستصدر صوتا خافتا كالأنين يهرع الناس إليها يضيئون الشموع ويضعون النذور بعد أن يهمسون بأمنياتهم التي لن تتحقق بالطبع 5- آفــة : في ضحى أحد الأيام أمشي كأنما قوة خفية تسير بي نحو نهر الشارع أجلس القرفصاء أنزع عني قميصي وبشفرة حادة أحاول الوصول إلى جذورها التي ضربت في الأعماق ثمة ألم خفيف في الصدر ودماء غزيرة تسيل ها قد فعلتها أخيرا الآن أواصل الطريق ثانية بثبات وطمأنينة بعد أن ترددت لسنوات.. دمي يسيل في الشارع وأنا أتبعه 6- وطن : ( أ ) سنوات من العمر أهدرتها في الكتابة : ألم الصحراء كخرقة متهرئة وأعيد صياغتها - أخيط لها ثوبا جديدا - أوزع صخورها حسب رغبتي تحت كل صخرة أضع أمنية صغيرة - أطلق فراشات ملونة من يدي أشكلها كسحابات في السماء وأنتظر أن تمطر - أرسم مدنا هادئة ومتنزهات ملأى بالعشاق سنوات من العمر أهدرتها في الكتابة دون جدوى ... ، كبرت كلماتي تعلمت المشي والقفز فوق الحواجز وصارت لها أنياب بينما ألم الصحراء كوطن ضائع وأعيد صياغته من جديد - أمهد له طرقا واسعة تحف بها الأشجار - أفتح في كل جدار نافذة تمرر الشمس والهواء - أصنع وطنا يقودني من يدي يدلني على الطريق (ب) عندما تصبح الدنيا أضيق من ثقب إبرة فإن حجرتي هي وطني، وحين تدهمني المدن المزدحمة ولا أجد إلا موطئا لقدمي فإن حذائي هو وطني، وعندما يتعلق الأمر بجياع الأرض والخائفين والذين يفترشون الحصى ويلتحفون الفراغ فإن العالم كله وطني . الشوارع أيضا تعشق الغناء خلف ستائر هذا المساء تقف وردة وحيدة تعصف بها الريح .. يستأثر بها الخوف ، ويغسلها المطر ......، نجمة مضيئة تسقط الآن في عتمة الليل الجريح . *** طرقت بابه مرّات ولا مجيب .. ، كان البابُ مقفلا ، عادت خالية الوفاض تاركة نظراتها هناك معلّقة على الباب. *** يرفع الهواء طرف ثوبها الفضفاض ويضحك ، ينظر العاشق إلى ساقيها ويبكي . *** المصابيح الخافتة في الشارع الهادئ تعرف وقع خطاه إذ يمرّ .. تنتظره كل ليلة لتسمع غناء قلبه الشجي . البكـاء 1- الإجابات الناعمة تسلقت أحزانه .. ، وعقدت جدائل شعرها حبلا غليظا حول رقبته، وعندما نفض ملاءة الجرح تدحرج سؤالا كبيرا فسدّ عليها الطريق . 2- هذا الأمر لن ينتهي على خير .. لأنني قررت بعد مجاهدة ألا أرتكب خطيئة الحب مرة أخرى .. ، لكن عينيك القادرتين على الذبح تدوران حولي .. ، فلتنحّي الشفقة جانبا يا كائنا من الرقة الخالصة وكوني صبورة مع قلب أفتقد الارتعاش منذ زمن وضربت العزلة بجذورها في لحمه الحي فاعذريه إذا قرر بعد تردد أن يتخلص من ملابسه كاملة ليجرب الرفرفة .. ، راقبي الآن إنه يطير . 3- يخرج المد عاليا يسحقني .. ، تخرج الكلمة مبتورة مقطوعة الرأس والبكاء شجرة هزها الحزن فأثمرت رجفة مكتومة ما من شيء يميزني سوى تلك الخضرة التي تملأ قلبي محبة ، ترفع عن كاهلي إرثا ثقيلا من الدم وتترك مكانا صالحا للألم.. للبكاء....، البكاء يرتق الجروح . صلاة يقف على ناصية الليل ، يسامر النجوم علّه يكتشف ضوءا يقوده خارج ظلمة الوجوه التي يئن كاهل الأرض منها ..، لم تترك له المدينة بكامل فتنتها حيزا صغيرا للحلم .. ، أغلق صمته المليء بالكلام ، وأسدل ستائر سميكة على نوافذ مخاوفه ويمم وجهه بلا تردد شطر الصحراء . *** ذلك الجرح الحاد كالشفرة اقتلع شجرة الحنين من ضلوعه وأهداها كاملة للمرأة التي قابلته بنصف ابتسامة في ذلك اليوم الشتائي البعيــــد. *** بخطوة معتادة، وسلاح متحفز على الكتف يخرج قلبُه في نوبتهِ الليلية يمشي وحيدا على منبت الأرق لعله يرى وجهها الحلو وهي تخدش عتمة النافذة داخلة إلى شهوة الحلم . حديقة على طاولة يدي على الطاولة تزحف في بطء شديد وبإصرار مستميت نحو يدها، يدها المضيئة، يدها التي تخلصت من تعاسات الماضي ، يدها التي كانت تعاشر البرودة والوحدة، يدها التي انفرجت أصابعها وتهيأت .. ، أصابعها المرتعشة ، أصابعها التي تعشق العناق، أصابعها التي تحفزت لتوها لاستقبال الحياة من جديد، لاحتواء أصابعي أصابعي التي خربشتها قسوة الحياة وأحدثت فيها ندوبا عميقة ، أصابعي التي تشبثت بأصابعها الرقيقة، أصابعي التي وجدت بغيتها أخيرا ، أصابعي التي تخشى لحظات الانسحاب ينبع منها الدفء في لحظات العناق فتنزل دموعها ساخنة من فرط شوقها .....، الأصابع المتوحدة في نشوة تنمو في ثناياها زهرة دافئة ، تتفتح ، تبث العطر ، تتشابك أوراقها تصنع حديقة صغيرة على مفرش الطاولة حديقة زهور صغيرة على هيئة قلب تشرق شمسها القزحية ، ترفرف في سمائها الطيور ، يجلس في ظل أغصانها عاشقان صغيران بينهما طاولة ذات مفرش مطرز بالحنين، تزحف يده في بطء شديد وبإصرار مستميت نحو يدها يدها التي ترنو في هدوء يدها التي أسبلت جفنيها قليلا وانفرجت أصابعها متحفزة للعناق. وحده في ليالي الشتاء بينما ينضج الشاي على خشب الموقد الطيني تشده رائحة السنوات البعيدة حاملة إلى جسده الهرم سيلا من الوحشة والفقد .. ، وحيدا كان .. منشغلا بعصاه التي يحث بها جمرات الموقد يجتاحه بحر من حنين ، يفور الشاي بينما رعشة باردة تتسرب في شقوق ذكرياته القديمة ينتفض .. يرنو إلى قرص الشمس وهو آخذ في ألأفول. *** خاض حروبا كثيرة أحرز فيها انتصارات شتى ، مشى كطاووس في الشوارع والناس من ورائه تهتف ، مشى كثيرا .. ، وفي نهاية شارع طويل لم يجد وراءه سوى حشد من الذكريات، أمامه كان الشتاء بسترته الداكنة، يقف مسددا فوهة مدفع النسيان إلى صدره المزدان بالأوسمة. *** وحده في ليالي الشتاء .. أحزانه تجره في الشوارع كجرو صغير.. ، يشتاق إليها تضمه إلى صدرها الحنون كي يعود طفلا لا يعرف الألم . التماثيـل حين تتبخر الخطوات من الشوارع وتخلد البيوت والأشجار لنوم هادئ تنمو أمام ناظري بنايات شاهقة موزعة بانتظام نوافذها اللامعة تعكس صورا لبنايات أخرى لا أحد في الشوارع ، لا طيور في السماء ، لا صوت سوى تنفس الريح في الخلاء .. التمثال الضخم في الميدان الواسع النظيف هو ما أرعبني حقا .. ، لم يكن سوى حذاء !! تسيل من مقدمته المثقوبة رمال ناعمة .. تتقدم ببطء في نهر الشارع باتجاه فمي المفتوح.. وعيني . *** كان يقف شامخا في وسط الميدان بلباسه العسكري الأنيق ، تتدلى من عنقه نظارة معظمة، وتشير سبابة يمناه إلى البعيد كأنما يشرح أمرا .. ، هو الآن خلف مقهى متواضع في طرف المدينة وجهه إلى حائط متهدم يستخدمه رواد المقهى مكانا للتبول .. !! هذا التمثال الذي يبتلع الآن أحزانه في صمت ويبكي دون أن نرى دموعه نحته فنان شهير لرجل مهيب كان يهتف له الشعب يوما : " بالروح .. بالدم .. نفديك .... !! " *** هالة من الحزن كانت تضيء عينيه صرخ ذات صباح: - الوقت سيد الأشياء ، - والطغاة راحلون .. أراد أن يبكي فاستعصت الدموع وارتسمت على ملامحه حيرة موجعة عندما تفحص المكان ولم يجد شيئا .. فقط .. كانت الوحدة تملأ البيت .. ، ركل الأواني ، حطم زجاجات فارغة ، مزق قميصه ، ثم تشرّبه الصمت ...............، في الصباح كانت كومة من رماد الكتب ترقد في صالة البيت مشفوعة بورقة بيضاء كتب عليها بخطه الدقيق : " لا شيء لي ". موسيقى حمراء 1- الموسيقى التي أسمعها الآن من أين تأتي !! وأنا في الظلمة التي أعرفها جيدا .. ، أستشعر طراوتها ، تسري برودتها في مسارب النفس والظلام بطيء الخطوة يتمشى في الأرجاء .. ، أتحسس الأسوار العالية الملساء ، أدور داخلي وكل حلقة مفرغة تسلمني لأختها وليس ثمة مخرج..؛ الآن أغمض عيني أحس بنقطة الضوء التي تلوح في البعيد وتهتز ..، تتناهى إلى أذني موسيقى خافتة كأنها تأتي من حجرة مغلقة في مكان بعيد . 2- تصدح الموسيقى متكسرة في فضاء الغرفة المعطر، الأحمر الخافت يضرب الحوائط بحمرته ، يسيل على الأرضية اللامعة وامرأة يلتف الرجال حولها ، يحملونها على أكف النشوة ، يقبلون قدميها .. ، تحملهم نار متوهجة ، نار تبدأ من الفراش وتنتهي به ...... !! تلك المرأة تقف الآن على باب الذكريات وحيدة تتلفت : - قطعة سكر تحجرت على رف تهالك واحتله التراب ، - مستنقع كريه الرائحة في عمق غابة .. ، تطرق الأبواب كمتسول لحوح ولا مجيب . 3- تنسحب اللحظات الجميلة في خوف نحو الداخل .. ، سوف يمر وقت طويل قبل أن أرى فرحة ترقص عارية بلا خجل تحت المطر .. هـذا العالم الموسوم بالعار يطحن النقاء بلا رحمة يجره نحو المقبرة ثم .. يرتفع الشعار : المجـد للغبـار ثمة وطن للعصافير وكان ثقب في أفق المساء على شكل وردة وفي منتصفها تماما عيناك على شكل نجمتين ترتعشان مع اهتزاز الضوء وتذرفان لحنا شجيا يتحوّل مع قتامة الغروب إلى عصفورين تائهين. *** وكانت شجرة عجوز تقف وحيدة بائسة .. نظرت في كل اتجاه فلم تر غير الصحراء ما من كائن هنا يؤنس وحدتها ..، فجأة هبت ريح قاسية وتحطمت منها بعض الأغصان كان منظرها محزنا وهي تئن بالأسفل قررت الشجرة أن ترحل فربما وجدت وطنا آخر أكثر أمنا عندها حط على أغصانها عصفوران تائهان وابتدءا يبنيان عشهما وهما يتحدثان عن روعة وطنهما الجديد عندئذ نبض قلب الشجرة بقوة وكأن جذوة مشتعلة تسري في عروقها . *** العصفور لا ينصب الفخاخ لبني جنسه من العصافير.. الإنسان يفعل . *** كلما حط عصفور فوق هذا الباب ازداد حنينه إلى أمه الشجرة *** ابتسامتك الحلوة تزقزق مثل عصفور صغير تنقر بأناملها الرقيقة على شفتيك تقول : أحبك فيتردد صداها في فضاء قلبي الموحش . *** دموع خطانا التي تسير في اتجاهين مختلفين أحرقت العشب تحت أقدامنا *** مختوم فمي بصرخة لم يجئها المخاض بعد . *** ستمرين الآن أمام الدار آفلة من النبع تحملين جرة الماء وعندما يحرك الهواء طرف ثوبك الطويل تشرئب أعناق النخيل في آخر الشارع.. تخونني قدماي لا أقوى على الوقوف أتشبث بالجدار وأوقن أن زلزالا رائعا سوف يضرب القرية الآن . *** الأحلام المبتلة لا تقوى على الرفرفة . *** في صحراء كتلك لم ير الناس أبدا تساقط الثلج فقط .. يحلمون به في المنام في المدينة البعيدة يتساقط الثلج دوما ولا يراه الناس ذلك لأنه يتساقط أولا في قلوبهم . *** بابتسامة عريضة أمام الكاميرا يقف صانعو تاريخ البشرية يقدمون وصفات سهلة للسعادة .. لتحقيق الأحلام العظماء الذين أرسلتهم العناية الإلهية يطئون بأحذيتهم اللامعة الوجوه التي تنظر لأعلى تنظر إليهم ، تصدق أكاذيبهم .. تصفق .. وتنبهر . *** مثل كلب الأثر أتفقد رائحتك في كل مكان كانت لنا فيه ذكرى رائحتك العصية على النسيان عالقة في هواء الليل رائحتك المفعمة بالشوق تنحني أمام سريري كل ليلة أدسّها في رئتي قبل أن أدخل في عراكي الأبدي ضد الأرق . *** أمارس طقسا رتيبا كل ليلة أحمل حزن اليوم وأضعه جانبي على الفراش أتوسد حلمي القديم وأنام في كل ليلة يولد حزنا جديدا .... ، هكذا تتكاثر الأحزان بينما يشيخ الحلم . سنوات الثلج في الليل .. تأخذني نظراتك للداخل، تربت على كتفي وتضعني في سريري .. سريري الذي لا زال يحتفظ بحرارة جسدي ونقاء أحلامي سريري هناك دافئ رغم سنوات الثلج التي حالت بينا..، الريح القالعة سكبت دواة الحزن من يدي ، أحدثت في رأسي فجوة بحجم الحب الضائع وانهمرت منها الذكريات الحميمة كمطر يغسل أوراق الخريف دونك أنا شجرة عارية في صحراء مرويّة بالعطش، نخلة عجوز تقف في وجه العواصف دونما أمل في النجاة .. كلما احتدم العناق بينا علقت نباتات الوحشة في طرف ثوبك الأبيض .. الآن تجذبك الأشواك للخلف تدمي قدميك الناعمتين وتدفعني نحو الهاوية .. كلما حاولت ضمك بين ذراعي تسرّبت مثل طيف ، مثل قبلة في حلم تاركة مكانك في القلب باردا دواة الحزن التي انسكبت رسمت حدودا منهكة تحمل بين ضلوعها إرثا ثقيلا من الخوف والتشتت وتنزّ دما ساخنا ......، أنا في البلاد الغريبة جسدي في الثلج وقلبي يفترش ظل سروة سامقة في بلادي . الطريـــــق ( 1 ) روحي شاردة .. ، والأحزان تحملني من رصيف إلى رصيف عيناي تحدقان في اللاشيء عم أبحث ؟؟ والنجوم لا تمنح الخبز للجياع والأشجار لا تتحرك إلا إذا حركتها الريح . ( 2 ) الجمل العجوز لا ينتعل الأحذية .. ، يسير حافيا على حصى الصحراء تلسعه سياط القيظ ، يؤلمه وخز الأشواك ، يئن من حمله الثقيل لكنه يسير .. فأمله الوحيد أن الطريق حتما ستنتهي ليستريح . ( 3 ) فجأة .. بقدمين عاجزتين ، ورأس منكسة غزاها الشيب ولسان يرقد كجثة باردة بين شفتين جافتين أدخل عامي الأربعين.. تسألني دمعة فرت لتوها: - ما الذي تحقق من الأحلام !! ( 4) للأقدام فعلا ذاكرة إنها تشعر بالحنين فقط للشوارع التي لفظتها . ( 5 ) كلما تقدمت خطوة في الشارع الكئيب شدتني ظلمته للخلف .. ، أحلامي البعيدة التي غرستها بيدي على الأرصفة جفت عروقها .. ، الآن تجذبني بيديها القويتين وأنا مقيد الساقين !! ( 6 ) نظف يديك الآن جيدا فالحياة في مدن الصمت ضياع دائم ، وعلبة حريرية زاخرة باللاشيء .. هل طاوعك الصلصال كي تشكل رغباتك الفائتة في صورة حبيباتك الغائبات ؟ كلهن هجرنك في منتصف الطريق ورائحة صلصالك مازالت في يديك .. توضأ الآن ويمم وجهك شطر الصحراء . ( 7 ) في مدن الرماد لا يأبه الطريق بالغرباء يذر الغبار في عيونهم ، يمنحهم آهات مكبوتة ، وبكاء بلا دمع يشعل أعواد ثقابه في أعشاب قلوبهم ويتركهم ينزفون شوقا لأصابع حانية ربتت على ظهورهم ذات يوم في زمان بعيد . ( 8 ) حين تتحطم قدماي وأحتاج سلما أصعد به فوق كبوتي امنحيني يدك لا تخافي لن يسقط العالم فوق رأسينا معك.. أنا جذوة مشتعلة وحلم يمشي على قدمين. اللص الذي سرق الأيام بقامتها المديدة .. ، بخطوتها الواثقة .. ، بتفاصيل جسدها الأنثويّ .. ، بزخم عطرها العتيق تأخذني الواحة في دروبها .. ارفعيني بين يديك يا حبيبتي ربما أصل إلى مدار العاشقين . *** الحرائق التي اشتعلت تحت جلدي ثم خبت نارها أجّجها الحنين إليك مرة أخرى .. عيناك الآن ذكرى ، لكنها تمنحني قوسا قزحيا كلما ألقت الأيام تجهمها في طريقي .. المجد لعينيك وحدهما يا قمر الصحراء . *** كل الحروب التي خضتها خسرتُها كل المباديء التي آمنتُ بها اقتلعت منّي مفاتيح الطرق المعبّدة وقذفتني خارج الأسوار وجسر الفرح الوحيد الذي شيدتُه حجرا .. حجرا قادني في النهاية نحو حتفي . *** اللص الذي سرق حقولا شاسعة كنت أهرّبها كل صباح مع هبّة النسيم لتحرس أبوابها ، اللص الذي سرق الأيام منّي وغاب أربعين عاما كاملة ظهر اليوم في سحابة رمادية قبل الغروب ليخبرني أنه كان يختبيء داخلي . أدخليني في عرسك الأبدي للألم أن يتبخر تماما في الثالث من مايو ، لوريقات الفرح القليلة المتناثرة على أغصان شجرة العمر أن تكبر ، تخضر ، وتزهو.. ، حديقة الورد التي أعتني بها منذ عامين فقط والتي أهديتني إياها اشتعلت دماؤها في الثالث من مايو نعم .. رأيتها تشتعل ، تسيل ، تندس في أوردة العشاق مكونة بحيرات من الدفء تلهو حولها طيور الحمام الجبلي حديقة الورد التي أهديتني إياها منذ عامين فقط تبثّ عبيرا فواحا يضمخ القلوب المتعبة متعب أنا يا حبيبتي منذ تسع وثلاثين عاما أركض كجواد كهل ترغمه الأيام على الركض والطريق الطويل عامر بالشوك والمضمار لا ينتهي ......، للحزن أن ينزوي فقط .. من أجل عينيها التي فرحت بي . أمام قبرها 1- في شارع الحياة الطويل أنا .. بلا قدمين هكذا إلى آخر الرحلة.. قدماي أكلتهما الصخور الناتئة ، والسنين الطويلة التي مرّت لم تقدني إلى وطن .. الحياة كشراع مهتريء ، تخترقه الريح من كل الجهات وتاريخي الذي لم يعد له تاريخ ينزف في البحر . 2- في شارع الحياة الطويل أنا .. لم أستطع أن أقبض على لحظة واحدة من السعادة ، لكنني استطعت ببراعة صياد أن أجمع في جعبتي كل الحفر استهلكتني الفخاخ المنصوبة على أرصفة الشوارع ودفعتني صرخات الألم إلى مجرور النفايات. 3- المرآة الضخمة في الشارع تعرف حركتي جيدا ..، ترصدني فكلما تقدمت خطوة للأمام يدفعني شبيهي في المرآة للخلف لأبدأ من جديد. 4- امتصتني الحياة في إسفنجة ضخمة .. غيبتني بين مسامها الظلمة حولي ، بين يدي ، في مسارات دمي .. أحلم بالصغار يلعبون في مساحات شاسعة خضراء تحت سماء لا تعرف القنابل ولم تسمع عن الصواريخ ، أحلم .. وأكتفي بالحلم. 5- أمام قبرها جلست تجولت كثيرا في طفولتي الزاهية قضمت قضمة كبيرة من فطيرتي المحشوة بالزبد والسكر ، عدوت حافيا في الشارع بين أقراني أناطح النجوم ... بعد كل هذه السنوات أنا بلا طفولة ، بلا فطيرة محشوة بالزبد ، بلا أقران .. وحدي الآن أمام قبرها واضعا وجهي بين كفيّ ، الكاتب:
ابتسام حياصات بتاريخ: الخميس 28-11-2013 03:18 صباحا
الزوار: 3020 التعليقات: 0
|